بعيدا: عن الضوضاء والجعجعة

نشر في 21-01-2008
آخر تحديث 21-01-2008 | 00:00
No Image Caption
 فوزية شويش السالم جيدة تلك الخطوة التي قام بها الكتّاب الجدد بإقامة نشاط ثقافي في حديقة العديلية، فمن يريد أي شيء يجب أن يسعى إليه، ما يمنحه القوة والمصداقية بعيداً عن مآرب الشهرة.

اعتدنا أن نأخذ من الكويت ما نريد بلا ثمن، سوى مواطنتنا... اعتدنا أن ندعك الفانوس ويأتي المارد بأحلامنا المخبوءة... وبلا شك الدولة قدمت لنا الكثير، فعن طريق المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حصلنا على المطبوعات الشهرية وهي سلسلة عالم المعرفة، وعالم الفكر، والثقافة العالمية، ومجلة الفنون، وإبداعات عالمية، بالإضافة إلى الإصدارات غير الدورية... وهذه المطبوعات بحد ذاتها انجاز نفخر به ونمتنّ لجهة إنتاجها.

وإذا أضفنا إليها معرض الكتاب وفعالياته، ومن ثم مهرجان القرين وما يشمله من أنشطة ثقافية وعروض مسرحية وموسيقية، ومعارض تشكيلية، بالإضافة إلى جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية، ومجلة العربي... كلها تقدم مجانية أو شبه مجانية إلى الشعب، وإلى من يريد أن يتعلم ويطّلع ويتثقف.

في كل سفرياتي دفعت تذاكر المسارح والمتاحف والمعارض التشكيلية، ولكل شيء شاهدته وتمتعت به كان له من جيبي ثمن، ادفعه واشكر من قدم لي متعة المعرفة، إلا هنا... الأخذ بلا كلمة شكر... كأن من الواجب أن تُقدم لنا، وأن نُشكر على تكلّفنا الحضور والمجيء، بحيث بتنا نُفاجأ بأن كتاباتنا المبتدئة لم تُكرم، وخربشاتنا الأولى لم يقَم لها معرض، ولم يبروزُنا في الندوات الثقافية، ولم يرسلونا للمشاركة في الحوارات العالمية، بل هناك من يطالب بمشروع كامل من مقر وميزانية وخدمات إعلامية إلخ... كأن رابطة الأدباء وبقية جمعيات النفع العام المشرّعة أبوابها لا تكفي.

واتساءل: هل الإبداع يحتاج إلى كل هذه المتطلبات؟

وأن نُلقي بكل إحباطات فقر الموهبة على كاهل الدولة...؟

كل الحركات الفنية والأدبية العملاقة التي غيرت مجرى التاريخ كانت بجهود فردية، من الرومانسية، والرمزية، والدادائية، والسوريالية، والانطباعية... وغيرها، لم تأت ِبدعم من حكومات أو على طبق من ذهب... غرفة صغيرة أو رصيف أو بقعة ما، اجتمع فيها عباقرة قدموا للبشرية نقلة نوعية لفن وأدب جاءا من صافي نبعهم.

في القاهرة، ضم مقهى ريش معظم أدباء مصر، أجيال متعاقبة ترتاده... الجدران تشهد بذاكرتهم، وحواراتهم، وإبداعاتهم...

في بيروت، كان مطعم فيصل ومقاهي شارع الحمراء، ملتقى للأدباء والفنانين.

مقاهي وأماكن خلقت الثقافة، وبلورت الحوارات ونمّت الوعي، وأسست معرفة فنية وأدبية ذات مذاق ونكهة خاصين، انتشرت في الوطن العربي من دون أن يكون وراءها دولة أو مجالس حكومية أو هيئات ترعاها.

وفي أميركا مكتبات مثل Books and Books و Barne andNobles وهي مؤسسات فردية تقيم ندوات وحوارات للكتاب الذين تبيع كتبهم، والأمر ذاته في W.H.Smith في لندن، وفرنسا، وبرلين... كل المقار الثقافية هي نتاج جهود فردية ربحية، ليس وراءها دولة ترعاها... لذلك هناك جدية في التعامل وإبداع حقيقي وليس دلعاً...

من يملك الموهبة لا يحتاج إلا لورقة وقلم، وخلوة ناسك بعيداً عن الضوضاء والجعجعة

back to top