الاتحاد الأوروبي يتحرك إلى الأمام أخيراً

نشر في 30-06-2007
آخر تحديث 30-06-2007 | 00:00
من المبكر أن نحتفل الآن. ولن يأتي وقت الاحتفال إلا بعد إقرار المعاهدة الجديدة. والحقيقة أن الظروف التي أحاطت بالتوصل إلى تسوية بروكسل قد خلفت أثراً من المرارة. ومع ذلك فلابد وأن نعترف بأن الاتحاد الأوروبي قد خطا قبل أسبوع خطوة حاسمة على المسار الصحيح.
 بروجيكت سنديكيت بعد قدر عظيم من الضوضاء والجلبة، نجح الاتحاد الأوروبي في تفادي الكارثة ولكنه بالكاد فعل، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق إلى الهاوية. ففي جهد موحد تجنبت أوروبا أزمة كبرى كان من شأنها أن تبث الفرقة والانقسام في جسد الاتحاد لأعوام مقبلة، وأن تجعل من أوروبا مادة للسخرية والاستهزاء في كل أنحاء العالم.

لقد توقف الاتحاد عن الحركة تماماً منذ عامين، حين صوتت فرنسا وهولندا برفض المعاهدة الدستورية. ولكن مع الاتفاقية الجديدة، بدأ الاتحاد في التحرك من جديد.

ومع أن التفويض الذي حصل عليه مؤتمر الحكومات بوضع معاهدة دستورية جديدة سوف يسفر عن شيء أقل من دستور، إلا أن المعاهدة المقبلة سوف تتجاوز معاهدة «نيس» الحالية بمسافة شاسعة شريطة أن تسير الأمور وفقاً لما تم الاتفاق عليه. ولكن أوروبا ما زال عليها أن تتجاوز عقبتين هائلتين: مؤتمر الحكومات، ثم التصديق على المعاهدة وإقرارها عن طريق البرلمانات الوطنية أو من خلال الاستفتاء العام في جميع الدول الأعضاء.

الحقيقة أن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تستطيع أن تفخر بما تم إنجازه حتى الآن. فهذا هو نجاحها الحقيقي الأول في عالم الدبلوماسية الدولية. لقد اشتملت ليلة الجمعة تلك في بروكسل على قرارات حقيقية وصعبة للغاية. ولقد راهنت المستشارة الألمانية على الكثير، لكنها فازت. وهي تستحق الاحترام والتقدير.

إذا ما ظهرت المعاهدة الجديدة إلى الوجود، فلسوف تتحول الإصلاحات المؤسسية التي يحتاجها الاتحاد إلى حقيقة واقعة، كما سيتم تفعيل إجراء تصويت الأغلبية المزدوجة، حتى ولو جاء ذلك بعد بعض التأخير. لقد عمل الاتحاد الأوروبي لمدة عشرين عاماً في تصميم هذه الإصلاحات. فلقد كان الاتحاد الموسع، الذي بات حتمياً بعد انتهاء الانقسام الأوروبي نتيجة للحرب الباردة في العام 1989، في حاجة ماسة إلى مؤسسات جديدة تعمل بكل كفاءة وشفافية.

من المفترض أن تصبح المعاهدة الجديدة سارية بحلول العام 2009. ويبدو أن أوروبا كانت في حاجة إلى عشرين عاماً حتى تتغير، وهذا ليس بالأمر المطمئن بأي حال من الأحوال.

إن المعاهدة تدعو إلى تعيين وزير خارجية جديد للاتحاد الأوروبي ورغم أنه سيحرم من هذا اللقب رسمياً، إلا أن الجميع سوف ينادونه به يتمتع بصلاحيات إدارية قوية في كل من المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي. وسوف يحل محل الرئاسة الدورية رئيساً منتخباً للمجلس. وتسعى المعاهدة إلى إيجاد نوع من التوازن الجديد بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، ومنح البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية دوراً أكثر قوة. كما سيحصل مواطنو الاتحاد الأوروبي على حقوق أساسية ملزمة قانوناً، وتصبح قرارات الأغلبية هي القاعدة العامة المعمول بها.

كان ثمن التوصل إلى هذه الاتفاقية باهظاً. فالمعاهدة الجديدة ليست أكثر بساطة أو أكثر شفافية من الدستور المرفوض، بل إن الأمر على العكس من ذلك. ومما لا شك فيه أن الجدل الذي صاحب الإعداد للاتفاقية، وفي بروكسل ذاتها، لم يسهم في تعزيز شعبية الاتحاد الأوروبي بين مواطنيه. إن الضرر الذي نتج عن هذه العملية سوف يدوم لزمن بعيد، بل لقد أصبح بوسعنا بالفعل أن نتوقع العواقب التالية:

أولاً - عززت تلك الليلة من المفاوضات الشاقة في بروكسل من استمرار عملية «أوروبا ذات المستويين» لعقدين مقبلين من الزمان. لقد أحرزت الدول المتمردة نصراً باهظ الثمن، وذلك لأنها سرعان ما ستدرك بوضوح أنه حتى ولو تبنى الاتحاد الأوروبي هيكلاً تأسيسياً جديداً، فإن الدول المتقدمة في الاتحاد سوف تقرر فيما بينها كيف ستكون الترتيبات اللازمة. ولسوف يعمل التعاون المعزز بين هذه الدول وبين منطقة اليورو كأداة لتحقيق هذه الغاية.

