التجنيس وبيضة الديك؟!

نشر في 06-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 06-01-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار من المهم أن نفهم حالة الهيستيريا الجماعية التي جرت ومازال ملف التجنيس يعالج بها، وهي حالة غير مسبوقة أدت إلى التعريض بذمم وأعراض أشخاص قدموا للكويت أكثر مما أخذوا، وهي كما يبدو حالة عامة أو «عود من عرض حزمة»، فحالة الهيستيريا الجماعية تكاد تكون هي الأمر السائد في الأمور كافة، فحال البلد «كشة ضايعة»، ومع ذلك يبقى لملف التجنيس خصوصيته.

إذاً... لماذا تم تداول ملف التجنيس بالصورة التي تمت، حتى يخيل للناظر أن قوائم المتجنسين موجودة على أرفف الجمعيات التعاونية، ووثائقهم «الخاصة»، بل «الخاصة جداً» موجودة على قارعة الطريق أو في «سوق واجف»؟ بل إن مسلسل الإثارة التي سبقت ولادة قائمة المتجنسين أو «بيضة الديك» خلقت انطباعاً سيئاً أننا بانتظار قائمة لأشخاص مدانين بجرائم وليسوا مواطنين جدد يُفترض بنا تهنئتهم والترحيب بهم.. فالكثير منهم طال انتظارهم للجنسية دون مبرر.

ولكي نفهم ما حدث علينا أن نستوعب ونقبل أن البلاد عموماً تعاني حالة ضياع في الهوية والتوجه والرؤية ولا يُستثنى من ذلك أحد، وإلا كيف يستطيع شخص إسلامي مثلاً، أن يمنع مسلماً آخر من الحصول على الجنسية، وفي الوقت ذاته يطالب الشخص الإسلامي ذاته بأسلمة الدولة، كيف يستطيع أن يحل هذه المعضلة؟

لا أظن أن شخصاً إسلامياً أو غير ذلك يستطيع حل موضوع المواطنة؛ فهي مسألة سياسية، سيادية، بُنيت على أساسها «الدولة القومية» أو الوطنية، إن شئت، وهي دولة خرجت من رحم الحروب الدينية في أوروبا وأسستها معاهدة «ويستفاليا» في القرن السابع عشر وتكون بها المفاضلة والأفضلية للقاطنين على أرض الدولة لمواطنيها مهما كانت ديانتهم، وعلى هذا الأساس تأسست دول العالم الحالية كلها بما في ذلك دولة الكويت.

وحتى نعود إلى الدولة المدنية أو الوطنية التي نعيش جميعاً على أرضها، ونتمنى لها كمواطنين كويتيين، يحكمنا دستورها الذي صدر عام 1962 وبغض النظر عن تحفظنا على الطريقة التي تتم بها معالجة ملف التجنيس، وهو ملف طويل لا نهاية له، معقد وشائك، فإن هناك حاجة أصبحت ملحة لإعادة الثقة في عملية التجنيس، فهناك أزمة ثقة تراكمت عبر السنين في استخدامه كملف سياسي، وأنه تم توزيع المكافآت من خلاله، وأن التجنيس لا يخضع لمعايير واضحة، ما ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لإساءة استخدام النفوذ، خصوصاً أن هناك احتكاراً كاملاً من قبل السلطة التنفيذية لعملية التجنيس. ولعل بعض أهم المداخل لحل أزمة الثقة تلك أن تخضع العملية لمزيد من الشفافية، وأن توضع معايير واضحة محددة، وأن يُسمح للقضاء بأن يلعب دوراً محوريا في قضايا التجنيس.

