خطة الإدارة الأميركية تجاه إيران

نشر في 07-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 07-10-2007 | 00:00

كشف مسؤول تقاعد أخيراً من وكالة الاستخبارات المركزية أن لدى واشنطن خططا عدة لمهاجمة إيران وتتحرك بدأب في هذا السياق، قائلا «إنهم يحرّكون الجميع إلى الطاولة المخصصة لإيران، وهم يستدعون كثيرا من المحلّلين ويرفعون مستوى كلّ شيء. الأمر أشبه ما يكون بخريف عام 2002» أي الشهور السابقة لغزو العراق، عندما أصبحت مجموعة العمليات العراقية هي الأكثر أهمية في الوكالة. وأضاف «إن الأشخاص الذين يديرون البرنامج الإيراني حاليا لا يمتلكون سوى تجارب مباشرة محدودة مع إيران. في حالة هجوم كيف سيرد الإيرانيون ؟ فهم سيردّون لا محالة، لكن الإدارة لم تفكّر في هذا الأمر مطلقاً».

  في سلسلة من البيانات العامة التي صدرت خلال الشهور الأخيرة، أعاد الرّئيس بوش وأركان إدارته تعريف الحرب في العراق، بدرجة متزايدة، كمعركة استراتيجية بين الولايات المتّحدة وإيران قائلا «إن المتطرّفين الشيعة، المدعومين من قبل إيران، يدرّبون العراقيين لتنفيذ الهجمات على قواتنا وعلى الشعب العراقي»، هذا ما قاله الرئيس بوش للحضور في المؤتمر الوطني للفيلق الأميركي (منظمة للمحاربين القدماء) في شهر أغسطس الماضي، وأضاف «لقد زادت الهجمات على قواعدنا وقوّاتنا بالذخائر الإيرانية، ويجب على النظام الإيراني أن يوقف هذه الأعمال، وحتى يفعل ذلك، سأتخذ الإجراءات الضرورية لحماية قوّاتنا». ثمّ اختتم كلمته، وسط تصفيق الحضور، بقوله «لقد منحت قادتنا العسكريين في العراق جميع الصلاحيات لمواجهة أنشطة طهران القاتلة».

إنّ موقف الرّئيس - ونتيجته الطبيعية أنه إذا كانت طهران مسؤولة عن كثير من مشاكل أميركا في العراق، فلابد أن ينصب حلّ تلك المشكلات على مواجهة الإيرانيين– قد استحوذ بدرجة كبيرة على وجهة نظر الإدارة. وخلال هذا الصيف، طلب البيت الأبيض – مدفوعاً في ذلك بمكتب نائب الرئيس، ديك تشيني- أن تتولى هيئة الأركان المشتركة إعادة رسم الخطط المعدة سلفاًً، لهجوم محتمل على إيران، وفقاً لمسؤولين ومستشارين حكوميين سابقين. كان التركيز الأساسي لتلك الخطط هو هجوم واسع بالقنابل، بحيث تتضمن أهداف هذا القصف مرافق إيران النووية المعروفة والمشكوك فيها، ومواقع أخرى – سواء كانت عسكرية، أم متعلقة بالبنية التحتية. أما الآن، فالتركيز ينصب على توجيه ضربات «جراحية» إلى مرافق قوات الحرس الثوري في طهران وفي المناطق الأخرى، والتي كانت- حسب ادعاء الإدارة الأميركية- مصدر الهجمات على الأميركيين في العراق. إن ما طُرح مبدئياً كمهمّة مضادة لانتشار الأسلحة النووية، أعيد تصوّره ثانية مكافحة للإرهاب.

هذا التغير في الأهداف يعكس ثلاثة تطوّرات: أولاً، خلُص الرئيس وكبار مستشاريه إلى أنّ حملتهم لإقناع الرأي العام الأميركي بأن إيران تشكّل تهديداً نووياً وشيكاً قد فشلت (على خلاف حملتهم المماثلة قبيل حرب العراق)، وأنه نتيجة لذلك ليس هناك ما يكفي من الدعم الشعبي لحملة قصف كبرى. أما التطور الثاني، فهو أن البيت الأبيض قد اتفق، في السر، مع الإجماع العام لمجتمع الاستخبارات الأميركية على أن إيران على بعد خمس سنوات على الأقل من امتلاك قنبلة نووية؛ وأخيراً، كان هناك اعتراف متزايد في واشنطن وفي أنحاء الشرق الأوسط كافة بأن إيران تبرز باعتبارها الفائز الجيو-سياسي للحرب في العراق.

خلال مؤتمر سري عبر الفيديو عُقد في وقت مبكّر من هذا الصيف، أخبر الرئيس السفير الأميركي في العراق، رايان كروكر، بأنّه كان يفكّر في ضرب الأهداف الإيرانية عبر الحدود وأن البريطانيين «كانوا معنا». عند تلك النقطة، تدخّلت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قائلة إن هناك حاجة للمضي قدماً في هذا الاتجاه بحذر، بسبب المسار الدبلوماسي الجاري بالفعل. أنهى الرئيس بوش حديثه بأمر كروكر بأن يطلب من إيران التوقّف عن التدخّل في العراق، وإلا واجهت عقوبة أميركية.

