مؤسسات المجتمع المدني ومحاولات التدخل الحكومي

نشر في 13-06-2007
آخر تحديث 13-06-2007 | 00:00
 د. بدر الديحاني الحكومة، وبعد خمسة وأربعين عاما من العمل بالدستور، مازالت تعتقد أن مؤسسات المجتمع المدني هي مؤسسات حكومية تستطيع أن توجهها كيفما تشاء، وهي بذلك تتجاهل، ربما، بشكل متعمد، ليس فقط الدستور، بل المعنى الحقيقي لمؤسسات المجتمع المدني من حيث أنها مؤسسات شعبية منتخبة مستقلة في قراراتها وطرق تمويلها عن الحكومة.

نشرت مجموعة من جمعيات النفع العام بياناً في الصحف بداية هذا الأسبوع تبدي فيه قلقها البالغ من «المحاولات المتكررة من جهات مختلفة لتأطير وضبط نشاطها، ووضعها تحت إشراف مباشر من قبل بعض أجهزة الدولة بحجة التنسيق والمتابعة، واقتراح التراخيص، وتطوير القوانين المتعلقة بمؤسسات المجتمع المدني»، كما ورد في البيان. وبينت الجمعيات التي أصدرت البيان بعض المحاولات الحكومية التي اعتبرتها تدخلاً في شؤونها ووصفتها «بالمحاولات الخطيرة التي تهدف إلى إجهاض الدور المهم والفاعل لهذه الجمعيات والمؤسسات في تطوير الحياة الديموقراطية والاجتماعية والثقافية، والمحافظة على المكتسبات والمصالح الوطنية».

من ناحية أخرى فقد قامت، قبل شهر تقريباً، مجموعة من النقابات العمالية بنشر بيان طالبت فيه أعضاء مجلس الأمة بالتدخل لمنع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من التدخل في شؤونها، واستضافت هذه النقابات بعض أعضاء المجلس للتحدث في ندوة أقامتها حول هذا الموضوع .

ماذا يمكن أن نستنتج من ذلك؟ هنالك، في اعتقادي، استنتاجات عدة سأكتفي بأكثرها وضوحاً، وهما استنتاجان: الأول، أن الحكومة، وبعد خمسة وأربعين عاما من العمل بالدستور، مازالت تعتقد أن مؤسسات المجتمع المدني هي مؤسسات حكومية تستطيع أن توجهها كيفما تشاء. وهي بذلك تتجاهل، ربما، بشكل متعمد، ليس فقط الدستور، بل المعنى الحقيقي لمؤسسات المجتمع المدني من حيث أنها مؤسسات شعبية منتخبة مستقلة في قراراتها وطرق تمويلها عن الحكومة، وإن كان بعضها يتلقى دعماً مالياً من الحكومة، خاصة في بدايات إنشائها، إلا أنها تعتمد بشكل أساسي على اشتراكات الأعضاء وبعض التبرعات والدعم المالي غير المشروط. كما أن الحكومة تتجاهل أن مؤسسات المجتمع المدني هي أحد المكونات الأساسية للنظام الديموقراطي التي من دونها لا يمكن أن يوصف نظام بأنه ديموقراطي، وتأتي استقلالية القرار، فهذه المؤسسات التي قد تختلف أحيانا مع القرار الحكومي كشرط أساسي لوجودها وإلا أصبحت مؤسسات حكومية بماكياج مختلف نوعا ما، كما في الأنظمة الشمولية، وفي هذه الحالة، فإن وجودها لا معنى ديموقراطيا أو تنمويا له إلا في ذهن من يعتبر أن الديموقراطية ما هي إلا شكل وديكور و «إكسسوارات» تستخدم للتباهي الاعلامي فقط .

أما الاستنتاج الثاني، فهو أن مؤسسات المجتمع المدني في الكويت، قد خيبت ظن الحكومة، وأثبتت أنها تمتلك وعياً وطنياً ديموقراطياً ناضجاً جعلها ترفض التدخل الحكومي في شؤونها إذ وصفها بيان جمعيات النفع العام بـ «الخطير». وهذا ليس مستغرباً، فقد أثبتت جمعيات النفع العام والنقابات العمالية في الكويت طيلة تاريخها المشرف أنها رافدا أساسي من روافد الديموقراطية التي نفتخر بها ونؤمن بأنها ليست مجرد ورقة تصويت انتخابي توضع في صندوق الانتخابات كل أربع سنوات.

الآن الكرة في ملعب الحكومة لتأكيد وقف تدخلها في شؤون هذه المؤسسات الديموقراطية، والعمل على تدعيم استقلاليتها عن الأجهزة الحكومية، كما أن مجلس الأمة يتحمل مسؤولية بحث ومتابعة هذا الموضوع الضار والمعوق لتطور النظام الديموقراطي في الكويت.

back to top