حين يحسب البعض العناد نصراً
ثمة توازن بين المعارضة والأكثرية لكن التوازن لن يبقى طويلاً على هذه الحال، إذ ثمة فارق كبير بين تفعيل العمل الحكومي وتعطيل العمل التشريعي، وهو الفارق بين من يستطيع الحكم ومن يستطيع الاعتراض. فالمعارضة تمثّل نصف اللبنانيين، لكن هذا النصف يعرف أنه لا يستطيع الحكم إلا انقلاباً، وأن الحكم معقود لواؤه للنصف الآخر.يغالب المعارضين اللبنانيين مسؤولين وعامة شعورٌ بالنشوة لا يمكن نكرانه، هؤلاء باتوا، لساناً وحالاً، يرددون من دون تعب أنّ النصر معقود لهم، والأرجح أن هذه النشوة تتغذى أيضاً من شعور بالخيبة لدى أهل الموالاة، فأولئك يغالبون إحباطاً يتغذّى من يقينهم أن المعارضة اللبنانية لا تريد أن تعقد أي تسوية من أي نوع. وأن الأحوال ستبقى على ما هي عليه من تردٍّ، بل تنزلق إلى مزيد من التدهور في العام الجديد.الموالون يشعرون بأنّ النفوذ السوري عاد إلى لبنان، وأن سورية اليوم طرف داخلي في المعادلة اللبنانية أكثر من أي وقت مضى، فضلاً عن كونهم يظنون أنهم تنازلوا كثيراً عما هو حق مكتسب لهم، لكن المعارضة لاقت هذه التنازلات بالجحود والمزيد من التعنّت، وإذا أضفنا إلى هذا الإحباط واقعة أن الدعم الأميركي للأكثرية النيابية اللبنانية لا يؤدي غرضه في محاصرة الخصوم، بل يزيدهم تعنّتاً وعناداً فوق عناد، بدا المشهد المنظور إليه بعين الموالاة قاتماً. لكن الأمور لا تقاس بهذه الموازين المخاتلة، إلا إذا كان ثمة من يعتقد في صفوف الأكثرية أن حلول المعضلات المزمنة تتم بشطحة قلم أو موقف أو جلسة حوار، وهذا على الأرجح اعتقاد يضرب أطنابه في لدن الموالاة أكثر مما يقيم في لدن المعارضة. تريد الأكثرية أن تحلّ مشكلة سلاح «حزب الله» بين ليلة وضحاها، وهو سلاح مازال ثمة من يربيه ويسهر عليه منذ أكثر من عقدين من الزمن، وتريد أيضاً أن تزيل النفوذ السوري من لبنان ببضعة أشهر أو أسابيع، وهو نفوذ يرقى إلى لحظة تأسيس البلد، وتريد أن تحل معضلات العلاقات المتوترة بين الطوائف اللبنانية بجلسة حوار واحدة، وهذا أمر كلف البلاد حروباً أهلية متعددة.والحق أن الموالاة تنطق بلسان من تعب من المغامرات بالبلد ومستقبله، وهذا أمر له وزنه في بلد يشعر بأنه ريشة في مهب الرياح الإقليمية والدولية، ولا يستقر على حال من القلق منذ نشأته حتى اليوم، لكن هذا الشعور المتعاظم لدى أكثرية اللبنانيين موالاة ومعارضة لا يزن في موازين القوى المحلية كثيراً. مع ذلك يحق لأهل الموالاة الشعور بمثل هذا الإحباط، بشرط ألّا يغيب عن ذهن أي من السياسيين وقائع العام المنصرم على حقيقتها.في النفوذ السوري: ما من شك أن سورية مازالت تملك نفوذاً قوياً في لبنان، لكن نفوذ سورية لا يلغي واقع أن النفوذ الأميركي في لبنان يملك من أوراق القوة ما يؤهله إلى اللعب طويلاً على المسرح الداخلي، والمسرح ليس محتكراً للأميركيين والسوريين والإيرانيين، إذ ثمة نفوذ سعودي مباشر لا يخفى على أحد، وهذه المرة لا يدخل إلى لبنان من بوابة سورية مثلما درجت العادة في العقدين المنصرمين. أما مصر فليس خافياً أنها تتحضر جدياً ومن دون أوهام إلى رعاية فئة من اللبنانيين وحمايتها، خصوصاً أن العماد ميشال سليمان كان مرشحاً مصرياً قبل أن يصبح مرشحاً لبنانياً.في موازين القوى الداخلية:القاصي والداني يعرف أن المعارضة تقبض على موقع رئاسة المجلس النيابي وتعطل دوره، أما الموالاة فتحتكر القرار الحكومي وتفعل دورها، والمعارضة تتهم الموالاة بالسطو على صلاحيات غيرها، بينما الموالاة تتهم المعارضة بتعطيل المؤسسات. والحال ثمة توازن بين القوتين، لكن التوازن لن يبقى طويلاً على هذه الحال، إذ ثمة فارق كبير بين تفعيل العمل الحكومي وتعطيل العمل التشريعي، وهو الفارق بين من يستطيع الحكم ومن يستطيع الاعتراض. المعارضة تمثل نصف اللبنانيين، لكن هذا النصف يعرف أنه لا يستطيع الحكم إلا انقلاباً، وأن الحكم معقود لواؤه للنصف الآخر، ومرهون بموافقته، وهذا بالضبط ما تطالب به المعارضة، أي موافقة الأكثرية على تسهيل حكم المعارضة. ماذا لو سألنا الشيخ نعيم قاسم نائب أمين عام «حزب الله» عن موقفه إذا تخلت الموالاة عن الحكم وتحولت معارضة وطلبت من المعارضة التي يقودها تسيير شؤون البلاد والعباد؟ هل تستطيع المعارضة أن تسيّر حكم البلاد إذا ما قررت الموالاة التعطيل؟الأرجح أن هذا لم يدر في روع الشيخ قاسم ولا في روع الجنرال عون الطموح، لهذا لم يسأل نفسه كيف يسعه أن يؤمّن حقوق المسيحيين كما يريدها إذا ما وصل إلى قصر بعبدا وعاش فيه وحيداً ومعزولاً لا يزوره فيه سوى أصهاره وأقربائه وربما الأمير طلال أرسلان.* كاتب لبناني