رئيس توافقي لنصف لبنان

نشر في 03-10-2007
آخر تحديث 03-10-2007 | 00:00
 بلال خبيز

«حزب الله» في المغالبة التي أدار محركها طوال السنة الماضية، وتوجهه باعتصام في وسط بيروت، كان ينطلق من مسلمة تفيد بأن لا أحد يستطيع اختراق مناطق سيطرته، لكنه من جهة ثانية يستطيع أن يخترق مناطق سيطرة قوى الخصوم.

يقول السيد محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة البرلمانية، إن المعارضة اللبنانية تريد رئيساً يحمي المقاومة وسلاحها ويحتضن أهلها. والأرجح أن مثل هذا المطلب الذي يجهر به «حزب الله» اليوم مفهوم لدى الفريق الموالي. فسلاح «حزب الله» بات منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف العام الماضي أكبر من قدرة الداخل اللبناني على حمايته أو نزعه على حد سواء. وأصبح «حزب الله» وسلاحه عنصراً أساسياً في معادلة دولية وإقليمية أوسع من قدرة لبنان على التقرير فيها. بل إن أي حوار قد ينعقد اليوم بين اللبنانيين المختلفين لن يضع في مقدم أولوياته مسألة نزع سلاح «حزب الله» وإقرار استراتيجية دفاعية وطنية يشترك فيها الجميع. وهذا يفترض حكماً بقاء الأحوال على ما هي عليه في مناطق سيطرة «حزب الله» الحالية، لدواع أمنية وسياسية واقتصادية على حد سواء. مما يعني ان الحزب الذي يحكم سيطرته على مناطق الشيعة اللبنانيين، ويقرر في الأمن والسياسة والاجتماع ما يصح وما لا يصح في تلك المناطق، سيبقي على سيطرته هذه فاعلة ويمنع عنها الخروق والتدخلات المتوقعة وغير المتوقعة.

في هذا السياق، أتت مسألة شبكات الاتصالات الخاصة التي أقامها «حزب الله» في مناطقه ومد بعضها إلى العاصمة بيروت، والتي أثارت نقاشاً حاداً في مجلس الوزراء، لتثبت من جديد حدود سلطة الدولة الفعلية التي يطالب «حزب الله» أن يكون فيها شريكاً كاملاً. إذ سرعان ما رست تلك العاصفة على نتيجة باهتة قضت بأن يزيل الحزب شبكات الاتصالات التي أقامها في بيروت ويبقي عليها في المناطق التي لا ينازعه على السلطة فيها أحد، وطويت المسألة على هذه النتيجة الضئيلة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الحدود القصوى التي يأمل اللبنانيون في التوصل إليها اتفاقاً وتوافقاً وميداناً فعلياً لسلطة الدولة اللبنانية.

بل إن «حزب الله» في المغالبة التي أدار محركها طوال السنة الماضية، وتوجهه باعتصام في وسط بيروت، كان ينطلق من مسلمة تفيد بأن لا أحد يستطيع اختراق مناطق سيطرته، لكنه من جهة ثانية يستطيع أن يخترق مناطق سيطرة قوى الخصوم. ويذهب بعض الصحافيين المقربين من فريق «14 آذار» أبعد من ذلك حين يعمدون إلى اتهام «حزب الله» بالعمل على تسعير نار فتن المذهب الواحد: فتنة درزية - درزية، وأخرى سنية - سنية، وثالثة مسيحية - مسيحية، ليضمن بذلك ابتعاد ميدان الفتن الأهلية عن مناطق الشيعة الصافية الولاء والنقية الانتماء.

في ظل هذا الاختلال الصارخ على المستوى الداخلي يحتدم النقاش بشأن الاستحقاق الرئاسي المنتظر. ويهدد فريق «14 آذار» باللجوء إلى انتخاب رئيس بغالبية «النصف زائد واحد» إذا ما حاولت المعارضة تعطيل الانتخاب. لكن المدقق جيداً في مآل الأمور يدرك أن مثل هذا الاحتمال بات بعيداً جداً. لأن «حزب الله» الذي يعرف أن أي رئيس جديد لن يستطيع أن يمد سلطانه على مناطق سيطرته، حتى لو كان موالياً لـ«حزب الله» موالاة تامة، لن يخوض حرباً مجانية، تجعل من الفريق الآخر مضطراً إلى التصعيد بانتخاب رئيس بأكثرية «النصف زائد واحد»، ما دام مثل هذا الرئيس سيكون رئيساً لنصف لبنان، ولن يمد سيطرته على مناطق سيطرة «حزب الله» أيضاً. وما دام الرئيس التوافقي لا يستطيع أن يفرض على «حزب الله» أكثر مما يستطيع أن يفرضه رئيس اللون الواحد، فلا سبب والحال هذه إلى معركة مجانية لا يربح فيها الحزب شيئاً، وقد يخسر بعض النقاط.

رئيس توافقي عتيد هو رئيس محكوم بأن يحكم في ما تيسر له من المناطق اللبنانية، وهي مناطق تخترقها قوى المعارضة رغم أنها تدين بغالبيتها للموالاة. ولن يتيسر له المساس باقطاعية «حزب الله» ما لم تتوافر ظروف إقليمية ودولية ضاغطة تجعل من هذا المساس أمراً ممكناً. وهذا ما لا طاقة للبنانيين على تحمل تبعاته وحدهم. مما يجعل هذا الحزب أميل إلى التوافق منه إلى التصعيد. ذلك أنه يطبق المقولة التالية، ما لي هو لي وما لكم هو لي ولكم، من دون أن يستطيع أي كان أن يعترض على هذه المعادلة أو يُعدّل في موازينها. أقله في المدى المنظور.

والحال، فإن شخصية الرئيس وميوله واتجاهاته لن تغير في هذه الوقائع العنيدة، ويبدو أن الرئيس العتيد محكوم منذ اليوم بأن يكون رئيساً لنصف لبنان فقط، بينما نصفه الآخر موقوف على تطورات الأوضاع الإقليمية سلباً وإيجاباً.

* كاتب لبناني

back to top