في اجتماع مع تشيني في البيت الأبيض خلال هذا الصيف، وفقاً لأحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين، تم الاتفاق على أنه إذا تم توجيه ضربات محدودة إلى إيران، فإنه يمكن للإدارة أن تتجنب النقد بالقول إن ذلك كان عملاً دفاعياً لإنقاذ الجنود في العراق. وإذا عارض الديموقراطيون، يمكن للإدارة أن تقول «لقد فعل بيل كلينتون الشيء نفسه؛ فنفّذ ضربات محدودة في أفغانستان، والسودان، وفي بغداد لإنقاذ مواطنين أميركيين». وأضاف مسؤول الاستخبارات السابق قائلا «هناك جهد مستميت من قبل تشيني ورفاقه لجلب العمل العسكري إلى إيران بأسرع ما يمكن». وفي الوقت نفسه، يقول السياسيون «لا يمكنك عمل ذلك، لأن ذلك يعني هزيمة الجمهوريين جميعهم، ونحن على بُعد حقيقة واحدة فقط من الوقوع في المنحدر في العراق». لكن تشيني لا يكترث مطلقاً بقلق الجمهوريين، مثله في ذلك مثل الرئيس.

ومن جانبه، قال براين ويتمان، الناطق بلسان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) «أوضح الرئيس أنّ الحكومة الأميركية ما زالت ملتزمة بالحلّ الدبلوماسي فيما يتعلق بإيران، كما أن وزارة الخارجية تعمل مع المجموعة الدولية بجدّ للتعاطي مع جملة مخاوف واسعة النطاق». (رفض البيت الأبيض التعليق على هذا الأمر).

لقد حذّرت مراراً وتكراراً، في المقابلات التي أجريتها، من أنّ الرئيس لم يصدر حتى الآن «الأمر الواجب التنفيذ» المطلوب لإجراء عملية عسكرية داخل إيران، وقد لا يصدر مثل هذا الأمر مطلقاً. كانت هناك زيادة معتبرة في درجة النشاط في التخطيط للهجوم، في منتصف شهر أغسطس، أخبر مسؤولون بارزون المراسلين بأنّ الإدارة تنوي تصنيف قوات الحرس الثوري الإيرانية كمنظمة إرهابية أجنبية. وأخبرني مسؤولان كبيران سابقان في وكالة الاستخبارات المركزية بأنّ الوكالة زادت، بحلول نهاية الصيف، حجم وسلطة مجموعة العمليات الإيرانية، وقال ناطق باسم الوكالة «كقاعدة، لا تناقش وكالة الاستخبارات المركزية على الملأ الحجم النسبي لعناصرها العملياتية»

قال مسؤول تقاعد أخيراً من وكالة الاستخبارات المركزية «إنهم يحرّكون الجميع إلى الطاولة المخصصة لإيران، وهم يستدعون الكثير من المحلّلين ويرفعون مستوى كلّ شيء. الأمر أشبه ما يكون بخريف العام 2002» أي الشهور السابقة لغزو العراق، عندما أصبحت مجموعة العمليات العراقية الأكثر أهمية في الوكالة. وأضاف المسؤول السابق قائلا «إن الأشخاص الذين يديرون البرنامج الإيراني حاليا لا يمتلكون سوى تجارب مباشرة محدودة مع إيران. في حالة هجوم، كيف سيرد الإيرانيون؟ فهم سيردّون لا محالة، لكن الإدارة لم تفكّر في هذا الأمر مطلقا».

ردّد ذلك الموضوع مستشار الأمن القومي السابق، زبيغنيو بريجنسكي، الذي قال إنه سمع مناقشات حول خطط البيت الأبيض لقصف أكثر محدودية لإيران. قال بريجنسكي إنه من المرجح أن تردّ إيران على هجوم أميركي «بتعقيد الصراع في العراق وكذلك في أفغانستان، وهي البلدان المجاورة لها، الأمر الذي يمكن أن ينسحب إلى باكستان. سنعلق في حرب إقليمية لمدة عشرين سنة».

في خطاب ألقاه في الأمم المتّحدة الأسبوع الماضي، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد متحدّياً؛ فقد أشار إلى أميركا كدولة «معتدية»، وقال «كيف يمكن للعاجزين الذين لا يستطيعون حتى إدارة وحُكم أنفسهم أن يحكموا البشرية ويدبروا شؤونها؟ إنهم، لسوء الحظ، وضعوا أنفسهم في موقع الله» (في اليوم السابق، وفي جامعة كولومبيا، أشار نجاد إلى أنه لم يتم بعد تعيين الحقائق المتعلقة بالمحرقة النازية لليهود).

أخبرني بريجنسكي قائلاً «كثير من الأمور يعتمد على مدى الغباء الذي سيُظهره الإيرانيون: هل سيعملون على تهدئة أحمدي نجاد والتخفيف من حدة لهجتهم؟ «إن إدارة بوش، بتوجيه اتهام مفاده أن إيران كانت تتدخّل في العراق، كانت تهدّف لإظهار الأمر وكأننا نردّ على موقف لا يمكن احتماله»، على حد قول بريجنسكي، الذي أضاف «في هذه المرة، وعلى خلاف الهجوم في العراق، نحن سنلعب دور الضحيّة. ويبدو أن اسم لعبتنا هو جعل الإيرانيين يبالغون في إظهار قوتهم».

