البشت آللي

نشر في 16-01-2008
آخر تحديث 16-01-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي

«البشت قال لي» هي عبارة تشبه إلى حد كبير في بلاد الغرب عبارة «صرح مصدر مسؤول»، لأن الذين يلبسون البشوت «هكذا يجمع بشت في اللغة المحلية»، هم أعيان القوم وسادته، فتكون «البشت قال لي» بمعنى الذي قال لي المعلومة أو الخبر هو رجل مهم ذو ثقل ومكانة.

في مصر، هناك مدرسة «الطشت آللي»، أما في الخليج، فهناك مدرسة «البشت آللي»، و«آللي» بالعامية المصرية تعني «قال لي»، والبشت هو كلمة فارسية الأصل يطلقها أهل الخليج على نوع معين من العباءات، ولا يمكن فهم الخليج دونما فهم البشت، واضح في كلمة البشت حالة الاشتباك الخليجي الفارسي التى تسيطر على الأحداث هذه الأيام، والبشت، لغير الخليجيين، هو عباءة رجالية من الحرير غالية الثمن، يرتديها أعيان القوم فوق الملابس لحضور الحفلات الرسمية، والبشت يعادل في دلالته الاجتماعية «التكس»، أو البدلة الرسمية السوداء في الغرب.

وعندما يقولون في الخليج «البشت قال لي» فهي عبارة تشبه إلى حد كبير في بلاد الغرب عبارة «صرح مصدر مسؤول»، لأن الذين يلبسون البشوت «هكذا يجمع بشت في اللغة المحلية»، هم أعيان القوم وسادته، فتكون «البشت قال لي» بمعنى الذي قال لي المعلومة أو الخبر هو رجل مهم ذو ثقل ومكانة.

صوتياً، هناك ما يشبه كلمة «بشت» في اللغة الإنكليزية مع مبادلة الحرفين الأخيرين، وهي بالطبع كلمة نابية في الغرب، فإذا شتم شخص ما بأنه «صن أوف أ بتش» فمجازاً هذه الشتيمة ترمز إلى أصل وضيع. أما في الخليج، فالعكس تماما، فعبارة «صن أوف أ بشت» ترمز إلى من ينحدرون من أصول عريقة من أبناء القبائل المعروفة أو من الوجهاء والأثرياء.

الفكرة هنا هي أن العالم العربي اليوم يتأرجح في كثير من مدارسه الفكرية بين مدرسة «البشت قال لي» وهي تحافظ على مظاهر الوقار والاحترام، ومدرسة «الطشت قال لي» التى تحمل كثيراً من السوقية، ومدرسة ما بين بين، أو الذين رقصوا على السلم، أو مدرسة الـ«هشتك بشتك».

تسيطر على المنطقة اليوم أحاديث المتاجرة بالوطنية لمن ينتمون إلى جماعة «الطشت آللي»، هؤلاء يدعون حب الفلسطينيين في المجال الصحفي العام ولكنهم يكرهونهم في بلدانهم وينظرون إليهم على أنهم مزاحمون لهم في اللقمة. على الأقل، جماعة «البشت آللي» منحت بعض الفلسطينيين جنسيات بلدانها، أما جماعة «الهشتك بشتك» فهي اليوم التي تتبنى موضوع «الشحن» العابر للحدود. قبل زمن الفضائيات كانت كل دولة عربية تشحن أهلها من خلال إعلامها الحكومي لكراهية الخارج حتى تتغاضى الجماهير عن مشاكل الداخل. أما اليوم فجماعة «الهشتك بشتك» هي التي تتولى عمليات الشحن الأممية من أجل مزيد من الانتحاريين.

نسمع في عالمنا العربي اليوم عن برلمانيين يطالبون حكوماتهم بمنع الرئيس الأميركي من دخول أراضيهم لأنه «مجرم حرب»، كما يدّعون، وكأن حكاية مجرم حرب هذه ليست مصطلحاً قانونياً، لا يوجد في برلمانات العالم كلها من يطلقون أحكاماً متهورة كهذه، فالدنيا لا تؤخذ عبطاً أو استعباطاً.. وهذا هو جوهر مدرسة «الطشت آللي» التى بدأت عدواها تنتشر في دول الخليج. نفس الأصوات التي تدعي الوطنية الزائفة هم أكثر الناس غرقاً في الفساد، إنها أحوالنا، «صن أوف أ بشت».

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية - IISS

back to top