خطر الاستنارة

نشر في 29-08-2007
آخر تحديث 29-08-2007 | 00:00
 ضاري الجطيلي تحرص أنظمة الحكم الشمولية والأحزاب الدينية السياسية على استخدام أسلوبي التخويف والإغفال في تحقيق طموحاتها بالاستيلاء على السلطة، إذ عندما يعيش الفرد خائفاً من أن يُقطع رزقه أو يُؤذى جسدياً أو روحانياً، تجده يتخلى شيئاً فشيئاً عن حقوقه المدنية والإنسانية، وعندما يعيش غافلاً فإنه يترك مهمة تحديد تلك الحقوق لغيره، وفي الحالتين يتكون عنده وهم بضرورة الانقياد خلف جماعة معينة تحدد له الصواب والخطأ ومن ماذا يخاف وتعرّف له مفاهيم الأخلاق، ما يجعل كرامته الإنسانية عرضة للهدر بسهولة.

إذا أخذنا الكويت كمثال، فسنجد أن السلطة تتجه إلى شراء رضا الفرد بالمنح المالية بعد تخبطها في الأزمات، وتروج لها لتخلق عنده وهماً بأنها هدية، وبذلك يغفل حقيقة أنها أموال عامة مملوكة للدولة وله بصفته أحد أفراد الشعب. وعندما تشتد الأمور تجدها تتجه إلى القمع الجسدي والفكري كما حدث عامي 1939 و1989، ولنا في اختطاف الزميلين بشار الصايغ وجاسم القامس من قبل «أمن الدولة» الأسبوع الماضي مثالاً عن تخويف الشباب الناشط سياسياً، إضافة إلى تهديد الناس بقطع أرزاقهم ما لم يشاركوا في انتخابات المجلس الوطني غير الدستوري، ناهيك عن احتكار السلطة للإعلام وتقييدها للصحافة، ما يجعل الفرد في غفلة عن كل ما يخالف ما تقوله وتحدده له.

في المقابل، تحرص الأحزاب الدينية على تهميش القراءة والاطلاع والتفكير والإبداع في تنشئة قواعدها، وعندما أقول القراءة والاطلاع أقصد ما فيه تشغيل للعقل وتحد ٍلسكينة القلب، وليس ما يتم تلقينه من دون تحفيز غريزة الشك والمنطق، فعلاوة على استغلال الغيبيات في تخويف ناقصي العلم ومهزوزي الإيمان لتعزيز سطوة القادة، تجد مخيماتهم ورحلاتهم الشبابية تعج بأساليب الإرهاب الفكري والضبط والربط والتلقين، وهي أولى مراحل تدرج الفرد في مراتب الحزب حتى يصل إلى إعلان الولاء والطاعة لـ «أمير» الحزب، عندها يصبح مسلوب الإرادة ولا يسمح له أن يساوم في ما يأتيه من أوامر.

سطوة الأنظمة الشمولية والأحزاب الدينية قائمة على أساس غفلة الفرد عن حقوقه أو خوفه من تبعات «الخروج عن الجماعة»، بينما الاستنارة تجر الفرد طبيعياً باتجاه إلمامه بحقوقه، ويترتب عليها تحرره وثورته على الموروث غير المنطقي وغير المتجدد، ما يؤدي إلى إيمانه بأحقيته في القيادة ورفض الانقياد، وذلك يهدم أساس قيام تلك الأحزاب والأنظمة، فالإبداع عدو التقليدية، والاطلاع عدو التخلف، والتفكير عدو التلقين، وتحرر الفرد ينقض سطوة الجماعة.

 

Dessert

للمزيد عن أساليب التخويف والإغفال و«أكل الجلي»، إقرأ «سلسلة الإخوان المسلمين» في مدونة أم صدة (http://om9edda.blogspot.com)

back to top