أما الجنرال ديفيد بيتريوس، قائد القوات الدوليّة في العراق، فقد دعم في تقريره إلى الكونغرس في سبتمبر موقف الإدارة ضدّ إيران، وقال «في وقت سابق من هذه السنة، لم يكن أي منّا يقدّر مدى التدخّل الإيراني في العراق، وهو أمر نشعر حياله الآن نحن والزعماء العراقيون جميعهم، بقلق أكبر». قال بيتريوس إن إيران تخوض «حرباً بالوكالة ضد الدولة العراقية وقوات التحالف في العراق».

كان لإيران وجود في العراق منذ عقود؛ لكن مدى وأغراض أنشطتها الحالية هناك يبقى محل خلاف، على أية حال. خلال حكم صدام حسين، عندما قام «حزب البعث» ذو الهيمنة السنية، بممارسات اضطهاد للأغلبية الشيعية بقسوة، كانت إيران تدعمهم. وكثير من أعضاء القيادة الشيعية العراقية الحالية، بمن فيهم أعضاء بارزون في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، قضوا سنوات من منفاهم في إيران. وفي الأسبوع الماضي، قال المالكي في مجلس العلاقات الخارجية، حسب صحيفة «واشنطن بوست»، إن علاقات العراق مع الإيرانيين قد «تحسّنت لدرجة أنهم لا يتدخّلون في شؤوننا الداخلية»، لكن إيران متغلغلة في الدوائر الشيعية العراقية لدرجة أن أي «حرب بالوكالة» قد تكون بالقدر نفسه من خلال الدولة العراقية أو ضدّها. إن النقطة الحيوية لمعضلة إدارة بوش الاستراتيجية تتمثل في أن قرارها بدعم حكومة يقودها الشيعة بعد سقوط صدام عزّز إيران، وجعل من المستحيل استبعاد إيران من المشهد السياسي العراقي.

قال لي فالي نصر، بروفيسور السياسة الدولية في جامعة «تافتس»، وهو خبير في الشؤون الإيرانية والشيعية «ما بين عامي 2003 و2006، اعتقد الإيرانيون أنهم كانوا أقرب إلى الولايات المتّحدة فيما يتعلق بالقضية العراقية» وشجّعت القيادة الدينية الشيعية العراقيين الشيعة على تجنب المواجهة مع الجنود الأميركيين وعلى المشاركة في الانتخابات معتقدين أن ممارسة عملية انتخابية وتصويت نزيهين لا يمكن أن تؤدّي سوى إلى حكومة يهيمن عليها الشيعة. في البداية، كان التمرّد سنياً في معظمه، خصوصاً تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين . أخبرني نصر بأن سياسة إيران منذ 2003 تمثلت في تقديم التمويل، والأسلحة، والمساعدة إلى العديد من الطوائف الشيعية، بما فيها بعض الفصائل المتضمنة في تحالف المالكي، بينما تكمن المشكلة، كما قال نصر، في أنك «بمجرد أن تضع الأسلحة على الأرض، فلن يمكنك التحكم في الطريقة التي ستُستخدم بها لاحقاً».

من وجهة النظر الشيعية، فالبيت الأبيض «لا ينظر إلى الروابط الإيرانية-العراقية سوى من المنظور الأمني على حد قول نصر، الذي أضاف «في العام الماضي، سافر أكثر من مليون إيراني إلى العراق للحج، وهناك تبادل تجاري بين البلدين بقيمة تزيد عن مليار دولار سنويا، لكن الأميركيين يتصرّفون وكأن كلّ إيراني داخل العراق كان هناك لاستيراد الأسلحة».

يجادل العديد من مؤيدي سياسة الرّئيس بأن إيران تشكّل تهديداً وشيكاً. وفي مقالة نشرت أخيراً في باب التعليقات، صوّر نورمان بودهوريتز الرّئيس أحمدي نجاد كرجل ثوري، فقال «مثل هتلر... الذي كان هدفه أن يقلب النظام الدولي السائد واستبداله بنظام جديد تسيطر عليه إيران... فالحقيقة البسيطة والمؤلمة هي أنه إذا أريد منع إيران من تطوير ترسانة نووية، فليس هناك بديل للاستخدام الفعلي للقوة العسكرية». واختتم بودهوريتز مقاله قائلا «إنني أصلّي من كلّ قلبي» لكي يجد الرّئيس بوش «أنه من الممكن اتخاذ الإجراء الوحيد الذي يمكن أن يوقف إيران عن متابعة نواياها الشريّرة تجاهنا وتجاه إسرائيل». وقد أخبر بودهوريتز أخيراً موقع politico.com بأنه اجتمع بالرئيس بوش لمدة خمس وأربعين دقيقة تقريباً لحثّه على اتخاذ عمل عسكري ضدّ إيران، وأنه يعتقد أن «بوش سيضرب» إيران قبل انتهاء ولايته. (بودهوريتز، هو أحد مؤسسي حركة المحافظين الجدد، وأيضا مساند قوي لحملة رودولف غولياني الرئاسية، ويعمل صهره- إليوت أبرامز- كبير مستشاري الرّئيس بوش لشؤون الأمن القومي).

