الروائي إبراهيم عبد المجيد: المكان يصنع الأسطورة في كتاباتي

نشر في 10-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 10-02-2008 | 00:00
No Image Caption

يعتبر الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد أحد أبرز الروائيين من جيل السبعينيات في مصر. فقد بنى عاماً تلو آخر وروايةً تلو أخرى مشروعه الأدبي ورسّخ اسمه تدريجاً بين كبار الروائيين.

«الجريدة» التقته فدار الحوار الآتي:

ما علاقة روايتك الأخيرة «شهد القلعة» بمشروعك الروائي؟

لا أزعم بأن لدي مشروعاً مخططاً له سلفاً، لكنها رواية ولدت من رواية، ومن رحلة رواياتي. منذ كتبت «الصيف السابع والستين» ثم «المسافات» ثم «الصياد واليمام» و«ليلة العشق والدم» وبيت الياسمين» أحسست بالشبع من الكتابة عن تحولات المصريين الروحية والنفسية والاجتماعية بعد هزيمة 67 وفضلت الابتعاد قليلا، لنقل هي استراحة المحارب في عالمي الروائي إن جاز التعبير.

لم أجد إجابة على سؤال عما تريد قوله في «شهد القلعة»؟

هي رواية حول المشاعر الإنسانية على الحافة، يلتقي في قلعة تاريخية في عمان البطل الكهل والبطلة الشابة وحدهما، إلا أنهما في الواقع لا يكونان وحدهما إذ تقفز شخصيات من الذاكرة عرفاها في بلاد عربية وأجنبية وشخصيات معاصرة عاشت على حد السكين وكلها من زمن سحري تتحد فيه الرغبة مع الفناء، تصبح القلعة برزخا بين السماء والأرض وتتهاوى الحدود الفاصلة بين الجنة والجحيم.

هل يعني كلامك غياب وحي الإسكندرية مستقبلا عن إبداعك الروائي؟

إطلاقا، أنا أقول دائما إن كل كاتب منذور إلى مكان، انطبعت الإسكندرية في روحي انطباعاً حميما، لا تزال تشغل حتى اليوم مساحة واسعة جدا في مخيلتي ووعيي وإحساسي وشعوري. الحياة في الاسكندرية مختلفة في الواقع عن الأدب لأن هذا الأخير يعطي الواقع درجة من السمو والرقي. تختلف مدينة الكاتب عن المدينة الواقعية التي تحولت من إسكندرية كوزموبوليتانية إلى إسكندرية وهابية أو ريفية أو بدوية. يكتب الأديب عن الخيال وليس الحقيقة، لأن عملية الكتابة غير علمية تتعلق بالوحي وليس الإلهام.

رغم انتقالك من الإسكندرية إلى القاهرة إلا أنك لم تكتب عنها رواية واحدة؟

صحيح أنني انتقلت إلى القاهرة، وجدت فيها منابع كثيرة للإلهام والوحي، لكن الذي حدث حتى الآن أنني كتبت عنها بضع قصص قصيرة ومشاهد في رواية «البلدة الأخرى» أو في «ليلة العشق والدم». لكنني لم أكتب رواية كاملة عن القاهرة، مع أنني أزعم أن لدي من خبرات الحياة فيها ما يملأ مجلدات، لكن الكاتب مشاريع، ما زلت أشعر أن مشروع الاسكندرية لم يكتمل بعد، في ذهني كتابة كثيرة عنها، ربما بعد ذلك أكتب عن القاهرة، وأرصد تجربة جيلي، وهي تجربة غنية. القاهرة أتيتها العام 1974 وهي تغلق أبوابها، كانت هناك مطاردات للمثقفين والكتاب، وكان هناك صراع سياسي سري وعلني، عشت في هذا الخضم وعشت تجارب تستحق أن يكتب عنها. حاولت أن أجسد الوطنية المصرية من خلال المكان، وأن تتجسد المشاعر الحقيقية للمصريين في كتاباتي.

هل يمكن للمكان أن يستحوذ على المبدع إلى هذه الدرجة؟

بالتأكيد المكان هو خالق الأسطورة. عشت في أماكن عجيبة في جنوب مدينة الاسكندرية، الأماكن المحيطة بترعة المحمودية والمتاخمة لبحيرة مريوط والصحراء الغربية، حيث تمتد السكة الحديد والقطارات العابرة التي تحمل الغرباء. إنها أماكن مفعمة بالسحر والأساطير والأسئلة. في صغري عندما كنت أرى صيادا قادما وحيداً في الماء وسط البحيرة كنت أتساءل لماذا هو وحده في الخلاء؟ اما خطوط السكة الحديد فهي مخزن أساطير، يكفي أن تستقل القطار الذاهب إلى الصحراء، كثيرا ما استقليته مع أبي الذي كان يعمل في السكة الحديد. كنت أرى الناس ينزلون في المحطات الموحشة وسط الصحراء وأتساءل. أين يذهبون؟ كان يدهشني منظر القطار وهو يقطع الفيافي. باختصار عشت في أماكن مفعمة بالأسئلة الفلسفية، يأتي بعد ذلك تأثير ألف ليلة وليلة ودراسة الأنثروبولوجيا والمجتمعات البدائية، لكن يظل المكان هو صانع الأسطورة.

