ما قل ودل: الإشراف القضائي على الانتخابات والتعديل الدستوري

نشر في 27-08-2007
آخر تحديث 27-08-2007 | 00:00
إذا كان الدكتور غانم النجار قد منعه حياؤه من ذكر اسم البلد الذي وفد منه خبراء التزوير، لتزوير انتخابات سنة 1967، فإنني لا أجد غضاضة في الاعتراف بأن في مصر ثقافة سائدة هي ثقافة التزوير في الانتخاب، وأن التزوير كان يتم باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الإجراءات الإدارية ومن العملية الانتخابية قبل الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات في مصر في أول انتخابات جرت في ظله سنة 2000.
 المستشار شفيق إمام وصف الكاتب الكبير الدكتور غانم النجار الحالة الانتخابية المصرية وصفاً دقيقاً في مقاله المنشور على صفحات الجريدة يوم 23/ 7 /2007، تحت عنوان «التزوير... وظهر البعير»، وهو يتناول ما وقع في الكويت من تزوير في انتخابات سنة 1967 عندما قال وبالحرف الواحد.

«لا يبدو أن الطريق إلى تزوير الانتخابات كان سهلاً، كما لم يبد من كل المؤشرات والمعلومات المتواترة أنه كان قراراً مع سبق الإصرار والترصد، بل لعله قد اتخذ على عجل، ولم يكن على الإطلاق قراراً مدروساً، فظهر للمراقبين بدائياً. حيث جيء على عجل بخبراء تزوير انتخابات من خارج البلاد من دون ترتيب مسبق، فلم يكن من أولئك الخبراء إلا أن تصرفوا بناء على ثقافة التزوير السائد في تلك البلاد التى لم تكن بلاداً ديموقراطية ولا هم يحزنون، ففي تلك البلاد يتم التزوير جهاراً نهاراً ليس لغرض التمويه على الإرادة الشعبية، ولكنها جزء من الإجراءات الإدارية ليس إلا، وهي تأتي للتأكيد على «سلامة الورق» فطالما أن «الورق سليم» فكل شيء «تماماً يا أفندم». ويبدو أننا في محيط أمتنا المنكوبة مهووسون بتزوير الانتخابات لدرجة أن يعتبر نفسه خاسراً من يحصل على أقل من 90% من الأصوات».

وإذا كان الدكتور غانم النجار قد منعه حياؤه من ذكر اسم البلد الذي وفد منه خبراء التزوير، لتزوير انتخابات سنة 1967، وأنهم تصرفوا بناء على ثقافة التزوير السائدة في بلادهم، فإنني لا أجد غضاضة في الاعتراف بأن في مصر ثقافة سائدة هي ثقافة التزوير في الانتخاب، وأن التزوير كان يتم باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الإجراءات الإدارية ومن العملية الانتخابية قبل الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات في مصر في أول انتخابات جرت في ظله سنة 2000.

ولهذا لم يكن نص المادة (88) من دستور مصر سنة 1971، قبل التعديل الأخير سنة 2007 إلا معبراً عن ضمير الجماعة نابعاً من نفسها، ومتأثراً في وضعه بالواقع السياسي الذي نعيشه، وما اكتنفه في السابق من تزوير للانتخابات بواسطة رجال الإدارة والشرطة، فهو نص لم يأتِ غريباً عن واقعنا السياسي ليفرض نفسه عليه، كما هي الحال في تشريعاتنا التى اعتدنا في الأغلب الأعم منها على نقلها من مجتمعات أخرى تختلف عن ظروفنا، بل نقلها ممسوخة مشوهة في بعض الأحيان، ولهذا لا يعيب هذا النص أن يكون المشرع المصري في إيراده كان أميل إلى الابتداع منه إلى الاتباع، وأنه بذلك يكون نصاً مصرياً أصيلاً، وليس نصاً مستورداً من الهند أو السند أو بلاد تركب الافيال.