في أوائل أغسطس، أخبر الفريق رايموند أودييرنو، وهو ثاني أكبر القادة العسكريين الأميركيين في العراق، جريدة التايمز بحدوث زيادة في الهجمات التي تتضمّن قنابل اختراقية انفجارية، وهي نوع من القنابل المميتة التي تطلق كتلة نحاسية شبه منصهرة يمكنها أن تخترق درع سيارات الجيب العسكرية من طراز همفي. ذكرت التايمز أن الاستخبارات الأميركية والتحليلات التقنية أشارت إلى أن الميليشيات الشيعية حصلت على تلك القنابل من إيران. قال أودييرنو إن الإيرانيين كانوا «يقذفون بالدعم» خلال الشهور الثلاثة أو الأربعة الماضية.

على أية حال، تبقى الأسئلة عن المصدر الحقيقي للأسلحة في العراق، بالنظر على وجه الخصوص إلى السوق السوداء المنتشرة في مجال الأسلحة. وقد أخبرني ديفيد كاي، وهو مستشار سابق لوكالة الاستخبارات المركزية وكبير مفتشي الأمم المتّحدة للأسلحة في العراق، إن فريق التفتيش الذي عمل تحت إمرته اندهش، إثر الحربين اللتين دارت رحاهما في العراق، من «الكميات الهائلة من الأسلحة التي وجدت متداولة بين المدنيين وأفراد الجيش في أنحاء البلاد كافة». وتذكّر رؤية كميات ضخمة من القنابل الاختراقية الانفجارية، بالإضافة إلى متفجرات تم استخلاصها من القنابل العنقودية الأميركية غير المنفجرة. كانت هناك أيضا أسلحة أرسلت قبل سنوات من قبل الإيرانيين إلى حلفائهم الشيعة في جنوب العراق الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد من قبل «حزب البعث».

قال كاي «لقد اعتقدت أن بيتريوس ابتعد كثيرا عما تفعله إيران داخل العراق اليوم، عندما بدأ البيت الأبيض حملته المعادية لإيران قبل ستة شهور، اعتقدت أن الأمر كلّه كان ضرباً من الجنون، لكنه الآن يبدو أن هناك بعض التهريب الانتقائي من قبل إيران، لكن معظمه كان ردّاً على الضغط الأميركي والتهديدات الأميركية، أي انه نوع من التحذير، لجعل واشنطن تدرك أنها لن تفلت من دون عقاب من تهديداتها هذه، فإيران لا تعطي العراقيين المواد الفعالة، أي الصواريخ المضادة للطائرات التي يمكنها أن تسقط طائرات أميركية، ولا أسلحتها المتطورة المضادّة للدبابات».

هناك مكون آخر لحجة الإدارة ضدّ إيران، وهو وجود العملاء الإيرانيين في العراق. ففي شهادة أمام الكونغرس، قال الجنرال بيتريوس إن «فرقة المغاوير» بالحرس الثوري كانت تريد تحويل حلفائها داخل العراق إلى «قوة شبيهة بـ(حزب الله) لخدمة مصالحها». وفي أغسطس، أخبر الجنرال ريك لنتش، قائد الفرقة الثالثة للمشاة، المراسلين في بغداد إن قوّاته كانت تتعقّب حوالي خمسين إيرانيا أرسلوا من قبل الحرس الثوري، والذين كانوا يدرّبون المتمرّدين الشيعة جنوبي بغداد، وقال «نحن نعلم أنهم هنا، ونحن نستهدفهم أيضا».

وقد أخبرني باتريك كلوسون، خبير الشؤون الإيرانية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن «هناك الكثير من الإيرانيين في أي وقت داخل العراق، بمن فيهم أولئك الذين يقومون بأعمال استخباراتية، ومن يقومون بمهمات إنسانية. سيكون من الحصافة بالنسبة للإدارة أن تقدّم أدلة أكثر على قيامهم بالتدريب العسكري المباشر، أو تُظهر مقاتلين تم أسرهم في العراق ممن تلقوا تدريبهم في إيران. سيكون من المهم بالنسبة إلى الحكومة العراقية أن تكون قادرة على القول إنها لم تكن على علم بهذا النشاط»؛ وإلا، بالنظر إلى العلاقة المتوترة بين القيادة الشيعية العراقية وطهران، يمكن أن يقول الإيرانيون إن «الحكومة العراقية طلبت منهم تدريب هؤلاء الأشخاص». (في أواخر أغسطس، هاجمت القوات الأميركية فندقاً ببغداد واعتقلت مجموعة من الإيرانيين. كانوا يمثلون وفدا من وزارة الطاقة الإيرانية، وكانوا قد دعوا إلى العراق من قبل حكومة المالكي؛ وأطلق سراحهم لاحقاً).

قال كلوسون «إذا أردت أن تهاجم، فعليك أن تُعد الأساس، ويجب أن تكون مستعداً لإظهار الدليل». وأضاف أنه مما يضيف إلى تعقيد الموقف سؤال يبدو منافياً للمنطق تقريبا «ماذا سيكون موقف العراق إذا ضربنا إيران؟ فمثل هذا الهجوم قد يمثل ضغطاً على الحكومة العراقية».

أخبرني دبلوماسي أوروبي كبير، يعمل عن قرب مع الاستخبارات الأميركية، أن هناك أدلة على أن إيران تستعد بشكل مكثف لهجوم صاروخي أميركي، وقال «نحن نعلم أن الإيرانيين يقومون بتعزيز دفاعاتهم الجوّية، ونعتقد أنهم سيردّون بشكل مختلف، بضرب أهداف في أوروبا وفي أميركا اللاتينية». هناك أيضا معلومات استخباراتية محددة تشير إلى أن إيران ستسَاعد في هذه الهجمات من قبل «حزب الله». وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي «إن حزب الله قادر، ويمكنهم فعل ذلك».