تكتب رواية واقعية، مع ذلك الفانتازيا حاضرة دائماً في أغلب أعمالك لماذا؟

يعود هذا الأمر إلى ثلاثة أسباب: الأول حياتي وذاتي مفاده أنني أعيش في أماكن مليئة بالسحر في كرموز على مقربة من بحيرة مريوط وأرى الصيادين في البحيرة ليلا ونهارا، كأن هذا المكان هو مسرح للأساطير. الثاني قصدت كثيرا الصحراء مع والدي خصوصاً الصحراء الغربية حيث المكان المتسع الذي يشغله عدد قليل من البشر ولا يملؤه إلا الخيال. الجانب الثالث هو دراستي، درست الفلسفة والأنثربولوجيا ولفتتني فكرة مهمة مستقاة من المجتمعات البدائية هي فكرة «ألانيمزم» أي إضفاء الروح على الجماد وأنسنة الموجودات والحيوانات، الأمر الذي تطابق مع حياتي وهو يفتح مساحات واسعة للخيال والتخييل.

في «شهد القلعة» الجنس موجود من غير إفراط كذلك كان موجودا سابقاً في «برج العذراء» ما هو المبرر الفني والروائي لذلك؟

بغض النظر عن أي دلالة، يحضر الجنس ويلح في لحظات الضغط النفسي الكبيرة، أو في لحظات الرعب ويتجلى في اللحظات العاطفية العالية، هذه الرواية فيها من اللحظات والأحداث التي سمحت بتجلي الجنس. المشكلة أن الأدب في مصر يقرأ على نحو خاطئ، وأصحاب الآراء في الأدب ليسوا أدباء ولا يعرفون منهجية إبداء الآراء بحجة أن الأدب يكتب للناس سواء كانوا عاديين أو مثقفين أو ساسة، حينما تبدي رأيا في عمل ما إما أن تقول رأيا بسيطا يفيد إن العمل جيد أم سيئ وإما أن تقول رأيا فنيا ونقديا، في هذا المجال لا بد أن تمتلك أدواتك النقدية وقراءاتك النقدية أو تكون دارسا للنقد، إذ يضرّ الاجتهاد بالعمل والمتلقي والنقد معاً. إن تناول العمل الأدبي في مصر يقوم به عدد كبير ليس من النقاد بل أصحاب السياسات، والقراء الذين يكتبون نقداً انطلاقا من وجهات نظر سياسية يفسدون الحياة الأدبية ويحطون من شأن الأعمال ويعلون من شأن أخرى وفق أهوائهم السياسية.

لماذا تلح الحرب عليك دائما فيما تكتب ؟

عشت الحرب وأنا صغير، نشبت حرب 56 وكان عمري تسع سنوات، منذ ذلك الحين وأنا أعيش وسط الحروب، لدرجة أنني شعرت كأنني المستهدف. بعد ذلك جاءت حرب اليمن ثم حرب 67 ثم الاستنزاف ثم حرب أكتوبر، ثم حرب لبنان ثم حرب الخليج الأولى ثم الثانية ثم الثالثة بالإضافة إلى الوضع المتجدد في فلسطين، أحسست كأن هذه الحروب هي خط بياني لتاريخي الشخصي وأنا مطالب إزاءها برأي سياسي أو روائي، لأنها تمثل ثقلا تاريخيا ونفسيا علي. الحرب هي أقسى فعل كوني وأشده لا تتضح الأمور أكثر من اتضاحها في الحروب، تتقبل الحياة الرمادي وبينما لا تؤمن الحرب بالرمادي إما أسود أو أبيض، المشاعر أكثر وضوحاً في الحروب، الموت والحياة أكبر مقولتين يعرفهما الإنسان تحددهما الحرب. إذن الحرب فرصة لإظهار النفس البشرية في تجلياتها الفطرية الواضحة. لذلك تجد أن الحرب عندي شغلت مساحة روائية كبيرة، كحياة وكهم كوني، يثري الكتابة. أسهمت قراءاتي في روائع أدب الحرب في هذا الاتجاه مثل أعمال هيمنغواي وتولستوي، كما أنّ الحرب تعطي الروائي فرصة لخلق شخصيات مفارقة للواقع.

هامش

 يكتب عبد المجيد بانتظام طوال الشتاء في كل عام وفي ساعات محددة. منذ روايته الأولى «الصيف السابع والستين» (1979) حتى «شهد القلعة» نهاية العام 2007، أصدر مسرحية 12 عملاً روائياً وخمس مجموعات قصصية. لم يمر شهران على روايته الجديدة الصادرة عن «دار الدار» حتى أصدرت «دار الشروق» طبعةً جديدةً من روايته الأشهر «لا أحد ينام في الإسكندرية» (1996). برز حضور عبد المجيد الأدبي من خلال «البلدة الأخرى» (1990) التي تحكي تجربة العمل في السعودية كما عاشها عام 1978، حيث أمضى 11 شهراً وخرج برواية تعدّ الأهم في سياق كتابة المصريين عن هجرة النفط.

back to top