الحرب على الأبواب

نشر في 16-01-2008
آخر تحديث 16-01-2008 | 00:00
 بلال خبيز

نفض اليد من لبنان والتخلي عنه، قد يجعل المشهد القادم ذا سواد قاتم لا يبين أو يفصح عن أي شيء حتى ينهي اللبنانيون حروبهم الداخلية، ويستقر جماع رأيهم على ضرورة العيش في بلد مستقل، وإلا فإن البلد سيخوض في المقبل من الأيام ما يشبه حرباً من القرون الوسطى.

يشق على اللبناني، سواء أكان يعيش في لبنان أم خارجه، أن يعترف بفشل مهمة أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى في لبنان، لكن هذه المشقة لا تمنعه، أي اللبناني، من تنسّم كل تصريح في كل مكان من العالم يبدي اهتماماً بقضية اللبنانيين التي يبدو أنها باتت أقرب إلى القضايا المستحيلة، وهذا ما عبر عنه الرئيس حسني مبارك، حين أعلن أن المبادرة العربية هي فرصة لبنان الأخيرة وأن فشلها يعني أن الجميع سينفض يده من لبنان ويتركه لمصيره المشؤوم.

ما يتحدث عنه الرئيس المصري، يعني حرفياً أن البلد سيخوض في المقبل من الأيام ما يشبه حرباً من القرون الوسطى، وأن هدف هذه الحرب ليس انتصار طرف على آخر، بل نهاية الطرفين. ومعنى النهاية في هذا المجال، إعادة استدخال البلد في مجاهل العنف الطائفي من غير وازع من أي نوع. ومع هذا الدخول المتجدد في حرب، لا يريدها أحد في أي مكان من العالم، سيشهد البلد انهيارات متمادية لكل ما تبقى فيه على رمق.

على أي حال، لا يمكن وصف البلد بالمعافى في أي من المجالات اليوم، خصوصاً أن آلة دولته تكاد تكون معطلة بالكامل، فالحكومة التي ورثت صلاحيات رئيس الجمهورية تجد نفسها ملزمة مطلع كل شمس بالتذكير أنها لا تأخذ من القرارات إلا الضروري والمتعلق بتيسير أمور العباد في الحد الأدنى، أما المجلس النيابي فمعطل بقرار «إرادوي» تقوده المعارضة المتحالفة مع سورية، وغني عن القول إن الفراغ لا يكاد يبقي من سدة الرئاسة الأولى ما يمكن أن يقيم أود الرئيس الجديد.

هذا المشهد القاتم مازال حتى اليوم مشهداً منظوراً إليه في بلاد العرب وفي بعض العالم، لكن نفض اليد من لبنان والتخلي عنه، قد يجعل هذا المشهد سواداً قاتماً لا يبين أو يفصح عن أي شيء في انتظار أن ينهي اللبنانيون حروبهم الداخلية وأن يستقر جماع رأيهم على ضرورة العيش في بلد مستقل.

تدّعي المعارضة اللبنانية أنها هزمت المشروع الأميركي في لبنان مرات متعدّدة، في حين أن الموالاة تشعر شعوراً عميقاً بالخفة التي تطبع الدعم الأميركي لمن يعتبرون حلفاءها في لبنان، فالساحة اللبنانية، بخلاف ما يظن أهل المعارضة ليست على قدر من الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية إلا بسبب مجاورتها لإسرائيل، واحتمال المشاكسة على الأمن الإسرائيلي من خلالها، وهذا لم يعد يشكل مكمن خطر فعلي اليوم. حيث إن نفض اليد من لبنان، يعني مباشرة أن أي هجوم إسرائيلي متجدد عليه سيكون هدفه الأوحد تدمير البلد برمته وإعادة بنائه بما يناسبها من الركام.

وواقع أن الإدارة الأميركية لملف العراق تحقق نجاحات متالية، فذلك يعني حكماً أن الرأي الأميركي يفترض أن لبنان في وسعه أن ينتظر حتى تحقيق الإنجاز العراقي كاملاً وربما الأفغاني والفلسطيني، قبل أن يعيد حساباته في لبنان، لكن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة للدول العربية المحورية، فانهيار لبنان ودخوله في لجة العنف العاري والفراغ القاتل، يضع محور الاعتدال العربي في موضع حرج، خصوصاً حيال الملفات الإقليمية الساخنة في المنطقة من إيران إلى سورية مروراً بفلسطين ولبنان والعراق، وامتداداً إلى باكستان، لكن حجم الخطر الكبير على الركائز العربية الكبرى لا يقابله قدرة على الضغط لتنفيذ سياساتها وفرض توجهاتها بما يتناسب مع حجم التحديات، وفي الموضوع اللبناني يبدو الأمر بالغ الوضوح، فالبلد ينقسم جوهرياً بين داعين إلى تسيير أمور البلد وتشحيم عجلة آلة الدولة بدعم عربي وتضامن دولي، وداعين إلى سيادة الفراغ بوصفه أنسب السبل وأنجعها لمواجهة المشروع الأميركي في المنطقة، وليس ثمة أي سلاح يمكن أن يكون مجدياً في مواجهة التعطيل الذي تجابه المعارضة اللبنانية به خصومها إلا سلاح الاحتكام إلى المنطق نفسه، أي منطق الشروع في حرب أهلية سياسية مرشحة أن تتحول كل مطلع شمس إلى نزاع أهلي مسلح. في هذه الحال ستكون النتائج كارثية على لبنان عموماً وعلى أهل المعارضة خصوصاً. إذ ما الذي يمكن أن يكون عليه رأي قادة «حزب الله» لو لجأت قوى الموالاة إلى احتكار مواردها كلياً مثلما يحتكر «حزب الله» موارده ويحصر منافعها في لدن الطائفة التي يقود؟ في هذه الحال، هل تتعيش الطائفة وجمهورها على الخطب الفصيحة فقط؟

* كاتب لبناني

back to top