خلال المقابلات التي أجريتها مع مسؤولين حاليين وسابقين، كانت هناك شكاوى متكرّرة حول ندرة المعلومات الموثوقة. قال مسؤول سابق رفيع المستوى بوكالة الاستخبارات المركزية إن المعلومات الاستخباراتية حول مَن يعمل داخل إيران، من الضعف لدرجة أن أحدا لا يريد حتى أن يوضع اسمه عليها. هذه هي المشكلة.

إنّ صعوبة تحديد المسؤول عن الفوضى في العراق يمكن أن تُرى بوضوح في البصرة، في الجنوب الشيعي، حيث ترأست القوات البريطانية في وقت سابق منطقة آمنة نسبياً. على مدار هذه السنة، على أية حال، أصبحت المنطقة صعبة الانقياد بصورة متزايدة، وبحلول الخريف، تراجع البريطانيون إلى قواعدهم الثابتة. وقد أخبرني مسؤول أوروبي مطلع على المعلومات الاستخباراتية الحالية بأن «هناك اعتقاداً راسخاً داخل مجتمع الاستخبارات الأميركية والبريطانية بأن إيران تدعم العديد من الجماعات في جنوب العراق، والمسؤولة عن وفيّات الجنود البريطانيين والأميركيين. الأسلحة والأموال تدخل من إيران، وقد تمكنوا من اختراق العديد من المجموعات»، بصورة أساسية جيش المهدي والميليشيات الشيعية الأخرى.

وعلى أية حال، وجد تقرير صدر في يونيو2007 عن المجموعة الدولية للأزمات، أن تجدد الاضطرابات في البصرة كان ناتجاً بشكل رئيسي عن «الاستغلال المنظّم للمؤسسات الرسمية، والاغتيالات السياسية، وعمليات الثأر العشائرية، ولجان الأمن الأهلية، وتنفيذ الأعراف الاجتماعية، سوية مع تصاعد عمليات المافيا الإجرامية». وأضاف التقرير أن السياسيين والمسؤولين العراقيين البارزين «يستشهدون بصورة روتينية بالتدخل الخارجي» من قبل إيران المجاورة «لتبرير سلوكهم أو تجنّب المسؤولية عن تقصيرهم».

وفي وقت سابق من هذه السنة، وقبل «تدفق» القوات الأميركية، غيّرت القيادة الأميركية في بغداد ما كان يمثل سياسة للمواجهة في غرب العراق، وهو معقل السنة (وقاعدة النظام البعثي)، وبدأت بالعمل مع العشائر السنيّة، بما فيها بعض العشائر المرتبطة بحركة التمرّد. يحصل زعماء العشائر الآن على الدعم القتالي بالإضافة إلى المال، والمعلومات الاستخباراتية، والأسلحة، ظاهريا لمحاربة تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين. إن تمكين القوات السنيّة قد يقوّض الجهود نحو المصالحة الوطنية، على أية حال. وبالفعل، فر عشرات الآلاف من العراقيين الشيعة من محافظة الأنبار، كثير منهم إلى الأحياء الشيعية في بغداد، بينما طُرد السنّة من بيوتهم في الأحياء الشيعية. اعتبر فالي نصر، من جامعة تافتس، أن التهجير الداخلي للجاليات في العراق يمثل ضربا من «التطهير العرقي.»

قال نصر : «إن السياسة الأميركية المتمثلة في دعم السنّة في غرب العراق تثير غضب القيادة الشيعية. إن البيت الأبيض يجعل الأمر يبدو كما لو كان الشيعة يخشون القاعدة وحدها - لكنّهم خائفون أيضا من رجال العشائر السنّية الذين نقوم بتسليحهم. وموقف الشيعة هو ماذا يعني أنكم تتخلّصون من تنظيم (القاعدة)؟ فمشكلة المقاومة السنيّة ما زالت هناك. يعتقد الأميركيون إنهم يستطيعون التمييز بين المتمرّدين الجيدين والسيئين، لكن الشيعة لا يشاركون في ذلك التمييز. فبالنسبة للشيعة، هم جميعا يمثلون خصما واحداً».

واصل نصر حديثه قائلا «تحاول الولايات المتّحدة مواصلة الحرب على الجبهات جميعها، السنّية والشيعية، وأن تكون صديقا للأطراف جميعها». ومن وجهة النظر الشيعية، على حد قول نصر، «من الواضح أنّ الولايات المتّحدة لا تستطيع تحقيق الأمن في العراق، لأنها لا تفعل كل ما هو ضروري لجلب الاستقرار. وإذا فعلوا ذلك، فسيتحدثون مع أي شخص لإنجازه، حتى إيران وسورية» (كان هذا الالتزام توصية رئيسية لمجموعة دراسة حالة العراق)، وأضاف «لا تستطيع أميركا تحقيق الاستقرار في العراق بمحاربة إيران في العراق».

