مشاهدات كينية 2 من 2 : جوهرة شرق إفريقيا التي تركناها!
الطبيعة الكينية متنوعة مثل الشواطئ الممتدة على ساحل المحيط الهندي، أو الغابات والأحراش التي يقصدها السياح، أو الأودية الخضراء، وحتى الصحراء القاحلة على حدود الصومال أو الجبال التي تغطيها الثلوج، وعلاوة على كل ذلك فإنها بالغة الثراء بالموارد المائية.تركت زيارة كينيا بصمتها على ذاكرتي، فقد كانت زيارتها هي الأولى لبلد إفريقي مع أنني مواطن في دولة إفريقية! في مقابل عشرات المرات التي زرت فيها دولاً أوروبية، ومنذ لحظة وصولك إلى مطار نيروبي حتى الوصول إلى الفندق لا تقع عيناك إلا على الأخضر والفقر المدقع، وهو فقر لا يقارن بمثيله في بعض الدول العربية. لا تندهش بسبب ملكية الهنود الفندق الذي تنزل فيه، فهم حجر واضح في الموزاييك الكيني، إذ هاجروا إلى كينيا مع الاستعمار البريطاني كموظفين وجنود وعمال سكك حديدية، ويشكلون الآن طبقة ميسورة من التجار وأصحاب الفنادق. يعيش الهنود في غيتوهات خاصة بهم، وتنتشر معابد الهندوس والسيخ انتشاراً كبيراً في المدن الكينية الكبرى. وتلاحظ أيضاً أن الكنائس الغربية تنتشر انتشاراً كبيراً في كينيا، إذ تحوي نيروبي وحدها على أكثر من 200 طائفة مسيحية لها كنائسها الخاصة، وهي النتاج الواضح لحملات التبشير التي لم تنقطع منذ قرون، ويشكل المسلمون ربع السكان الكينيين وينتشرون في شرق البلاد خصوصاً على الحدود مع الصومال وفي المدينة الثانية من حيث العدد في كينيا وهي مومباسا.تقطع الطريق من العاصمة نيروبي إلى مدينة ناكورو إلى الغرب منها في نحو ساعتين ونصف الساعة، في سيارة جيب مفتوحة من الأعلى ومحصّنة بزجاج مصفح، فأنت تحقق الآن حلم القيام برحلة «سافاري».رحلة السافاري تعني عملياً التنقل بعربة جيب بين غابات وأدغال طبيعية، أو فلنقل في حديقة حيوان هائلة المساحة ولكن من دون أسوار وحواجز، ويشتق الاسم من كلمة سفر العربية لأن اللغة السواحيلية المنتشرة في شرق إفريقيا والرسمية في كينيا تحوي الكثير من الكلمات العربية، مثل كلمة «ملايكة» التي تعني الملائكة، وهو اسم الأغنية الشهيرة لمغنية جنوب إفريقيا الأشهر ميريام ماكيبا. وهناك كلمات سمعها الأطفال العرب من فيلم الكرتون الشهير «لايون كينج» ولا يعرفون معناها، إذ هي كلمات سواحيلية صرفة مثل «هاكونا ماتاتا» التي تعني لا توجد مشكلة، أو «سيمبا» التي تعني أسداً. تصعد السيارة بمهارة الطريق المتعرج على قمة الجبال وتتلوى معه هابطة إلى الأودية، وعلى جانبي الطريق الأشجار الخضراء وتقطعه قطعان الماشية والأبقار. تتبادل الأحاديث مع السائق الذي يجيد الإنكليزية، فتستفسر وتدوّن في مفكرتك، في الطريق إلى حديقة حيوان ناكورو المفتوحة يستلفت انتباهك اسم ديلاور الذي تجده على الطريق والمزارع وحتى الاستراحة التي تتناول فيها الشاي وطعام الإفطار. تعلم أن ديلاور هو اسم اللورد ديلاور الذي يمتلك قطعة أرض تمتد بطول 20 كيلومتراُ وعرض نحو 15 كيلومتراً من أخصب الأراضي في ناكورو ويقع فيها جبلان يعودان إليه أيضاً. وبعد استقلال كينيا آلت الأرض إلى ورثته الذين شيّدوا عليها قصوراً فخمة والتي تشبه قصور إسكتلندا الساحلية، وهم يملكون علاوة على ذلك كل الحيوانات البرية التي تدب عليها ويربّون الماشية ويديرون محطات الوقود ومحالّ تجارية وفنادق!بقيت رموز الاستعمار البريطاني على حالها بعد الاستقلال، حيث أضافت فقط جواز سفر جديداً إلى جملة مقتنياتها، فأصبح كل بريطاني مقيم في كينيا مواطناً ولكن من دون شرط التخلي عن جنسيته الأصلية.الطبيعة الكينية متنوعة مثل الشواطئ الممتدة على ساحل المحيط الهندي، أو الغابات والأحراش التي يقصدها السياح، أو الأودية الخضراء، وحتى الصحراء القاحلة على حدود الصومال أو الجبال التي تغطيها الثلوج، وعلاوة على كل ذلك كينيا بالغة الثراء بالموارد المائية من بحيرة فكتوريا في الجنوب الغربي إلى بحيرة رودلف في الشمال الغربي، فضلاً عن الأمطار الغزيرة التي لا تنقطع إلا أسابيع قليلة في السنة، حتى أن هناك الكثير من المحاصيل تنبت بسبب مياه الأمطار الغزيرة، ومن دون مجهود كبير أو مقصود من المزارعين. وبسبب هذه الحقيقة قام تعاون زراعي كبير بين كينيا وإسرائيل، تستثمر الأخيرة بموجبه في أراضي كينيا ومياهها. وتقوم الفكرة الأساسية على توافر عمالة رخيصة وموارد مائية غزيرة مما يتيح تقسيم عمل جديد، تحتل كينيا بمقتضاه قمة الدول المصدرة للزهور في العالم، ولكن مع ضمان السيطرة الإسرائيلية على الإنتاج بذوراً وسماداً وتقنية وتسويقاً!إسرائيل لاعب كبير في كينيا التي تركناها -نحن العرب- لقمة سائغة رغم أهميتها الفائقة من حيث كونها دولة منبع لبحيرة فكتوريا التي ينطلق منها نهر النيل أصلاً إلى البحر المتوسط عبر أثيوبيا والسودان ومصر.* كاتب مصري