إدريساوي: سوق الصفافير غير مطابق لشروط السلامة
تعتبر سوق «الصفافير» معلماً من معالم الكويت التراثية. الصفارة مهنة قديمة توارثتها عائلة الصفار وأبناء عمومتهم. كان الصبي آنذاك يبدأ بالتصفير في الثامنة من عمره كي يتقنها. تعتمد هذه الحرفة على صناعة الادوات المنزلية مثل خزانات المياه والمظلات والشبرات والابواب والمواقد أي «الدوة»، ناهيك بصناعة الصناديق الحديدية والأباريق وسوى ذلك.
كان النواخذة قديماً يقصدون السوق للحصول على خزانات الديزل والماء أمّا ربّات البيوت فقصدنها للحصول على براميل «العيش» و{الشكر» وسواها من الأدوات المنزلية الضرورية والكمالية. رغم أهمية هذه السوق قديماً إلا أنها لم تعد اليوم كما في السابق إذ فقدت بريقها ومعظم مرتاديها. «الجريدة» زارت السوق لتلتقي أحد الصفافير المخضرمين.بادرنا الحاج ابراهيم إدريساوي (72 عاماً) لدى سؤالنا عن سوق الصفافير بأسى قائلا: «سوق الصفافير، وما أدراك ما سوق الصفافير؟ أزاول المهنة فيها مذ كنت في الثامنة عشرة من عمري. تزوجت عام 1961 ورزقت بولدين وابنتين. أحد أبنائي طبيب والآخر مهندس هاجرا إلى كندا. بقيت وزوجتي وابنتيّ هنا. أعشق الصفارة إلى درجة الهوس ولا استطيع فراقها. في هذا المكان عشت أجمل ذكرياتي. تطربني الضوضاء في هذه السوق ولا استطيع العيش من دونها. في السابق لم تكن السوق موجودة هنا إنما في شارع الغربلي في المباركية. عام 1959 اشترى الحاج جواد الصفار «وانيت» من الغانم فنقلنا أغراضنا بواسطته إلى هنا. منذ ذلك الوقت، نحن في سوق الصفافير علماً أن ثمة سوقا للصفافير في منطقة الشويخ قرب شارع «كندا دراي». فضلنا البقاء هنا رغم المعاناة التي نعيشها. كنا سابقاً نصنع « الراوية» وهي عبارة عن صفائح تملأ بالماء وتوضع على جانبي الحصان لنقل الماء من شط العرب حتى ظهرت موضة جديدة في بداية الخمسينات وهي الإفادة من ماء المطر عن طريق تكييش السطوح ووضع «القلام» و{المرازيم» التي نصنعها فوق الأسطح كي يتسنى للماء المرور عبرها وصولاً إلى «الفرخة» وهي أداة توضع في آخر «القلام» ثم تجمع وتخزن في «البرجة» أسفل السطح ليشرب منها أهل المنزل ماءً نقياً. أذكر أنني قمت بتركيب «القلام» مع عبد الرضا مرتضى الصفار لأحد العوائل المقتدرة مادياً في الكويت في منزلها الكائن خلف المستشفى الأمير. نقلت «القلام» على عربانة يجرها حصان لغياب سيارات النقل».رحيل الصفافيريتابع إدريساوي: «الجدير ذكره أن جيلنا كان يتمتع بالصحة والعافية وقوة البنية وكنا نصنع البراميل في مقاسات عديدة، كبيرة الحجم «للعيش» أي الأرزّ ومتوسطة الحجم للسكر والصغيرة للشاي. كنت أصنع أيضاً خزانات الديزل والماء للنواخذة، أبرزهم خالد النصف وبدر عبد الوهاب القطامي وحجي محمد الهولي. رحل الصفافير راهناً ولم يبق منهم أحد وحلّ مكانهم الآسيويون. تعتمد السوق على صناعة الدكات وخزانات الطراريد والمداخن للمطابخ والمطاعم فحسب. أهملت السوق وأهمل هذا التراث الجميل خلافاً للدول الأخرى التي خلّدت تراثها وماضيها على مر السنين لتصبح معالم تراثية وسياحية يقصدها القاصي والداني».السوق المناسبةيضيف الإدريساوي: «نعشق البلد وهذه المهنة التي تجري مجرى الدم في عروقنا. نريد أن يلتفت إلينا المسؤولون. نحن لا نمانع من العودة إلى سوق الشويخ، شرط أن يوفروا لنا متطلباتنا وأهمها أن تكون السوق مناسبة لهذه المهنة فسوقنا الحالية كبيرة الحجم وفيها أزقة تمكن الشاحنات الكبيرة من نقل الحديد من وإلى السوق كما أن حجم المحال صغير جداً ولا يفي بالغرض خلافاً لـ «دكاكينا» الحالية غير المستوفية شروط الأمن والسلامة. أذكر أن صبية يعملون لدي حاول الحفر في باطن الأرض لوضع « الكورة» وهي فوهة يحتاجون إليها لإشعال النار بها بغية طرق الحديد ففوجئوا بكابلات كهربائية أسفل الأرض ما كان سيؤدي إلى كارثة لولا عناية الله». يقول بصوت عال: «السوق ما تنفع ما تنفع ما تنفع». نحن نطالب بسوق شبيهة بالسوق الحالية لناحية التصميم والمساحة وتكون مستوفية الشروط الوقائية ضد أي حادث أو حريق، لكن وللأسف «لا حياة لمن تنادي». أهملنا المسؤولون ويحاولون تضييق الخناق علينا كي نرحل من هنا. سابقاً كانت تجدد الرخص كل خمس سنوات أما راهناً فأصبحت تجدد كل ثلاثة شهور. والأدهى من ذلك لم يعد ثمة إمكان للتجديد. لا يسمح المسؤولون لنا بالتجديد على الإطلاق، علماً أن الأيدي العاملة هنا تعمل بلا رخص أو إقامات، إذ تحتاج إلى اعتماد توقيع ولا يمكننا الحصول عليه إلا من وزارة التجارة التي تلزمنا بدورها العودة إلى سوق الصفافير الكائن في الشويخ للحصول على التراخيص والإقامات.