جنون الارتياب... سمّ الحياة الزوجية في المجتمعات الحديثة

نشر في 11-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 11-08-2007 | 00:00

الآن، أكثر من أي وقت مضى، يلقى جنون الارتياب أصداءه في سائر نواحي حياتنا اليومية. في العمل، مع العائلة والأصدقاء، ثمة من يعتبر نفسه دائماً الضحية مهما حصل. لكن لو نظرنا ما وراء جنون الارتياب لوجدنا مرضاً نفسياً يتعين علينا معالجته. ما العمل حين يتفشى جنون الارتياب والاضطهاد هذا في الحياة الزوجية؟

يعتبر جنون الارتياب المرض النفسي الأكثر شيوعاً في يومنا هذا. لو تحدثنا عن الخوف من المرض والموت لوجدنا أنه في صميم مجتمعاتنا العصرية المتطورة. رغم أن أمد الحياة لم يصل من قبل إلى معدلاته الحالية، ولم نختبر يوماً حقبة نحصل فيها على أمان صحي إلى هذه الدرجة. لكن رغم ذلك لا يزال الخوف من الموت يسيطر علينا ويسكن أعماقنا أكثر من أي وقت مضى. هذا الواقع ينطبق أيضاً على علاقاتنا العاطفية. بالنسبة إلى إحدى النساء لا يساعد الحب والوعود والتضحيات وغيرها في تفادي جعل الشريك الآخر يشعر بالارتياب، تقول: «أنا متزوجة منذ خمس سنين. أذهب إلى العمل يومياً بدوام جزئي يخولني كسب المال والقيام بواجباتي المنزلية في الوقت ذاته. إثر عودتي إلى المنزل أكرس لزوجي وقتي وحياتي، لكن لا فائدة من ذلك كله. لم يمر يوم من غير ان يشك في وفائي له ومن غير اتهامي بخيانته».

كيف يمكن معرفة الشخص المصاب بجنون الارتياب؟

يصعب التعرف إلى الشخص المصاب بحالة جنون الارتياب المرضية. ذلك لأننا نلمس هذا الارتياب المرضي من ناحية والشك وعدم الارتياح والضيق وعدم الثقة بالنفس من ناحية ثانية. كلتا الحالتين تسبب مشاكل كثيرة. ما الذي يميز المرتاب عن المصاب بجنون الارتياب المرضي؟ يترافق الارتياب المرضي مع هذيان وضياع وفقدان إتصال بالواقع أو ما يشبه الهلوسة. غالباً ما يرتكز الهذيان على فكرة واحدة في إطار الحياة العاطفية مستنداً الى قناعة معينة مفادها أنه وقع ضحية خداع الشريك الآخر. فضلاً عن أن المصاب بجنون الارتياب يسيء فهم الحوادث وتفسيرها وحتى الكلمات التي يسمعها ولا يثق بنفسه غالباً. يعتبر أحد الاختصاصيين في علم النفس أن المصاب بالارتياب المرضي هو من يتهم الشريك الآخر من دون مبرر بالخيانة والكذب ويفضل تفسيره الشخصي للأمور من غير استماع إلى وجهة نظر الطرف الآخر. يتسبب هذا الارتياب بمعاناة للمصاب ولشريك حياته. ينهار نفسياً بل ينهار الزواج في معظم الأحيان. تقول إحدى النساء: «كان علي دائماً أن آخذ في الحسبان العنف والغضب اللذين ينتابان زوجي لدى خروجنا إلى أماكن عامة أو عندما نكون ضمن مجموعة فلو رآني أتحدث إلى شخص آخر، حتى إن كان مقرباً منا، يصاب بالجنون. بدأت أتجنب تدريجياً الخروج واللقاءات الاجتماعية وأسجن نفسي في عالمنا نحن وحياتنا الزوجية».

الارتياب المرضي في مجتمعاتنا

تحفز مجتمعاتنا الحديثة ظهور الارتياب المرضي، ذلك أن وسائل الإعلام تخلق مناخاً دائماً من عدم الاستقرار في صلب الحياة الزوجية. إذ تصور مشاهد إباحية لنساء غير محتشمات فتنزعج الزوجات ويبتهج الرجال. يحصل العكس عندما تعرض مشاهد إباحية لرجال مفتولي العضلات، وسيمي المظهر، عندئذٍ تثور ثائرة الرجال. هذا المجتمع الذي يروج للجمال المثالي يزرع بذور الشك في نفس المصاب بجنون الارتياب المفتقر إلى الثقة بنفسه وبشريكه.

