ماقل ودل: الإشراف القضائي على الانتخابات والتعديل الدستوري...ما لهما وما عليهما 2

نشر في 04-09-2007
آخر تحديث 04-09-2007 | 00:00
 المستشار شفيق إمام

ليس محظوراً على القاضي المشاركة بالرأي والبحث والدراسة في القضايا القومية التي تتفق فيها الأمة كلها على كلمة سواء، مثل قضية فلسطين والتحديات التي تواجه أمتنا العربية، ومثل قضية أولاد الشوارع، والحلول المقترحة لها، وظاهرة انتشار المخدرات أو الفن الهابط أو مشكلة الإسكان.

تناولت في مقالي الأسبوع الماضي، في هذه الزاوية وتحت العنوان ذاته، تجربة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات التي طبقت في مصر لأول مرة في سنة 2000، بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون الانتخاب الذي يجيز تعيين رؤساء اللجان الفرعية من غير القضاة بالمخالفة للمادة (88) من الدستور، وكيف كنا نأمل في تفعيل هذا الاشراف وتعزيزه، ليشمل هذا الإشراف رقابة جداول الانتخاب وأن يكون الفصل في الطعون الانتخابية بأحكام قضائية ملزمة، إلا أن تعديل المادة (88) من الدستور في مايو 2007، جاء مخيباً للآمال عندما ألغى هذا التعديل الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات وجعله شكلاً بغير مضمون، ودحضنا ما قيل في تبرير هذا التعديل من أنه لا توجد دولة في العالم تأخذ بالإشراف القضائي على الانتخابات، ونتناول في هذا المقال بعض تبريرات هذا التعديل التي روجوا ولايزالون يروجون لها ومفادها خروج هذا الإشراف عن طبيعة العمل القضائي الذي يقتصر على الفصل في الخصومات.

وقد كانت هذه المبررات قد طرحت في ندوة بتاريخ 10/8/2007 أقامها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في صحيفة (الأهرام) المصرية، حيث دعاني المركز الى المشاركة فيها معقباً على بحث قدمه الخبير في المركز الدكتور عمرو هاشم ربيع، وناقشت في تعقيبي هذه المبررات؛ وأولها، خروج مهمة الإشراف على الانتخابات عن ولاية القضاء وعن طبيعة العمل القضائي، وهي مقولة مردود عليها بأن الدستور هو الذي يحدد ولاية كل سلطة من السلطات الثلاث، ولما كان الإشراف القضائي على الانتخابات قد تقرر بنص المادة 88 من الدستور فإنه يعتبر جزءاًَ لا يتجزأ من ولاية القضاء، مثلما يمارس رئيس المحكمة الدستورية جميع صلاحيات رئيس الجمهورية التنفيذية والتشريعية في حالة حلوله محله عند خلو منصبه عندما يكون مجلس الشعب منحلاً، ومثلما ينص الدستور على ولاية رئيس الجمهورية ببعض أعمال القضاء مثل تخفيض العقوبات التي صدرت بها أحكام قضائية نهائية وحقه في العفو عنها، ومثلما ينص الدستور كذلك على رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى لشؤون الهيئات القضائية، ومثلما ينص الدستور على اختصاص السلطة التشريعية بالعفو عن الجرائم عفواً شاملاً، فلقد أصبح لذلك كله ولاية دستورية تطبيقاً لمبدأ التعاون بين السلطات في كل نظام ديموقراطي يأخذ بمبدأ الفصل بينها.

ولاريب أنه يدخل في ولاية القضاء رد أي اعتداء على الحقوق والحريات، ومنها حق الانتخاب، وأن الإشراف القضائي على الانتخابات يحقق ما لا تحققه الطعون الانتخابية من آثار ونتائج، والوقاية دائماً خير من العلاج.

فضلاً عن أن القضاء يفصل في كثير من الخصومات ذات الطابع السياسي؛ وأولها الطعون الانتخابية وإن كان اختصاصه في مصر قد ظل، حتى الآن، قاصراً ومحدوداً، حيث لا تلزم نتائج التحقيق الذي تجرية محكمة النقض البرلمان بما انتهت إليه بدعوى أن البرلمان سيد قراره، وحيث يفصل القضاء كذلك في الطعون والقرارات الصادرة في شأن تأسيس الأحزاب والقرارات الصادرة من الجمعيات العمومية لها والنوادي والنقابات، وغير ذلك من خصومات تحدوها بواعث وأغراض سياسية، كما يفصل في الطعون في قرارات تمس الحريات، كالاعتقال ومصادرة الصحف وتعطيلها وإيقاف صدورها، من دون أن يقال إن في ذلك زجاً بالقضاء في معارك سياسية.

والواقع أن من يقولون بذلك قد اخطؤوا في فهم معنى الاشتغال بالسياسة، المحظور على رجال القضاء، ذلك أن مفهوم هذا الحظر هو منع رجال القضاء من الانخراط في الأحزاب أو المنتديات السياسية، أو أن يظهروا علناً تأييدهم أو مؤازرتهم لحزب أو لمجموعة سياسية أو اتجاه سياسي يتبناه حزب دون سائر الأحزاب أو الترشيح في الانتخابات، ولو كمستقلين، إلا بعد تقديم استقالتهم، ولكن ليس محظوراً على القاضي المشاركة بالرأي والبحث والدراسة في القضايا القومية التي تتفق فيها الامة كلها على كلمة سواء، مثل قضية فلسطين والتحديات التي تواجه أمتنا العربية، ومثل قضية أولاد الشوارع، والحلول المقترحة لها، وظاهرة انتشار المخدرات أو الفن الهابط أو مشكلة الإسكان، أو الطلاق، أو قضايا المسنين وقضايا البيئة أو هبوط مستوى التعليم في المدارس والجامعات، لما ينطوي عليه ذلك الفهم الخاطئ من خطر مضاعف الأثقال على القاضي والمجتمع في آن واحد. لأن هذا معناه حرمان القاضي من المساهمة في الحياة العامة وحل مشاكل المجتمع، وهو جزء من هذا المجتمع، وهو ابن وأب ورب أسرة، يتأثر إيجاباً وسلباً بما يحدث في المجتمع وما يتفاعل فيه من عوامل تهدد أمنه واستقراره. ومعناه، أيضاً، حرمان المجتمع من إثراء البحث والرأي في هذه القضايا بعدم مساهمة سدنة العدالة فيها الذين يتمتعون بصدق البصيرة مما اكتسبوه من خبرات طويلة خلال الفصل في المنازعات على المدى الطويل، كما أنه لا يجوز أن يشمل الحظر المفروض على القاضي ما يباشره من أعمال وما يصدره من قرارات تدخل في ولايته، بنص الدستور أو بنص القانون.

ونستكمل هذا الحوار في مقال الأسبوع المقبل، بإذن الله...

back to top