أميركا اللاتينية وتحدي الفساد

نشر في 31-10-2007
آخر تحديث 31-10-2007 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت من العسير أن نميز بين العواقب والأسباب حين نتحدث عن الفساد الذي يبتلي به العديد من بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. إن الفساد يحد من النمو، إلا أن معدلات النمو المتدنية في حد ذاتها تشجع على الفساد وتجعل من تحسين كفاءة عمل الحكومة أمراً في غاية الصعوبة.

على أي حال، الفساد وحده ليس المشكلة الأساسية، بل إنه في الحقيقة يجسد نقاط الضعف الأساسية في عمل الدولة وتفاعلها مع المواطنين والأعمال التجارية.

تتسم بعض المؤسسات بأهمية بالغة إلى الحد الذي يجعلها سبباً في إنشاء إما دولة عادلة قائمة على المنافسة إذا ما أدت وظيفتها على النحو اللائق، أو دولة فاسدة يشيع فيها الظلم إذا لم تضطلع بالمسؤولية الملقاة على عاتقها. وعلى هذا فإن تطهير اثنتين من هذه المؤسسات القطاع العام والجهاز القضائي لابد أن يكون على رأس أولويات العديد من الحكومات في المنطقة.

أثبتت الدراسات التي جرت في السلفادور ونيكاراغوا وبوليفيا وباراغواي طيلة العقد الماضي، أن الناس المعرضين للفساد يتمتعون بثقة أقل في النظام السياسي وثقة أقل في المواطنين الآخرين. ولقد سُـئِل المواطنون في نيكاراغوا ما إذا كانت الرشاوى «تيسر من مسألة قضاء المصالح في ظل البيروقراطية»، فتبين أن الذين وافقوا على نجاح الفساد في قضاء المصالح يحملون قدراً أقل من الاحترام لشرعية النظام السياسي.

قد تكون البيروقراطية العاملة بصورة طيبة ضرورية أيضاً، وذلك لأنها تساهم في نمو الاقتصاد. والحقيقة أن القليل من التحديات المهمة التي تواجهها هذه البلدان يمكن التعامل معها بنجاح، ما لم يكن بوسع الدولة أن توظف بعض البرامج العامة المعقدة.

إن مصادر فشل الإدارة العامة تتضمن الافتقار إلى الحس المهني الحرفي في الخدمات المدنية؛ والقواعد القانونية المبهمة والمعقدة والمحيرة؛ والإدارة الرديئة للتمويل الحكومي؛ والتوزيع السيئ للمهام عبر المستويات الحكومية المختلفة؛ والافتقار إلى الشفافية في العمليات الحكومية، وصعوبة تحميل كبار الموظفين المسؤولية عن تصرفاتهم. والضعف في أي من هذه المناطق، أو فيها جميعاً، يؤدي إلى خلق الحوافز الدافعة إلى الفساد، والكسل، والعجز.

الحقيقة، أن زيادة رواتب الموظفين في الخدمة المدنية ليست بالحل الكافي؛ فالأمر يحتاج أيضاً إلى الإصلاحات الهيكلية. فالدول التي تتمتع بخدمات مدنية أكثر استقلالاً وحرفية تميل إلى تقديم نظام بيروقراطي أعلى جودة وأقل فساداً.

يشكل وجود جهاز قضائي كفء وفاعل شرطاً أساسياً لترسيخ حكم القانون. فمن المؤكد أن مستويات الجريمة المنظمة في البلدان التي تتمتع بنظام قضائي مستقل أقل كثيراً من غيرها. ففي الإكوادور، يؤدي عجز النظام القضائي والتأخير في تنفيذ العقود إلى إعاقة الاستثمار.

وتؤكد دراسة أخرى اعتمدت على مقابلات مكثفة مع رجال أعمال في الإكوادور أن معدلات الاستثمار قد ترتفع بنسبة %10، إذا ما كان النظام القضائي هناك مضاهياً للأنظمة القضائية الأكثر كفاءة.

كما كشفت دراسة حديثة شملت القارة بالكامل، وأجرتها مؤسسة «لاتينوباروميتر»، أن ما بين %20 إلى %40 من مواطني أميركا اللاتينية أعربوا عن «انعدام ثقتهم» في النظام القضائي. وأثبتت الأبحاث في المكسيك أن ثماني من كل عشر قضايا في المحاكم تتعرض للإهمال، وهذه النسبة الهائلة تؤكد أن اللجوء إلى المحاكم قد يكون مجرد إهدار للوقت، وأن العديد من المنازعات قد لا تصل حتى إلى المحاكم.

ولقد كشفت دراسة سابقة أن الجهاز القضائي هناك هو أكثر المؤسسات فساداً، وكانت حالات تقديم الرشوة مرتفعة للغاية، حيث انفرد الجهاز القضائي بنحو %42 من حالات الرشوة المُبلّغ عنها كلها.