إنّ خطة القصف المعدّلة للهجوم المحتمل، بتركيزها الضيق على مكافحة الإرهاب، تجمع الدعم بين الجنرالات وأمراء البحر في البنتاغون. تدعو هذه الاستراتيجية إلى استعمال صواريخ كروز المنطلقة من البحر والهجمات الأرضية الموجّهة بدقة أكثر والضربات الجوية، بما فيها خطط لتدمير أهم معسكرات التدريب، ومستودعات التموين، ومراكز القيادة والتحكم للحرس الثوري.

أخبرني مسؤول كبير سابق في الاستخبارات الأميركية قائلا «ينصب خيار تشيني الآن على الضربات الجوية السريعة» وقال إن «رؤساء الأركان توجهوا إلى البحرية، التي كانت غاضبة من دورها في الحرب الجوية في العراق، والتي تهيمن عليها القوات الجوية» إن الطائرات، والسفن، وصواريخ كروز التابعة للبحرية موجودة في الخليج وتعمل بصورة يومية، فلديهم كلّ ما يحتاجون إليه، حتى ان طائرات الإنذار المبكر (أواكس) موجودة، كما تمت برمجة الأهداف الإيرانية للصورايخ، وتقوم البحرية بطلعات جوية يومية في الخليج بطائرات FA-18. «هناك أيضا خطط لضرب مواقع الصواريخ الإيرانية أرض- جوّ المضادة للطّائرات. قال المسؤول السابق «علينا أن نجد طريقا للدخول وآخر للخروج».

أخبرني مستشار لمكافحة الإرهاب بوزارة الدفاع الأميركية بأنه، إذا حدثت حملة القصف الجوي، فستكون مصحوبة بسلسلة مما أسماه «الهجمات الحادّة القصيرة» بوحدات القوات الخاصّة الأميركية على مواقع التدريب الإيرانية المشكوك فيها. وقال «إن تشيني مكرّس لهذا، لا شك في ذلك».

قال المستشار إن ضربة جوية محدودة من هذا النوع «تكون ذات مغزى فقط إذا كانت المعلومات الاستخباراتية جيدة» فإذا لم يتم تحديد الأهداف بشكل واضح، فإن القصف «سيبدأ محدودا، لكن بعد ذلك سيكون هناك (تصعيد خاص). سيقول المخطّطون إن علينا أن نتعامل مع (حزب الله) هنا وسورية هناك. سيتمثل الهدف في ضرب كرة النموذج مرة واحدة ومن ثم دفع جميع الكرات لدخول الجيب. لكن ستكون هناك دوما إضافات في التخطيط للضربة».

تمت مشاركة خطة الضربة الجراحية مع بعض حلفاء أميركا، الذين كانت ردود أفعالهم متباينة بالنسبة إليها، فقد شعر قادة الجيش والسياسيون الإسرائيليون بالقلق، لأنهم يعتقدون، على حد قول المستشار، إنها لا تستهدف مرافق إيران النووية بما فيه الكفاية. حاول البيت الأبيض طمأنة الحكومة الإسرائيلية، كما أخبرني المسؤول الكبير السابق، بأن قائمة الأهداف الأكثر تحديداً ما زالت تخدم هدف منع انتشار الأسلحة النووية بضرب عنق قيادة الحرس الثوري، الذين يُعتقد أن لديهم سيطرة مباشرة على برنامج البحث النووي. وفي هذا السياق قال المسؤول الكبير السابق «تتمثل نظريتنا في أننا إذا نفذنا الهجمات كما هو مخطط لها، فستحقق الهدفين معا».

ومن جانبه، قال أحد المسؤولين الإسرائيليين «كان تركيزنا الرئيسي منصباً على المرافق النووية الإيرانية، ليس لأن الأشياء الأخرى غير مهمة. لقد عملنا على تقنية الصواريخ والإرهاب، لكنّنا نرى أن القضية النووية الإيرانية تنطوي على كل هذه الأمور». وأضاف أن إيران ليست بحاجة إلى تطوير رأس حربي فعلي لكي تمثل تهديدا. وقال «ستبدأ مشاكلنا عندما يتعلّمون ويتقنون دورة الوقود النووي وعندما تتوفر لديهم المواد النووية». كان هناك، على سبيل المثال، إمكان صنع «قنبلة قذرة» أو لقيام إيران بتهريب مواد إلى الجماعات الإرهابية. قال المسؤول الإسرائيلي «ما زال هناك وقت لتفعيل الحلول الدبلوماسية، لكن ليس الكثير منه. نعتقد أن الجدول الزمني التقني يتحرّك بسرعة أكبر من جدول المواعيد الدبلوماسية. وإذا لم تنجح الدبلوماسية، كما يقولون، فستكون جميع الخيارات على الطاولة».

لقيت خطة القصف الاستجابة الأكثر إيجابية من الحكومة المنتخبة حديثا لرئيس وزراء بريطانيا، غوردون براون. فقد أخبرني أحد كبار المسؤولين الأوروبيين «يدرك البريطانيون أن الإيرانيين لا يحققون التقدّم المنشود في عمليات التخصيب النووي التي يجرونها. يوافق كلّ المجتمع الاستخباراتي على أن إيران تؤمّن المساعدات الحيوية، والتدريب، والتكنولوجيا إلى عدد مذهل من الجماعات الإرهابية في العراق وأفغانستان، ومن خلال (حزب الله)، في لبنان، وفي إسرائيل- فلسطين أيضا».