وأنه لا يعيب النص، ما برروا به تعديله لإلغاء الاشراف القضائي الكامل على الانتخابات أنه -حسب زعمهم- لا توجد دولة في العالم تأخذ بهذا الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، وإن كان هذا القول ليس صحيحاً في مجمله، وإن انفردت مصر بنص دستوري يقننه، لأنه توجد دول كثيرة تجرى الانتخابات فيها تحت إشراف قضائي، ومنها الكويت، بل إنها ذهبت إلى أبعد مما ذهبت إليه مصر بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في يوليو سنة 2000 بعدم دستورية قانون الانتخابات الذي كان يجيز تعيين رؤساء اللجان الفرعية من غير رجال القضاء.

ذهبت الكويت إلى أبعد من ذلك، عندما فرضت هذا الإشراف القضائي على إعداد جداول الانتخابات، حيث يتم وفقاً لقانون الانتخاب تعديل سنوي للجداول خلال شهر فبراير من كل عام ليشمل إضافة من أصبحوا حائزين على شروط الانتخاب وليحذف منهم أسماء المتوفين ومن فقدوا هذه الشروط.

ويحظر القانون إجراء أي تعديل في الدوائر بعد صدور مرسوم دعوة الناخبين للانتخابات، ولكل ذي شأن ولكل ناخب مدرج في جداول انتخاب الدائرة أن يطعن في قرار لجنة القيد، بعد نشره في المخافر وفي الجريدة الرسمية، وهي طعون يفصل فيها قاض من قضاة المحكمة الكلية، يكون قراره نهائياً.

كما عقد المشرع الكويتي للمحكمة الدستورية وحدها الفصل في الطعون الانتخابية بحكم ملزم، وكان مجلس الأمة يفصل في صحة انتخاب أعضائه، ولا يعتبر الانتخاب باطلاً إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، إعمالاً للمادة (95) من الدستور، إلا أن المجلس تنازل عن هذا الاختصاص عندما أقر قانون المحكمة الدستورية في سنة 1973، أخذاً برخصة قررتها هذه المادة في ما نصت عليه من أنه «ويجوز بقانون أن يعهد بهذا الاختصاص إلى جهة قضائية».

ولهذا كان الاختصاص القضائي بالطعون الانتخابية خطوة إلى الأمام في شرعية الانتخابات، عندما أصبح الفصل في هذه الطعون بحكم قضائي يبتغي وجه الحق والعدل، لا يبغي عنهما عوجاً، بعد أن ثبت في التطبيق العملي أن أعضاء مجلس الأمة يتأثرون بعلاقاتهم الشخصية عند الفصل في هذه الطعون.

وكان الأمل كبيراً في أن تحذو مصر حذو الكويت في أي إصلاح سياسي أو انتخابي بحيث يشمل الإشراف القضائي جداول الانتخاب، بعد أن ثبت أن هذه الجداول كانت تضم أشخاصاً قضوا نحبهم، وأشخاصاً مقيدين في دوائر أخرى، وأشخاصاً محرومين من مباشرة الحقوق السياسية، ولم يكن هناك دور للقضاء في إعداد هذه الجداول والرقابة عليها. كما كان يتم تعديلها في بعض الدوائر قبل بدء المعركة الانتخابية مباشرة.

وكنا نأمل كذلك أن يعدل اختصاص محكمة النقض ودورها في الطعون الانتخابية، بأن تصبح لنتائج التحقيق الذي تجريه هذه المحكمة قوة ملزمة لمجلسي الشعب والشورى، عندما تتجسد هذه النتائج في حكم قضائي بات، تصدره محكمة القانون التي لا تعقيب على أحكامها، بحيث لا يكون أي من المجلسين «سيد قراره» في الفصل في هذه الطعون.

إلا أن تعديل المادة (88) من دستور مصر جاء مخيباً للآمال عندما ألغى الإشراف القضائي على الانتخابات، وجعل هذا الإشراف شكلاً غير مضمون، وهو ما يدعونا إلى فتح حوار مع المبررات الأخرى لهذا التعديل في مقال قادم، بإذن الله.

back to top