يحق للسيد ما لا يحق لغيره
حين يبرئ السيد حسن نصرالله النظام السوري من دم اللبنانيين، فإنه لا يجد من يحمّله وزر هذا الدم غير إسرائيل. ليس لأنه يعرف بدقة كيف خططت إسرائيل لعمليات الاغتيال، بل لأنه يعتقد أن من مصلحة إسرائيل أن تقتل اللبنانيين وتلقي بالتهمة على النظام السوري.السيد حسن نصرالله أعلم منا، نحن الصحافيين على الأقل، بما يحاك في كواليس السياسة والمخابرات على حد سواء. وليس في وسعنا إلا أن نصدق أنه مقتنع بأن جرائم الاغتيال التي تضرب لبنان منذ التمديد للرئيس الحالي اميل لحود تنفذها يد إسرائيلية، قد تكون مباركة أميركياً وقد لا تكون. والسيد حسن نصرالله أعلم منا في السياسة، وهو يعلن أن تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بالنظر في جرائم الاغتيال التي تحصل في لبنان، لا تهدف إلى معاقبة القتلة واحقاق الحق. وإنما تهدف إلى إسقاط آخر أنظمة الممانعة العربية المتمثل في النظام السوري. وإذا كان السيد نصرالله أقل علماً من غيره من السياسيين بما يدور في كواليس الإدارة الأميركية وما تحيكه وتعده من خطط حيال المنطقة، فإنه قطعاً يعرف أكثر من غيره في ما يتعلق بالنظام السوري والإيراني. وحين يعلن تبرئة النظام السوري من جرائم الاغتيال، فإنه يستند في هذا الموقف القاطع إلى معرفته الوثيقة بما يجري في سورية دولة ونظاماً، لكنه قطعاً ليس ممن يعرفون الخطط التفصيلية التي تعدها وتنفذها حكومة إيهود أولمرت المصغرة. والحال هكذا، فإنه حين يبرئ النظام السوري من دم اللبنانيين، فإنه لا يجد من يحمله وزر هذا الدم غير إسرائيل. ليس لأنه يعرف بدقة كيف خططت إسرائيل لعمليات الاغتيال، بل لأنه يعتقد أن من مصلحة إسرائيل أن تقتل اللبنانيين وتلقي بالتهمة على النظام السوري. لا بأس في أن يتهم السيد نصرالله إسرائيل بتنفيذ عمليات الاغتيال في لبنان. سياسياً على الأقل. لكن ما ينبغي علينا ملاحظته في هذا السياق، أن السيد نصرالله إنما يتهم إسرائيل اتهاماً سياسياً وليس قضائياً، أي أنه اتهام لا يستند على معلومات واعترافات موثقة. لكنه حين يرد على الأكثرية البرلمانية التي تتهم النظام السوري بتنفيذ هذه العمليات يتهمها بالإسراع إلى الاتهام السياسي من دون الاستناد إلى أي مسوغ أو مستند قانوني. أي أنه يأخذ على الموالاة لجوئها إلى الاتهام السياسي، لكنه يجيز لنفسه أن يتهم في السياسة.. وأن يؤكد التهمة. يضع السيد نصرالله شروطاً على خصومه، لكنه لا يلتزم هو نفسه بها. وها هو من جهة ثانية يضع مواصفات للرئيس المقبل ويشترط ألا يكون هذا الرئيس خاضعاً لأي طرف خارجي أو مشبوهاً بعلاقات من هذا النوع. ولو أردنا أن نعمم هذا المقياس «ليطاول» السيد نفسه، لبدا بديهياً أن يرد عليه أي كان بالقول: إنه لا يجوز لمن يبدأ خطبته بإعلان الولاء المطلق للسيد علي خامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، أن يطالب غيره بالولاء للبنان فقط. فإذا كان ثمة شك في ارتباطات خارجية لبعض المرشحين لرئاسة الجمهورية اللبنانية، فإن أمر ارتباطات «حزب الله» الخارجية لا يدانيه الشك من أي جهة أو باب. بل إن السيد يعلن خضوعه التام وولاءه المطلق لوليه الفقيه السيد علي خامنئي ولرئيس الجمهورية الإسلامية في إيران السيد محمود أحمدي نجاد. كما لو أن السيد نصرالله يريد احتكار علاقات لبنان الخارجية لحزبه وقادته. فلا يحق لأي كان في لبنان أن يقيم علاقات خارجية عدا «حزب الله» وقادته، لأن هؤلاء يرون أنفسهم منزَّهين ولا يقربهم الفساد من أي جهة كانت، فيما «تطاول» الشكوك خصومهم من كل جانب. وهذا افتراض نزاهة في النفس وخساسة في الخصم لا تستقيم معها أي دعوة للحوار. إذ من الذي يريد السيد أن يحاوره في هذه الحال، إذا كان هو وقادته منزهين عن الخطأ والفساد، بينما خصومهم يغرقون في أخطائهم وفسادهم؟ إنها التتمة المنطقية لمقولة «أشرف الناس» التي أطلقها السيد على جمهوره، كما لو أنه يقول إن جماهير خصومه هم أقل شرفاً، إن لم يكونوا بلا شرف على الإطلاق.دعوة السيد إلى الحوار وفقاً لهذه الأسس والمنطلقات تبدو كما لو أنها فقدت كل مقوماتها. فلا ينجح حوار إذا كان أحد أطراف الحوار يعتبر سلوكه منزهاً عن أي خطأ أو قصر نظر. خصوصاً حين يكون واحدا من بعيدي النظر المنزهين عن كل خطأ والذي يجدر باللبنانيين الامتثال لبعد نظره، من طراز الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد. فيُمنَع على اللبنانيين الاعتراض على سياساته، في وقت لا تجد هذه السياسات من يدافع عنها بين الإيرانيين أنفسهم.* كاتب لبناني