كانت هناك أربعة ردود محتملة على هذا النشاط الإيراني، كما قال المسؤول الأوروبي، عدم فعل أي شيء «لن يكون هناك انتقام من الإيرانيين على هجماتهم؛ وهذا سيرسل الإشارة الخطأ» أو فضح الأفعال الإيرانية على الملأ و«هناك صعوبة كبرى فيما يتعلق بهذا الخيار، وهي عدم الثقة الواسعة الانتشار في تقديرات الاستخبارات الأميركية» أو مهاجمة الإيرانيين العاملين داخل العراق «نقوم بالعمل على ذلك منذ ديسمبر الماضي، ويحقق ذلك نجاحا»؛ أو هو الحل الأخير، مهاجمة العمق الإيراني.

استطرد المسؤول الأوروبي قائلا «من الممكن أن تؤدّي أية ضربة جويّة كبرى ضدّ إيران إلى الالتفاف حول العلم هناك، لكن الاستهداف البالغ الحذر معسكرات التدريب الإرهابية قد لا يكون له التأثير نفسه. «وقال إن وجهة نظره في أنه «بمجرد أن تدمى أنوف الإيرانيين فسيعيدون التفكير في الأمور». على سبيل المثال، فإن علي أكبر رفسنجاني وعلي لاريجاني، وهما من الشخصيات السياسية الأكثر نفوذاً في إيران «قد يتوجهان إلى المرشد الأعلى ويقولان إن السياسات المتشدّدة هي ما أوصلنا إلى هذه الفوضى. علينا أن نغيّر أساليبنا من أجل النظام».

أخبرني جنرال أميركي متقاعد بارز، وله صلات وثيقة بالجيش البريطاني، بأنه كان هناك سبب آخر لاهتمام بريطانيا، وهو شعورها بالخزي نتيجة لفشل البحرية الملكية في حماية البحّارة وجنود مشاة البحرية الملكية الذين أسرتهم إيران في الثالث والعشرين من مارس الماضي في الخليج العربي. وفي هذا السياق، قال «يقول الرجال المحترفون إن الشرف البريطاني مهدّد بالضياع، وأنه إذا وقع حدث آخر مثل هذا في المياه الواقعة خارج حدود إيران، فسيرد البريطانيون».

قال الجنرال المتقاعد إن خطة القصف المعدّلة «يمكن أن تنجح - إذا كانت ردّا على هجوم إيراني. قد يرغب البريطانيون في عملها لتحقيق التعادل، لكن الأشخاص الأكثر معقولية يقولون: دعونا نفعل ذلك إذا شن الإيرانيون هجوما عبر الحدود داخل العراق فلابد من سقوط عشرة جنود أميركيين قتلى واحتراق أربع شاحنات». وأضاف أن هناك «اعتقاداً واسع الانتشار في لندن بأن حكومة طوني بلير قد تعرضت للخداع من قبل البيت الأبيض خلال فترة الإعداد للحرب ضدّ العراق. لذلك لو أتى شخص إلى مكتب غوردن براون وقال، «لدينا هذه المعلومات الاستخباراتية من أميركا»، فسيسأل براون: «من أين جاءت هذه؟ هل تحقّقنا من صحتها؟، إن عبء الإثبات هنا سيكون مرتفعا».

تشترك الحكومة الفرنسية في شعور الإدارة الأميركية بالحاجة الملحة لتناول البرنامج النووي لإيران، وفي الاعتقاد بأن إيران ستكون قادرة على إنتاج رأس حربي خلال سنتين. في أواخر أغسطس الماضي، أثار الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا، نيكولا ساركوزي، ضجة عندما حذّر من أن إيران قد تتعرض للهجوم إذا لم توقف برنامجها النووي. ومع هذا، أوضحت فرنسا للبيت الأبيض أن لديها شكوكا حول الضربة المحدودة، كما أخبرني أحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين. استنتج كثيرون في الحكومة الفرنسية إن إدارة بوش بالغت في تصوير مدى التدخّل الإيراني داخل العراق؛ فهم يعتقدون، وفقاً لدبلوماسي أوروبي، أن «المشاكل الأميركية في العراق وقعت بسبب أخطائهم هم، والآن يحاول الأميركيون أن يظهروا بعض الأسنان، ولن يُظهر القصف الأميركي سوى أن إدارة بوش لديها جدول أعمالها الخاص تجاه إيران».

كانت لدى مسؤول استخبارات أوروبي وجهة نظر مماثلة، فأخبرني قائلا «إذا هاجمت إيران، ولم تحدد أن ضربتك موجهة ضدّ مرافق إيران النووية، فستعمل على تقوية النظام، وتساعد على جعل الجو الإسلامي في الشرق الأوسط أكثر توتراً».

قال أحمدي نجاد، في خطابه في الأمم المتّحدة، إن إيران تعتبر الخلاف حول برنامجها النووي «مغلقا»، وأن إيران تتعامل معه فقط من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على حد قوله، وقرّر «إهمال الفروض غير القانونية والسياسية للسلطات المتغطرسة». وأضاف، في مؤتمر صحفي بعد الخطاب، قائلا إن «قرارات الولايات المتّحدة وفرنسا غير ذات أهمية».

