بعد تحررهم من الروابط الأسرية أبناء يقاضون آباءهم في المحاكم
يصعب على أولياء الأمور أن يكونوا خصوماً لفلذات أكبادهم في المحاكم بغض النظر عن التبريرات التي تدفعهم إلى اتباع هذا المسلك إذ يشعرون بخيبة أمل كبيرة بسبب نتائج تربيتهم الخاطئة. بالمقابل تجد أبناء لا يعيرون أهمية للروابط الأسرية والوشائج العائلية، فيلجأ أفراد هذه الفئة إلى مقاضاة آبائهم ويقفون أخصاماً لدودين لوالديهم في أروقة المحاكم.
سلطت «الجريدة» الضوء على الموضوع وأجرت مقابلات مع رجال ونساء حول ارتفاع عدد الدعاوى التي يقيمها الأبناء ضد آبائهم.يصف جاسم العبيدلي (متقاعدـ 48 عاما) الابن الذي يقف خصما لأبيه في المحاكم بأنه متجرد من صفاته الانسانية ناكر للجميل، يهدف إلى تحقيق أهوائه الشخصية ولا يكترث للروابط الأسرية. ويرد العبيدلي أسباب انتشار هذه القضايا في الفترة الأخيرة إلى اختلاف المفاهيم بين الأجيال وتنازل بعض الآباء عن ممارسة دورهم في التربية منشغلين في متابعة أمور حياتية أخرى، مشيرا إلى أن هذا الوضع يساهم في انحلال الروابط العائلية مبيناً أن ثمة أبناء يخرجون عن طاعة أولياء أمورهم، باحثين عن المتعة والترفيه بمختلف أشكالها متأثرين بما يشاهدونه عبر الفضائيات مقلّدين بعض أبطال قصص الدراما التلفزيونية.لا يترك العبيدلي الحبل على الغارب في مسألة تربية أبنائه، مطالباً الآباء بمراقبة أولادهم وتوجيه المخطئين منهم وإبعادهم عن رفقاء السوء ويسعى إلى ملء وقت فراغ أولاده بنشاطات مفيدة لافتاً إلى إنه يفضل انخراطهم في دورات تدريبية لئلا يجرفهم تيار الانحراف أثناء مخالطتهم لرفقاء السوء.يرأف العبيدلي بحال الأب الذي يصدمه ابنه في رفع دعوى قضائية ضده مشيراً إلى أنه يموت قهراً من هول الصدمة.خلل كبيرمن جانبها تؤكد عواطف سليمان أن اتباع نهج تربوي موحد من المسلمات التربوية التي باتت بديهية مشيرة إلى أن النمو الانفعالي السليم والتكيف الاجتماعي يتوقفان إلى حد بعيد على درجة الوفاق بين الأب وأبنائه محذرة من غياب هذا الإطار الوقائي والمنهج التربوي المتفق عليه. فإن الطفل معرض للتشويش والاضطراب وبالتالي يسوء سلوكه إزاء العديد من المواقف الاجتماعية ولن يجد حرجاً في مقاضاة والديه غير مكترث بما ستؤول إليه الأمور. تضيف: للأسف من يقرأ عن هذه القضايا في الصحف والمجلات يشعر أن ثمة خللاً كبيراً أدّى إلى ذلك ومن الصعب على الأب أن يربي فلذة كبده ثم يقاضيه هذا الولد في المحاكم مهما كانت الأسباب.مسؤولية جسيمةيؤكد يوسف الرديني (41 عاماً) أب لسبعة أولاد، أن أموراً كثيرة طرأت على الحياة الإجتماعية وأحدثت فيها تغيرات مختلفة، موضحا أن ثمة آباء يتبعون أساليب تربية بدائية لم تعد مجدية في توجيه أولادهم لافتاً إلى أن انفتاح الأجيال الراهنة على الثقافات الأخرى وتأثرهم بمفاهيمها ومبادئها يشكل علاقة جديدة بين الأب وابنه لم يألفها المجتمع من قبل. يستغرب الرديني من رفع أحد الأبناء قضية ضد والده بغض النظر عن مضمونها مشيرا إلى صعوبة تقبل هذا الوضع، وهو يرى أن ثمة مسؤولية جسيمة تقع على عاتق الوالدين في توفير الأمن والطمأنينة للطفل ورعايته في جو من الحنان ليتمتع الطفل بشخصية متوازنة قادرة على الإنتاج والعطاء في المستقبل. يوضح يوسف الرديني أن غرس التعاليم الدينية السامية في نفوس الاطفال منذ الصغر يضمن للأب اكتساب أولاده صفات محمودة.ويشير الرديني الى أن أبرز الأسباب التي تدفع الابناء الى مقاضاة ذويهم، وجود فجوة بين الجيلين في طريقة التعامل والسلوكيات وسواهما من الأمور التربوية.محفزاتيلفت محمد الكندري الى أن مسؤولية الآباء في تربية أولادهم تضاعفت، موضحاً أن ثمة أبناء يتأثرون برفاتهم في المدرسة وأقرانهم في الحي فيكتسبون خصالاً لم يغرسها فيهم آباؤهم ويشير الى أن للفضائيات تأثيراً كبيراً في تشكيل سلوكيات الفرد في وقتنا الراهن، خصوصاً في ظل وجود محفزات كثيرة في البرامج تدفع المشاهد الى متابعتها. ويوضح محمد الكندري أن غياب الوازع الديني يدفع الفرد الى ارتكاب حماقات كثيرة، لافتاً الى أنّ ثمة عائلات تعتمد في تربية أولادها على الخادمات، فيكتسب الطفل عادات وتقاليد غريبة عن تقاليد بيئته وعاداتها.عواقب وخيمةتؤكد أم علي أن المحاكم ليست المكان المناسب لحل النزاعات العائلية، مشيرة الى أن تدهور العلاقات بين الطرفين أمر وارد، لذا يجب التحلي بالصبر وعدم الاتجاه الى القضاء لحل الخلافات العائلية، لافتة الى أن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد أواصر الوشائج العائلية، انما قد يصيبها بالفتور وهذا أمر طبيعي، في أي علاقة انسانية تمر بمراحل مختلفة. وتضيف: «لا أود مشاهدة أيّ أب او أم في هذا الموقف المؤلم الذي يصعب على الانسان تقبله، مسبباً لكلا الطرفين عواقب وخيمة.السلبية يلقي ناصر جابر باللائمة كلّها على الأب الذي تخلى عن مسؤولياته تجاه فلذة كبده منشغلاً بأمور حياتية أخرى وهو يرى أن قيام الابن بهذا التصرف لم يأت فجأة ولا بد أنّ ثمة أموراً سبقته في هذا الاتجاه لم يستطع الاب فيها معالجتها حينما اكتشف الخلل، وغض الطرف ولم ينتبه الى أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ في حين تضاعفت كراهية الابن لوالده الى أن رفع عليه دعوى قضائية لاسترجاع حقوقه - كما يظن الابن -. لم يأبه الاب بأن الاطفال يكبرون وبحاجة الى أسلوب تعامل آخر يتواءم مع المرحلة العمرية التي يعيشونها.