يقول الاختصاصيون إن المصاب بجنون الارتياب كان في حداثته طفلاً حزيناً. لازمته تلك المعاناة والحزن حتى أثناء فترة نضجه. يرى هذا الشخص زواجه وسعادته مع الشريك الآخر مهددة دائماً والوسيلة الوحيدة المتاحة أمامه لمواجهة هذا التهديد أن يستبقه بالشك والارتياب، ما يسمم زواجه.

كيف الخروج من هذه الدوامة؟

يقول الاختصاصيون إن المرء لا يولد مصاباً بجنون الارتياب بل يصبح كذلك. رغم أن الغيرة المعتدلة غير المرضية جميلة في الحياة الزوجية، إلا أن الخطورة تكمن في تحولها إلى ارتياب وشك وغيرة مرضية وهذه مشكلة نفسية قد تؤدي إلى انهيار الزواج. الجدير ذكره أن المصاب بجنون الارتياب هو الذي يخون شريكه ويتهمه بذلك. لكن ما إن يظهر الشك ينبغي عدم تجنب المواجهة حتى لو أدت إلى جدال محتدم. على المرأة أن تدرك أنه في حال كان زوجها يقابل نساء أخريات سيستمر في ذلك حتى لو تسبب له بمشاكل جمة معها. عليهما كثنائي أن يستمرا في الخروج الى المجتمع وأن لا ينغلقا على نفسيهما فذلك يدمرهما. الثنائي الذي ينطوي على ذاته لا يكون منسجماً لأن تحسن الحياة الزوجية يتأثر أيضاً بعلاقة الثنائي بالمجتمع. على الشريكين أن يبرزا جاذبيتهما في المجتمع وهذا ما يقوم به كل إنسان يومياً وإن من دون وعي.

لا تكوني متساهلة حيال بحث زوجك في أغراضك وبريدك وجدول مواعيدك بغية اكتشاف أي دليل على خيانتك. بل أثبتي نفسك وعبّري عن شخصيتك ولا تسمحي له بفرض ارتيابه المرضي عليك، بل أشعريه بأن حبك له يزداد يوماً فآخر فيشعر بأنه يجد فيك كل ما يفتقر إليه ويعوزه، أي ثقته بنفسه المفقودة وتقديره لذاته... علماً أن المصاب بجنون الارتياب يقلب الأدوار ويلقي الاتهامات بالخيانة جزافاً.

تحكي امرأة كان زوجها مصاباً بجنون الارتياب قصتها: «تعرفت به قبل ثلاث سنوات وبعدما تأكدت أننا خلقنا لبعضنا لشدة الانسجام والتفاهم والحب بيننا، قررنا أن نتزوج في غضون بضعة أشهر. في الفترة الأولى كنا سعداء لكن سرعان ما تحول هناؤنا إلى شقاء فأصبح زوجي غريباً بالنسبة إلي كأنني لم أعرفه يوماً. عشت ثلاث سنوات في ظل خوف رهيب من نوبات غيرته وغضبه. لم يقتصر جنونه علي بل طال أيضاً عمله فهو يتهم زملاءه بمضايقته دائماً، كذلك عائلته وأنا إذ يعتبر أني أخدعه وأخونه. عشت في جحيم لا يطاق وتحملت منه الكثير كاتصاله بي في العمل وتدقيقه في أغراضي الشخصية مثل بريدي وجدول مواعيدي. لو تأخرت يوماً بضع دقائق يتهمني بأنني كنت مع عشيقي... حتى جاء يوم عطلتي وصادف أن تسلمت رسالة موجهة اليه اكتشفت فيها أنه يخونني، ما فتح بصيرتي على ما يجري. ولدى دعوته إلى المنزل واجهته بالحقيقة. لم ينكر ظناً منه في غمرة ازدرائه واحتقاره لي أنني سأتوسله لكي يبقى على حبي. بيد أني تمكنت رغم الأعوام الثلاثة التي عشناها معاً من لملمة جروحي وتركه».

back to top