طوال سنوات، ظل المدير العام لوكالة الدولية للطاقة الذرية - محمد البرادعي- عالقا في صراع عامّ، مرير في أغلب الأحيان مع إدارة بوش؛ وجد أحدث تقرير للوكالة أن إيران أقلّ مهارة بكثير في تخصيب اليورانيوم مما كان متوقّعا. قال دبلوماسي في فيينا، حيث يقع مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن «الإيرانيين على بعد سنوات من صنع القنبلة، كما قال البرادعي منذ البداية. فتشغيل ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي لا تصنع قنبلة نووية. وأضاف الدبلوماسي، في إشارة إلى الصقور في إدارة بوش «هم لا يحبّون البرادعي، لأنهم في حالة من الإنكار. والآن تفشل سياستهم التفاوضية، وإيران ما زالت تخصّب اليورانيوم وما زالت تحرز تقدّماً».

عبّر الدبلوماسي عن المرارة التي صبغت تعاملات الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع إدارة بوش منذ الإعداد لغزو العراق عام 2003. «وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي إن «ادّعاءات البيت الأبيض كانت كلّها عبارة عن علبة من الأكاذيب، والبرادعي رافض لتلك الأكاذيب».

ومن جانبه ، شكّك هانز بليكس - وهو رئيس سابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية- في التزام إدارة بوش بالدبلوماسية،وقال «هناك أوراق مهمة يمكن لواشنطن أن تلعبها؛ وبدلا من ذلك، لديها ثلاث حاملات طائرات رابضة في الخليج العربي». وفي معرض حديثه عن دور إيران في العراق، أضاف بليكس «يتمثل انطباعي في أن الولايات المتّحدة تحاول بناء قاعدة من الاتهامات ضدّ إيران كأساس لهجوم محتمل، كعذر للانقضاض عليهم».

إنّ القيادة الإيرانية تستشعر الضغط. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد خطابه في الأمم المتّحدة، سُئل أحمدي نجاد عن هجوم محتمل، فقال «هم يريدون إيذاءنا؛ لكنهم، بإذن الله، لن يتمكنوا من عمل ذلك». ووفقاً لمستشار وزارة الخارجية السابق لشؤون إيران، اشتكى الإيرانيون، في الاجتماعات الدبلوماسية في بغداد مع السفير كروكر، من رفض إدارة بوش للاستفادة من معرفتهم بالمشهد السياسي العراقي. قال المستشار السابق «كانوا يحاولون إبلاغ الولايات المتّحدة برسالة مفادها «يمكننا أن نساعدكم في العراق، فلا أحد يعرف العراق أفضل منا». «وبدلا من ذلك، يستعد الإيرانيون ّ لهجوم أميركي».

قال المستشار إنه سمع من مصدر في إيران أن رجال الحرس الثوري يخبرون الزعماء الدينيين بقدرتهم على مواجهة هجوم أميركي. وفي هذا السياق، قال المستشار «يدّعي الحرس إنه بوسعهم اختراق الأمن الأميركي، فهم يتفاخرون بأنهم تمكنوا من تلوين سفينة حربية أميركية بصبغ رشاش- في إشارة إلى الأميركيين بأنه بوسعهم الاقتراب منهم» (أخبرني أحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين أنه كانت هناك واقعة غير مفسرة حدثت هذا الربيع، وفيها رُسم هدف على شكل عين الثور على سفينة حربية أميركية بينما هي راسية في قطر، ربما كانت هي مصدر تفاخر الإيرانيين).

قال أحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين «هل تعتقد أن أولئك المجانين في طهران سيقولون: العمّ سام هنا! فمن الأفضل لنا أن نستريح؟.. في الواقع إن الهجوم سيجعل الأمور أسخن بعشر مرات.

هناك واقعة أخرى حدثت أخيراً، في أفغانستان، تعكس التوتّر حول المعلومات الاستخباراتية. ففي شهر يوليو، ذكرت صحيفة «لندن تليغراف» أن ما بدا قذيفة SA-7 المنطلقة من الكتف أطلقت على طائرة أميركية من طراز هيركوليز سي - 130، لكن القذيفة أخطأت هدفها. قبل شهور، اعترض الكوماندوز البريطانيون بضع شاحنات محملة بالأسلحة، من بينها واحدة تحتوي على قذيفة SA-7 قابلة للتفجير، قادمة عبر الحدود الإيرانية. لكن لم يكن هناك سبيل لتقرير ما إن كانت القذيفة التي أطلقت على الطائرة سي - 130 قد أتت من إيران، خصوصا أن القذائف SA-7 متوافرة في العراق من خلال تجّار الأسلحة في السوق السوداء.

ومن جانبه، فإن فنسنت كانيسترارو - وهو ضابط متقاعد بوكالة الاستخبارات المركزية عمل عن قرب مع نظرائه البريطانيين، وأضاف إلى القصّة قائلا «أخبرني البريطانيون بأنهم كانوا خائفون في بادئ الأمر ان أخبرنا عن الحادثة، خوفا من يستغلها تشيني ذريعة لمهاجمة إيران». «وقال إن المعلومة الاستخباراتية تم إرسالها بعد ذلك.

أكّد الجنرال المتقاعد ذو الأربع نجوم إن الاستخبارات البريطانية كانت «تشعر بالقلق» حيال تمرير المعلومات. وفي هذا السياق، قال «لا يثق البريطانيون في الإيرانيين، لكنّهم أيضا لا يثقون ببوش وتشيني».

 

back to top