إجازة تمرير الاستحقاق اللبناني!

نشر في 19-09-2007
آخر تحديث 19-09-2007 | 00:00
 بلال خبيز

يجد النظام السوري نفسه أمام خيارات صعبة، قد يضطر معها إلى تدبير رد عسكري على الانتهاك الإسرائيلي للسيادة السورية مغامراً بإشعال حرب غير متكافئة، أو أن يرضى بجائزة الترضية الفرنسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

شقت مبادرة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري طريقها إلى الثبات في الوضع اللبناني بوصفها معطى لا يستطيع اللبنانيون تجاوزه أو العودة عنه، بل إن اللهجة العنيفة التي اتسم بها رد الرئيس بري على بيان قوى 14 آذار لم يجعل هذه القوى تلجأ مجدداً إلى التصعيد، ولم يعقب هذا التصعيد اللفظي من قبل الرئيس بري موقف يجعله يقفل الباب على أي احتمال تفاوض أو حل. وحده وزير الدفاع الروسي الذي زار بيروت عن طريق دمشق، اعتبر أن حل المشكلة اللبنانية مازال مستعصياً، وأن التقدم الحاصل أقل من أن تلحظه العين الروسية، وبصرف النظر عن قدرة روسيا على التعطيل أو تحقيق الإنجاز، من خلال الضغط على سورية المتهمة بمحاولة تعطيل الاستحقاق اللبناني، فإن المعطيات الدولية والمحلية تفيد أن ثمة إجازة دولية لاتفاق ما بين اللبنانيين. إلى حد أن الرئيس بري، وهو ركن من أركان المعارضة اللبنانية، يعلن اعتقاده بأن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد تعطيل الاتفاق بين اللبنانيين، بينما يصرح وزير الخارجية الفرنسي بأن التعاون الإيراني في الموضوع اللبناني أعمق مما يظهر على سطح المواقف المعلنة.

يخلص المرء من متابعة التحركات الدولية حيال الوضع اللبناني الى أن اتفاق اللبنانيين في ما بينهم مرغوب ومطلوب، وأن القوى الداخلية والخارجية التي مازالت ترى في التعطيل مصلحة لها باتت أقل تأثيراً مما يشاع ويظن، وأن خفوت تأثير هذه القوى ليس مرحلياً فقط، تعود بعده إلى سابق قدرتها، والأرجح أن نتيجة هذه المعركة ستسفر عن خاسرين ورابحين، لكن الخارطة السياسية الجديدة للخاسرين والرابحين بعد إنجاز الاتفاق اللبناني الموقت ستختلف حتماً عما كانت عليه قبل حصول الاستحقاق، وذلك لأكثر من سبب:

السبب الأول، يتصل بكون الرئيس الجديد كائناً من كان، محكوماً بأن يمارس مهماته على أكمل وجه، مما يعني أنه سيكون محكوماً باستحالة تعطيل موقع رئاسة الجمهورية، على الأقل في الأشهر الأولى التي تعقب انتخابه، وأن أي رئيس لن يستطيع أن يقلل من أهمية الصلات الدولية والإقليمية وفي مقدمها الصلات الضرورية مع الدول الغربية والولايات المتحدة خاصة.

السبب الثاني، يتصل ببعض القوى المحلية والإقليمية التي اعتبرت معركة الاستحقاق الرئاسي معركتها الأخيرة، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة الحرج الذي يطبع سلوك التيار الوطني الحر، الذي يذكر زعيمه الجنرال ميشال عون يومياً أن الحكم يجب أن يكون للأقوى على الأرض، فالتيار الوطني الحر وضع كل البيض في سلة زعيمه وقائده لايصاله إلى كرسي الرئاسة، ويكفي استبعاده من السباق ليجعل موقفه حرجاً إلى درجة يصعب معها أن يستعيد توازنه.

من جهة أخرى، لا يبدو المعروض على النظام السوري من أجل تسهيل انتخاب الرئيس الجديد، أكثر من مطالبته بالتخلي عن بقايا الورقة اللبنانية مقابل أن ينعم ببعض الانفراج الدولي في علاقاته الخارجية، مما يعني أن تمرير الاستحقاق الرئاسي في ظل تهديدات إسرائيلية عسكرية لسورية على نحو مباشر، يؤكد أن الخسارة السورية في لبنان باتت تنتظر تأكيدها الرسمي فقط، وتسجيلها كمعطى ثابت لا يمكن تعويضه، لذلك يجد النظام السوري نفسه أمام خيارات صعبة، قد يضطر معها إلى تدبير رد عسكري على الانتهاك الإسرائيلي للسيادة السورية مغامراً بإشعال حرب غير متكافئة، أو أن يرضى بجائزة الترضية الفرنسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

أما على الجبهة الإيرانية فلم يعد خافياً ان النظام الإيراني بات يشعر أكثر فأكثر بحجم المخاطر الهائلة التي تحاصره بسبب سياسات التصعيد التي اعتمدتها ادارة الرئيس محمود أحمدي نجاد في العامين الماضيين، ولايكاد يمر يوم من دون إعلان إيراني رسمي عن تحول ما في السياسات الإيرانية حيال الولايات المتحدة ودول الجوار.

لهذه الأسباب تبدو حظوظ التوافق في لبنان أوسع كثيراً من حظوظ الانفجار، مع أن تعاظم حظوظ التوافق لا تمنع قوى 14 آذار في لبنان من محاولة كسب أكثر ما يمكنها كسبه في الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصاً أنهم يشاهدون بأم العين مأزق الانتصار «الحمساوي» في غزة الذي أوصل قيادة «حماس» في الداخل إلى مواجهة الجدار، ذلك الانتصار الذي تغنى به الرئيس الإيراني طويلاً بوصفه توأم الانتصار اللبناني على إسرائيل في الحرب الأخيرة.

* كاتب لبناني

back to top