وفي هذا الإطار على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم نواباً وحكومة وشعباً بمكوناته كافة كجمعيات النفع العام والإعلام وأصحاب الاختصاص، لصياغة رؤية وترجمتها على الورق والتنفيذ بدلاً من الصراخ والعويل على ماء مسكوب بينما العملية بذاتها لا تخضع لأي معايير معروفة، وإلا كيف يتم استبعاد الشهداء البدون من كشف التجنيس أو العسكريين في موكب الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله وغيرهم من المستحقين؟

* موقف مسؤول لوزير الداخلية

كان الرد القوي الذي قام به وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد في دفاعه بل تثبيته لأحقية الأخ ياسر أحمد براك بالمواطنة، موقفاً مسؤولاً ووطنياً بحق، ولم يتردد، أخذاً في الاعتبار حساسية الموضوع، في أن يدافع عن ياسر ويدعم ذلك بالوثائق الدالة على تضحيات ياسر وتفانيه وقيامه بقيادة السيارة التي أخرجت القيادة السياسية الكويتية من البلاد وتعرضه للأسر والتعذيب. وحيث إن الشيء بالشيء يُذكر... فقد التقيت الأخ ياسر في أحد السجون العراقية أثناء الغزو أسيراً وكنت حينها أرى أولئك الأسرى، بغض النظر عن كونهم كويتيين أم بدون، قد اتحدوا في الولاء والانتماء، وأنه من المفترض أن يتم التعامل معهم جميعاً على هذا الأساس، وإلا كيف نقيس الولاء؟ إلا أن الرياح ذهبت بالسفن إلى صخور وعرة. ولم أكن أعلم إطلاقاً بحجم التضحيات التي قدمها الأخ ياسر إلا بعد هذا الصخب الذي شكك في أحقيته، وخروج الوزير بصورة مسؤولة وتبيان أحقيته، ففي حالة مشابهة - مع اختلاف التفصيل- تخلى وزير أسبق عن مسؤوليته وأضاع حقوقاً ثابتة لشخص ضحى بحياته في مهمات كلفه الوزير بها، إلا أن الوزير آثر السلامة حين البأس. أما لأخي ياسر، المواطن الكويتي، فأنت كنت وستبقى كويتي الانتماء والولاء ورب ضارة نافعة. ويبقى السؤال الذي طرحناه سابقاً، إن كان الأخ ياسر قد أعطى بموجب ما صرح به وزير الداخلية، فلماذا لم يتم تجنيسه منذ زمن، بل بعد التحرير مباشرة، وبعد عودته من الأسر مباشرة؟ وكم لدينا من أمثال ياسر تم إضاعة حقوقهم في خضم الفوضى والضياع العام؟

* سنة خبيصة

سنتنا هذه (2008) هي سنة كبيسة... وهي لا تعني كما ظن أحد الأصدقاء أنها السنة التي يكثر فيها الكبيس، أي الطرشي، ولكنها السنة التي يصبح فيها شهر فبراير 29 يوماً بدلاً من المعتاد، وهو 28 يوماً، وهي تطل علينا كل أربع سنوات مرة واحدة ما يخلق معضلة لمواليد 29 فبراير.. فذكرى ميلادهم تأتي كل أربع سنوات مرة واحدة فقط، فهل يعني هذا أنهم يكبرون كل اربع سنوات سنة واحدة فقط؟

وربما كانت هذه الفكرة ملهمة لنواب مجلس الأمة حين قرروا في زمن مضى أن يعادلوا السنة الواحدة في وظيفة النائب بأربع سنوات لدى التأمينات الاجتماعية، ما يعني أن العضو الذي يتم أربع سنوات في المجلس فإن التأمينات تحسبها على أساس أنها 16 سنة. ولعله من الأفضل أن ينطلق عليها اسم «سنة خبيصة» فهي سنة لا يبدو أن لها شخصية تذكر وهي «بدون» هوية وأجنحة كما أنها «بدون» طعم ترى من خلاله قبساً من نور قادم، فهي كما يبدو «بدون» بمعنى الكلمة، ومع ذلك فلنأمل أن يكون فيها حل وتحريك لقضية البدون... اللهم إنك سميع مجيب...

back to top