ما بعد المواجهة البحرية في مضيق هرمز
وجّه بوش إلى الإيرانيين في زيارته الأخيرة إلى دول الخليج رسالة أساسية مفادها أن عدم التوصل لاتفاق علني وواضح معكم في العراق بالرغم من تقدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية الأخير، يعني المزيد من التصعيد ضدكم. طغت «المواجهة البحرية» بين الزوارق الإيرانية والسفن الأميركية في مضيق هرمز على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ورافقت زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة مثل ظله، وتوالت تفاصيل المواجهة وخلفياتها، وبشكل أعاد الأهمية البالغة لمضيق هرمز إلى بؤرة الاهتمام الدولي، حيث ذكرت صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم 12 يناير الجاري أسباباً مثيرة للسلوك الأميركي أثناء الحادثة. تقول الصحيفة إن البنتاغون سرّب معلومات لها مفادها أنه في تدريب بحري شبيه بتلك الحادثة (War Game) أجرته البحرية الأميركية في عام 2002، بين مجموعة كبيرة من الزوارق الحربية السريعة مجهزة بمتفجرات ويقودها انتحاريون؛ في مواجهة سفن حربية فقد خسر الفريق الأخير ستة عشر سفينة حربية في وقت استغرق ما بين خمس إلى عشر دقائق فقط، وتفسر هذه الخلفية ربما سبب عدم إطلاق البحرية الأميركية للنار على الزوارق الإيرانية في الحادثة الأخيرة، ولكن بالرغم من وجاهة التفسير يبدو الأمر أعمق وأكبر من ذلك. وإذ استهدفت إيران من هذه المواجهة توجيه رسائل متباينة (راجع مقالنا هنا الأسبوع الماضي)، فإن الاستيعاب الأميركي للمواجهة وأداء بوش الإعلامي في زيارته إلى المنطقة استخدما الحادثة بأثر لاحق لتوجيه رسائل أميركية مقابلة للعرب والأوروبيين والإيرانيين في آنٍ معاً. أسقط بوش ورقة الملف النووي كمرتكز للتصعيد ضد إيران وهو يلوح الآن بورقة مضيق هرمز، الذي يمثل أهمية فائقة لكل الدول العربية الخليجية التي تصدر النفط عبر المضيق. وهكذا تتحول أميركا من مناد بالحرب والتصعيد ضد إيران إلى حامٍ لتدفق النفط عبر مضيق هرمز؛ وبالتالي الضامن للمصالح العربية في الخليج. باختصار استغلت واشنطن المواجهة لتقول إن إيران تهدد الملاحة في الخليج، وبدلاً من أن يكون العرب تحت رحمة إيران يجب عليهم الانضواء في التحالف المناهض لها. وفي هذا السياق ظهر نفي وزارة الخارجية الإيرانية نية التعمد والقول إن الحادث كان «اعتياديا وروتينياً» وأنه «هدية على طبق من فضة» لإدارة بوش، إذ قدمت الحادثة على اعتبار أن هكذا أعمال روتينية تعني أن إيران تستطيع إغلاق المضيق في أي وقت، وهو ما يستثير مخاوف الدول العربية في الواقع أكثر مما تستثيرها التكهنات حول المستوى التكنولوجي الذي بلغه البرنامج النووي الإيراني والمدى الزمني لبلوغه امتلاك القنبلة. الرسالة الأميركية إلى الأوروبيين هي أن إغلاق المضيق سيرفع سعر النفط إلى الأعلى، وبحيث يبدو السعر الحالي الذي يدور حول 100 دولار للبرميل حلماً سعيداً في حال تم إغلاق المضيق، وإذا استمر التهديد الإيراني للملاحة في الخليج قائماً سترتفع أسعار التأمين على ناقلات النفط، وهو ما سيكبل السعر النهائي له بقيود إضافية وبالتالي إصابة المصالح الأوروبية في الصميم. وتأسيساً على ذلك تهدف الرسالة الأميركية إلى حشد الأوروبيين بشكل أكثر فعالية في الاصطفاف الدولي المواجه لإيران والضغط عليها بنعومة لتتخلى عن بعض تحفظاتها على الأداء الأميركي حيال إيران. وهكذا تغيرت أدوات إدارة بوش من فكرة «القنبلة النووية الإيرانية» التي لا يقوم عليها أي دليل إلى فكرة إغلاق مضيق هرمز، خصوصاً بعد الفشل الاستخباراتي الأميركي في العراق وفكرة «أسلحة الدمار الشامل العراقية» التي زعزعت صدقية الإدارة الأميركية. ولا يخفى أن التصعيد في هرمز يكتسب معاني إضافية لدى الأوروبيين، ففي خلال الحرب العراقية الإيرانية تم التعرض من الطرفين للناقلات، وجعلها جزءاً أساسياً من ذكريات هذه الحرب لدى الأوروبيين بالرغم من السعر المتدني جداً لبرميل النفط وقتذاك.يوجه بوش إلى الإيرانيين رسالة أساسية مفادها أن عدم التوصل لاتفاق علني وواضح معكم في العراق بالرغم من تقدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية الأخير، سيعني المزيد من التصعيد ضدكم. وكان التقدير الأخير «راجع مقالنا هنا في 6 ديسمبر 2007» قد نفى بثقة عالية وجود برنامج نووي عسكري إيراني حالياً، وتوقعت الولايات المتحدة الأميركية أن تتلقى تعاوناً إيرانياً أكبر في العراق والخروج باتفاق علني على تفاصيله بعد «جائزة» التقدير المذكور، ولكنها لم تتلق الرد المناسب. والآن تعود واشنطن لتلوح بورقة مضيق هرمز لممارسة الضغوط على طهران وصولاً إلى انتزاع تنازلات منها في العراق خلال الجولة القادمة للمفاوضات. وهكذا احتدمت الرسائل، ولكن المعاني السياسية الكامنة طيها صيغت بحسابات باردة!* كاتب مصري