وزارة للإعلام في الكويت... لماذا؟!

نشر في 20-08-2007
آخر تحديث 20-08-2007 | 00:00
 محمد خلف الجنفاوي

هناك مشهد ساخر لوزارات الإعلام حيث يقف فيه كيان عملاق يعمل بميزانيات هائلة، مرتعداً وعاجزاً أمام جهاز هزيل وهو «الريموت كونترول».

في عصر الإنترنت واتساع ملاءة الحريات والفضائيات المتناثرة في المدارات الخارجية والأطباق اللاقطة لكل كبيرة وصغيرة، باتت وزارات الإعلام كياناً مهمشاً مثيراً للجدل في معظم الأحيان، إذ غدت أدوارها تقتصر، في الأغلب، على الرقابة والتوجيه علاوة على بعض الجوانب التنظيمية الطفيفة.

لم يعد المشاهد «قاصراً» يحتاج إلى وصاية، فقد أصبح «بالغا ويافعاً رشيداً» ولديه القدرة ليس على تشكيل برامجه فحسب، بل صياغتها أحياناً. وذلك حسب اختياراته وميوله عبر جهاز صغير في حجم كف اليد يطلق عليه «ريموت كنترول»، ذلك الجهاز الذي أخذ دوره يتعاظم مع مضي الوقت متحولاً، رغم ضآلته وضعفه وبساطته، إلى كيان مرعب لوزارات الإعلام بمؤسساتها وكوادرها وأطقمها وسياساتها واستراتيجياتها ومخصصاتها المالية الهائلة جميعها.

وأصبح مفهوم «وزارة الإعلام»، في حد ذاته، مصدراً لصداع مزمن ومستديم في رأس السلطة لعوامل عدة؛ إما بسبب بعض التيارات التي تسعى حثيثاً إلى التحكم فيما يشاهد المرء ويسمع، أملاً في اختراق وعي المواطن بأفكار جامدة ومفاهيم بالية أو بتيارات متفسخة ومنحلة، وإما بسبب الجدل المثار بشأن تعيين المحسوبين عليها، وهو ما ينجم عنه تجميد أصحاب المواهب والابتكار والإبداع وتهميشهم، بل «تطفيشهم» ودفعهم إلى الهروب إلى محطات فضائية أخرى. ومن ثم يشكل هروبهم في حد ذاته هدراً ونزيفاً دائماً للطاقات والكوادر والأموال التي أنفقت لإعداد مثل هذه الكوادر والخطط والاستراتيجيات الإعلامية.

نتيجة لذلك المشهد الساخر الذي يقف فيه كيان عملاق يعمل بميزانيات هائلة وأعداد غفيرة من البشر، مرتعداً وعاجزاً أمام جهاز هزيل في حجمه فعال وجبار في تأثيره وهو «الريموت كونترول»، أعتقد أنه من المفيد الآن أن نفكر ملياً وجدياً أن نطرح مسألة مصير «وزارة الإعلام» لنقاش علمي وموضوعي على الرأي العام والمتخصصين في المجالات الإعلامية والاجتماعية والسياسية.

وفي هذا السياق، ما المانع لو فكرنا في تحويل «وزارة الإعلام» إلى مؤسسة مستقلة محايدة تضم متخصصين في إلاعلام والفنون والتكنولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع من ذوي الاتجاهات المنفتحة والمطلعة على التيارات الإعلامية والثقافية والفكرية في العالم؟

فالقضية ليست قضية تقنية وتكنولوجيا فحسب، بل هي قضية عقول تسهم بعطائها في نهضة الفكر والحوار ونشر التسامح بين المواطنين، أيضاً. وعلاوة على ذلك «ترويج» الكويت عبر نقل ما يجري على أرضها من حراك وجدل سياسي واجتماعي وثقافي وتنوع بصورة احترافية بعيدة عن الأغراض السياسية والاستقطابات والتيارات والكتل، فالهدف الأسمى هو الكويت، وما دون ذلك من خلافات وتقاطعات فلتذب من أجل مستقبل البلاد والأجيال المقبلة التي ستتساءل حتماً كيف استثمرتم تلك الفورة الإعلامية والثقافية والتكنولوجية التي عاصرتموها ؟ وماذا كانت المحصلة؟!

القصد هنا، هو أن نعترف، من دون خجل، أن وزارة الإعلام فشلت في أن تعكس صورة الأحداث السياسية الحاصلة في البلاد ومساحة ال حرية المسموح بها، ودور المرأة وآفاق ارتقائها في المجتمع، وحرية الصحافة في الكويت وحيويتها، وتلك معايير وإنجازات مهمة لا يجب التقليل منها أو تهميشها.

وفي ضوء ذلك الطرح، أعتقد أنه من المهم التفكير في إلغاء «وزارة الإعلام» والاستعاضة عنها بثلاث جهات؛ أولاها: إنشاء مؤسسة إعلامية مستقلة ومحايدة، وهو ما ذكرناه سلفا. وثانيها: تعيين ناطق رسمي للحكومة تكون مهمته توضيح وتفسير مواقف وآراء الدولة في القضايا المطروحة على الساحة داخليا وخارجيا، فضلا عن توضيح وتسويق، نعم تسويق، مشاريعها وبرامجها وأجندتها التنموية والاقتصادية والاجتماعية. وثالثها: إنشاء وزارة للثقافة تُعنى ببناء متاحف ومسارح ودار للأوبرا، وإنشاء معهد للسينما لدعم وتفريخ المواهب المتميزة في الكويت والاستعانة بأفضل التقنيات والخبرات في هذه الصناعة من الخارج، إضافة إلى إنشاء صناديق للثقافة لتقديم الدعم للمبدعين والفنانين في المجالات الفنية المختلفة، وجلب الفرق الموسيقية والمسرحية العالمية، ودعم الفرق المحلية، وإنشاء فرق جديدة، وتنظيم مهرجانات ثقافية وفنية راقية المستوى تنشد التميز وتعكس دور الكويت الذي أدته باقتدار منذ نشأتها.

back to top