عودة إلى الإخوان - لماذا برنامج الحزب السياسي الآن؟

نشر في 10-12-2007
آخر تحديث 10-12-2007 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي عالجت في مقالة الأسبوع الماضي الصراعات الدائرة رحاها داخل جماعة الإخوان المسلمين المصرية في سياق النقاش بشأن برنامج الحزب، واليوم أتابع بطرح التساؤل المبدئي عن دوافع الإخوان في الإقدام على إعداد برنامج حزب سياسي يخرجون به إلى الرأي العام في لحظة يعلم قادتها وأعضاؤها قبل المراقبين خارجها أن الترخيص لحزب تابع لها هو بمنزلة درب من دروب المستحيل؟

هنا يمكن الإشارة إلى عاملين رئيسيين وعاملين فرعيين ربما حفزوا مجتمعين الإخوان على القيام بخطوتهم. فمن جهة أولى، أخرجت المواجهة مع السلطات المصرية في أعقاب انتخابات 2005 الجماعة من وضعية المبادرة إلى الفعل التي ميزتها خلال الفترة التي سبقت الانتخابات- وكان من أهم ملامحها إصدار مبادرة الإصلاح في 2004، والمشاركة مع بقية فصائل المعارضة والمجتمع المدني والقضاة المستقلين في رفع سقف الضغوط على النظام الحاكم لإنجاز إصلاحات ديموقراطية حقيقية- لتعيدها إلى خانة رد الفعل في ظل ضربات النظام المستمرة، مرتبةً بالتبعية اهتزازاً إستراتيجياً واضحاً داخلها. في هذا السياق، ربما أراد الإخوان من خلال إعداد برنامج لحزب سياسي العودة إلى دائرة الفعل وإثارة نقاشات إيجابية حوله تتجاوز الصورة السلبية التي فرضتها المواجهة مع النظام. مثل هذا الأمر اكتسب أهمية مضاعفة في أعقاب تلك الحادثة التي عرفت بحادثة ميليشيا الأزهر في يناير 2006، وبعد أن هاجم الرئيس مبارك الجماعة بضراوة لافتة متهماً إياها بأنها «خطر على أمن مصر لأنها تتبنى نهجاً دينياً».

من جهة ثانية، دأب عدد من رموز الإخوان خلال لحظة الحراك السياسي الممتدة من 2004 إلى 2006 على تقديم الوعود بأن الجماعة المحظورة عازمة إما على التحول إلى حزب سياسي مدني ذي وضعية قانونية- بل إن قيادتها تفكر ملياً في حل الجماعة حال حصول الحزب على الرخصة القانونية- وإما على الأقل، فإن الإخوان مع التمييز الواضح للديني-الدعوي عن السياسي-المدني من خلال الفصل الوظيفي بين الجماعة وحزبها، ولّدت مثل هذه الوعود حالة مزدوجة من الترقب والأمل لدى قطاعات واسعة من الرأي العام المصري، وربما رتبت بالتبعية التزاماً إخوانياً بعدم تجاهل قضية الحزب على الرغم من عدم مواتاة الظروف السياسية لخطوة كهذه، بل وفي ظل عدم استعداد الجماعة فكرياً وتنظيمياً له.

فضلاً عن ذلك، ثمة عاملان فرعيان ربما لعبا أيضاً دوراً إضافياً في تحفيز الجماعة على الخروج ببرنامج الحزب إلى الرأي العام، ألا وهما الحاجة الملموسة إلى استجلاء غموض رؤية الإخوان بشأن بعض جوانب رؤيتهم للسياسة والمجتمع، ثم المسار التطوري العام لعدد من الحركات الإسلامية المشاركة في اللعبة السياسية السلمية في العالم العربي، ففي حين أوضحت جماعة الإخوان المسلمين من خلال سلسلة من البيانات أهمها مبادرة الإصلاح 2004 والبرنامج الانتخابي لمرشحيها في انتخابات 2005 التزامها بالتحول التدرجي نحو الديموقراطية في مصر ومدنية الحياة السياسية، أبقت الجماعة على مساحة من الرمادية، بل والازدواجية، في المواقف حول عدد من القضايا المركزية على نحو رتب انتقادات ومطالبات متصاعدة بإجلاء الغموض حولها، تمثل أهم هذه القضايا في موقف الإخوان من مبدأ التساوي التام في الحقوق السياسية بين المواطنين المصريين بغض النظر عن الدين والنوع، طبيعة الخطوات الإصلاحية المحددة التي تؤيدها الجماعة، وكذلك كيفية الترجمة الفعلية لمركزية الشريعة الإسلامية ودورها في النظام السياسي. هنا نظر البعض من الإخوان ومن خارج صفوفهم إلى برنامج الحزب بكونه يقدم فرصة سانحة لتوضيح وتحديد المواقف وربما مقدمة لحسم صراع الإرادات داخل الجماعة بين أصحاب الرؤى المتناقضة.

ثم شكّلَ المسار التطوري للإسلاميين في بعض الدول العربية - وبه تحركت حركات كـ«الإصلاح والتوحيد» المغربية وجماعة «الإخوان المسلمين الأردنية»، عندما أتيحت لها فرص للمشاركة في العملية السياسية الرسمية، نحو فصل وظيفي بين الجماعة الدينية الدعوية والكيان السياسي المدني على نحو أخذ شكل تأسيس أحزاب متمثلةً في «العدالة والتنمية» المغربي و«جبهة العمل الإسلامي» في الأردن- عنصراً ضاغطاً وسياقاً للمقارنة مع وضعية الإخوان في مصر، وهو ما دفع بدوره بعض القيادات داخل الجماعة إلى توظيفه للمناداة صراحةً بأهمية الفصل بين الجماعة والحزب المراد تأسيسه.

فعلى سبيل المثال عمد عضو مكتب الإرشاد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح إلى الإشارة بانتظام إلى تجارب الإسلاميين خارج مصر في معرض الحديث عن الجماعة والحزب، وكذلك فعل الدكتور عصام العريان، مسؤول القسم السياسي بالجماعة، مشددَّين على أهمية أن تستفيد جماعة الإخوان في مصر من الخبرات الأخرى.

إذاً كانت الساحة السياسية المصرية حبلى بالمطالبات والجدل وبحسابات متضاربة للمكسب والخسارة قبيل تداول مسودة برنامج حزب الإخوان، فإن الأخير لم يرقَ إلى مستوى التوقعات، ولم ينتقل معه الإخوان مرة أخرى إلى دائرة الفعل والمفاجأة الإستراتيجية في علاقتهم مع النظام الحاكم، بل رتب البرنامج تصاعداً في شكوك الرأي العام بشأن مواقف الجماعة من قضايا رئيسية، ولم يسهم بالتبعية في تهدئة مخاوف الرأي العام تجاهها أو الرفع من مصداقيتها.

* أكاديمي مصري بمؤسسة «كارنيغي لدراسات السلام»، واشنطن

back to top