من بين الطرق الصالحة لتحسين إدارة البرامج العامة التعامل مع جذر المشكلة وتغيير الطريقة التي تقدم بها الحكومة سلعها وخدماتها، علاوة على الأساليب التي تدير بها برامجها، ولسوف يلعب التأكيد على استخدام الأنظمة الآلية المعتمدة على الحاسب الآلي، في مجال استخدام الموظفين وتحصيل العائدات، دوراً هائلاً في تحجيم الفساد.

من الضروري أن يصاحب هذا الإصلاح تقييم دقيق للمناخ التنظيمي في مجال الأعمال التجارية، وأن يكون هذا التقييم مصمماً بحيث يعمل على إزالة القواعد الكثيرة أو تبسيطها. على سبيل المثال، رغم استشراء الفساد في بيرو، فإن الإصلاحات الحكومية التي عملت على تخفيض الضرائب نجحت في زيادة حصيلة الضرائب من %8.4 من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1991 إلى %12.3 في العام 1998، وزيادة عدد دافعي الضرائب من 895 ألف مواطن في العام 1993 إلى أكثر من مليون وسبعمئة ألف مواطن في العام 1999.

بطبيعة الحال، قد لا تحرز البرامج كلها نجاحاً ملحوظاً، إلا أن بعض حالات التوظيف والإصلاح الضريبي الفعّالة بلغت الفوائد المترتبة عليها مئة ضعف تكاليفها. وحتى إذا كانت المكاسب أقل كثيراً، فمن الواضح أن هذا من شأنه أن يشكل استثماراً سليماً في مستقبل المنطقة.

تستطيع الحكومة أيضاً أن تحارب الفساد بتحديد القدرة على الوصول إلى أنشطتها. فأميركا اللاتينية تعاني حالياً ردة فعل عكسية ضد الخصخصة، وهو الميل الذي يسلط الضوء على أهمية إصلاح القطاع العام. وكثيراً ما تكون جهود الخصخصة بارزة على المستوى السياسي، إلا أنها لا تتمتع بأي قدر من الشعبية بين الناس. وعلى هذا فلابد من التفكير في تكليف بعض المنظمات غير الحكومية أو المنظمات غير الساعية إلى الربح ببعض الأنشطة الحكومية، علاوة على تحسين الإشراف الخارجي. على سبيل المثال، تعاقدت غواتيمالا مع جهات خاصة لتقديم الرعاية الصحية الأولية وخدمات التغذية لنحو 3.4 ملايين مواطن بتكلفة إجمالية بلغت 6.25 دولارات أميركية عن الفرد. وتؤكد الدراسات أن الفوائد تجاوزت التكاليف في هذا المشروع.

تستطيع الحكومات أيضاً أن تعمل على تحسين أداء الجهاز البيروقراطي من خلال توفير هيئات المراجعة المحسنة والموظفين المسؤولين عن التحقيق في الشكاوى، وعن طريق تكليف القاعدة العامة من الموظفين بمراقبة الفساد، على أن تتولى الحكومة أو الجمعيات الأهلية توفير المساعدات الفنية والمعلومات اللازمة بصورة مركزية.

أما فيما يتصل بالنظام القضائي، فمن الواضح أن رفع رواتب القضاة والكتبة، وتحسين أنظمة الحاسب الآلي، وتوفير المعدات الفنية الأخرى، من شأنه أن يحسن من كفاءة المحاكم وقدرتها على أداء وظيفتها. وهذا يعني إهداراً أقل للوقت وضمانا للمزيد من الوضوح بالنسبة إلى المتقاضين. إن نزع الشريط الأحمر الذي يعوق العملية القضائية لن يكلف شيئاً، إلا أن الفوائد المترتبة على هذا الإصلاح سوف تكون ضخمة.

قد يتكلف إنشاء نظام جديد بديل لفض المنازعات خارج المحاكم بعض التمويل الإضافي، إلا أن هذا النظام سوف يضمن صدور أحكام أسرع وأكثر قبولاً في المنازعات الروتينية. ولقد نفذت كولومبيا بنجاح نظاماً قضائياً بديلاً يستعين بهيئات مجتمعية محلية في التعامل مع المنازعات على ملكية الأراضي.

لابد أن تكون الأولوية لإصلاح الجهاز البيروقراطي والنظام القضائي في أغلب بلدان أميركا اللاتينية. فقد أصبح الأمر يشتمل على أزمة ثقة على أقل تقدير، والمحزن في الأمر أن الافتقار إلى الثقة بات مستحقاً وفي محله.

* سوزان أكرمان، أستاذة القانون والعلوم السياسية في جامعة «ييل»، ومؤلفة كتاب «الفساد والحكومة: الأسباب، والعواقب، والإصلاح» - بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top