ثانياً - أثبت التعاون الفرنسي - الألماني أنه لا غنى عنه في إطار الاتحاد الموسع. فعلى الرغم من كل الفوارق التي قد توجد بين الدولتين وهي الفوارق التي من المرجح أن تنمو، إلا أنه لا يوجد بديل للتحالف بينهما.

ثالثاً - عمدت المملكة المتحدة إلى إضعاف موقفها مرة أخرى داخل الاتحاد الأوروبي. ذلك أن سياستها القائمة على «اختيار عدم المشاركة» تجعل بريطانيا على هامش الاتحاد الأوروبي دوماً. وهذا من شأنه أن يقلل من أهمية بريطانيا، سواء بالنسبة لأوروبا أو على الصعيد العالمي.

لقد أصبحت الأهمية السياسية والاقتصادية لكل القوى الأوروبية المتوسطة في تضاؤل مستمر. وتشهد هذه القوى تقلصاً واضحاً مقارنة بالولايات المتحدة والعمالقة الناهضة في آسيا. ولن يتسنى إلا لأوروبا القوية أن تشكل الثقل الموازن المطلوب. وعلى هذا فإن المملكة المتحدة التي تلعب دوراً هامشياً في الاتحاد الأوروبي سوف تفقد نفوذها بسرعة أكبر، بما في ذلك صوتها الخاص في الولايات المتحدة.

رابعاً - يتعين على بولندا أن تسأل نفسها أي نوع من الأدوار ترغب في الاضطلاع به في الاتحاد الأوروبي. إن بولندا بلد على قدر كبير من الأهمية داخل الاتحاد. والحقيقة أن مصالح بولندا الأساسية، وموقعها السياسي الجغرافي، وتاريخها، كل ذلك يفرض عليها أن تبذل قصارى جهدها للمساهمة بأكبر قدر ممكن في تعزيز قوة الاتحاد الأوروبي. إلا أن الحكومة ذات النـزعة القومية في وارسو عازمة على عزل نفسها داخل أوروبا.

يتعين على البولنديين أن يوجهوا إلى أنفسهم هذا السؤال التالي: هل تَـسـعَد روسيا، التي تشكل الهم الأمني التقليدي بالنسبة لبولندا، أم تحزن إذا ما نفذت الحكومة البولندية تهديدها واستخدمت حق النقض لإعاقة اتفاقية بروكسل؟ والإجابة واضحة: فلسوف يبتهج الروس أشد ابتهاج، ولسوف يحتفلون سراً بالأخوين التوأم على رأس الدولة البولندية.

من ناحية أخرى، فإن أوكرانيا، التي يناصر البولنديون قضيتها في أوروبا ظاهرياً، سوف تواجه مصاعب خطيرة إذا ما استخدمت بولندا حق النقض. ولم يكن من قبيل العبث أن يحاول الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو، أو كما قيل، توضيح هذه الحقيقة للزعامة البولندية في العديد من المكالمات الهاتفية.

فضلاً عن ذلك فإن الضرر الذي لحق بالعلاقات الألمانية - البولندية يتجاوز المشاحنات البسيطة بين الحكومتين، ليتغلغل في أعماق المجتمعين الألماني والبولندي. ولن يكون إصلاح هذا الضرر بالمهمة اليسيرة، إلا أنه يشكل أهمية كبرى لأن أي سياسة أوروبية متماسكة في التعامل مع روسيا والتي تمثل أحد التحديات الرئيسية العاجلة التي تواجهها أوروبا تعتمد إلى حد كبير على التعاون بين بولندا وألمانيا.

إنه لمن المبكر أن نحتفل الآن. ولن يأتي وقت الاحتفال إلا بعد إقرار المعاهدة الجديدة. والحقيقة أن الظروف التي أحاطت بالتوصل إلى تسوية بروكسل قد خلفت أثراً من المرارة. ومع ذلك فلابد وأن نعترف بأن الاتحاد الأوروبي قد خطا قبل أسبوع خطوة حاسمة على المسار الصحيح.

يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا السابق ونائب مستشارها، وأحد زعماء حزب الخضر لما يقرب من العشرين عاماً

«بروجيكت سنديكيت» بالتعاون مع «الجريدة»

back to top