عادل إمام... من الحارة إلى السفارة- 25أجري 50 قرشا في الليلة.. وكنت أمشي من ميدان العتبة إلى بيتنا، لأنني لا أملك تذكرة الأتوبيس
من الحارة إلى السفارة مشوار كفاح طويل لم يكتبه عادل إمام بعد.. صخرة أشبه بصخرة سيزيف حملها الفتى الفقير بدأب من السفح إلى القمة، لقد صار ابن الحارة الشعبية نجما لامعا وسفيرا لأشهر منظمة دولية في التاريخ الحديث.. الطفل المشاغب المولود في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وسط أجواء الحرب والفقر والقمع العائلي صار زعيما، ثريا، صانعا للأخبار، زادا للشاشات وهدفا للعدسات.لم تكن الرحلة سهلة، ولم تكن قدرا عبثيا، كان عادل يعرف أن صخرته من الممكن أن تتدحرج إلى أسفل في لحظة ليبدأ الرحلة من جديد إذا استطاع، لذا كان يحسب خطواته ولايضع قدمه إلا على أرض صلبة، ومع كل هجوم يتعرض له، لم يكن يرتكن أبدا إلى ماحققه من نجومية أو ثروة أو شهرة او علاقات، كان يفكر بنفس البساطة التي بدأ بها مشوار الحفر في صخر الواقع.. كان يستعيد عزيمة البدايات، ويفكر في الاحتماء بالناس قبل أن يفكر في التوسل لـ»زيوس»
في هذه الحلقات نتعرف على التفاصيل الأسطورية لرحلة عادل إمام، ليس باعتبارها حكايات مسلية عن حياة نجم كوميدي مشهور، ولكن باعتبارها ملحمة تحكي عن حياتنا نحن أكثر مما تحكي حياة عادل وحده.. إنه قصة مجتمع بالكامل، مرآة نرى فيها أنفسنا ونتابع صورة الأب المتسلط والأم الحنون الحامية في صمت، والواقع القاسي، والقدر الذي يضن ويعطي وفق معادلات ولوغاريتمات غامضة، وشيفرات القوة التي نستهين بها قبل ان تفاجئنا بالكثير والكثير وفي مقدمتها الصبر والدأب والأمل..ومن دون تبجيل أو تقليل تعالوا نتعرف مع عادل إمام على مشاهد وخبرات من حياته نعتقد أنها أعمق كثيرا مما قدمه من شخصيات فوق خشبة المسرح وعلى الشاشةفي الحلقات السابقة تعرفنا على جوانب من شخصية الزعيم كما تعرفنا على عوامل التكوين الأولى، وجانب من المعارك التي خاضها سفيرا وزعيما ونجما، والمعالم الرئيسية في مشواره الفني، ووصلنا إلى نوعية أدواره التي ركزت على فكرة صدام الفرد مع السلطة بقوانينها، والعلاقة بين البطل والقيود سواء داخل السجن او في مجتمع محكوم بعلاقات أكبر من قدرة الفرد نفسه، كما لو اننا نتابع مصير أبطال الكاتب التشيكي فانز كافكا، ولكن في النسخة الشعبية المصرية، ونستكمل في هذه الحلقة متابعة أفلام وشخصيات المرحلة الأخيرة من سينما عادل إمام يبدو أن علاقة وحيد حامد وعادل إمام بالسلطة والشرطة تحتاج إلى دراسات ودراسات، حيث جاء فيلم «النوم فى العسل» برغم اقترابه من سيريالية المخرج الكاتب رأفت الميهي، على علاقة وسيطة بقهر السلطة وتناقضات الشرطة، وقدم فيه الثلاثى وحيد حامد وعادل إمام والمخرج شريف عرفة، تنويعة أخرى عن عجز الشعوب بسبب القهر، وتعرض الفيلم لمشاكل مع الرقابة بسبب موضوعه الحساس، و»الأفيش» الصادم، والحوار الجرئ لدرجة المكاشفة المخجلة حول العجز الجنسي وتأثيره على حياة الناس، وهو الحوار الذي تضمن كلمة» انت مابتعرفش» قبل أن تغنيها اللبنانية مروة في فيلم «حاحا وتفاحة» وتثير ضجة مثيلة بالسب وليس بالإيجاب، وهذه الواقعة بالتحديد تكشف سلطة وقوة عادل إمام الفنية والإعلامية معا.يبدأ فيلم «النوم فى العسل» من نقطة تكليف العميد مجدى رئيس مباحث القاهرة (عادل امام) بالتحري عن جريمة إنتحار عريس فى ليلة عرسه، و التى تنتهى بإكتشاف أكبر حالة عجز جنسى جماعى فى «تاريخ البشرية»، حيث يصاب كل رجال القاهرة بهذا المرض العجيب، و الذى يمتد إلى رئيس المباحث شخصياً!!يبدأ العميد مجدى فى استقصاء اسباب هذا الوباء المستشرى ومعرفة سره بمساعدة الصحفية سلمى»شيرين سيف النصر»، و هو طريق يبدأ بالجنس و يمر بالسياسة و الدين والاقتصاد، حتى أصبحت القضية أزمة قومية تتطلب تدخل أرفع السلطات والشخصيات في الدولةوفي فيلمه التالي «الواد محروس بتاع الوزير» سيناريو :محمد صلاح الزهار، وإخراج نادر جلال، ظهر عادل إمام في دور حارس الأمن الذي يستغل قربه من الوزير ويتحول إلى مركز قوى يسيطر على كل شئ، لكنه هذه المرة يمضي في كواليس السلطة من خلال جرعة كوميديا أكبر بعد أن تخفف من رفيقيه وحيد حامد، وشريف عرفة، وفي الفيلم التالي «رسالة إلى الوالى» قدم فانتازيا تاريخية عن عودة فارس من العصور القديمة ليصطدم بواقعنا الحالي، ويكشف الفساد من خلال مفارقات تاريخية تنفجر بشكل كوميدي، واستمر عادل في مرحلة التأكيد على الكوميديا فقدم الجزء الثالث من «بخيت وعديلة»، تحت عنوان «هاللو أمريكا»عن قصة وسيناريو وحوار : لينين الرملى، وفي الألفية الجديدة بدا عادل يقترب من الإحساس بالعمر، بعد أن نال انتقادات عديدة على تقديمه أدوار أقل من عمره بكثير، وبدأ في عام 2002 بتقديم دور الكابتن طيار سعيد المصري الذي اصيب بالعمى ويعيش في إحدى الدور الخاصة، وأسند عادل إخراج هذا الفيلم إلى نجله رامي في بادرة تكشف عن استعداده لمزيد من التعاون مع الشباب، وهو ماتجلى في أفلامه التالية، حيث قدم في العام التالي (2003) فيلم التجربة الدنماركية من تأليف يوسف معاطي وإخراج :على ادريس، وعلى الرغم من أن بعض الاحصائيات اشارت إلى أن هذا الفيلم هو رقم 117 في قائمة افلام عادل إلا أنه قال: هذا الفيلم هو العمل 108 لي في السينما وفي مشواري الفني ولا تزال مشاعري هي نفسها التي انتباتني عندما وقفت للمرة الاولى في حياتي اصور عملي السينمائي الاول مع المخرج فطين عبد الوهاب في فيلم «انا وهو وهي» صحيح انه اصبحت لدي خبرة اكبر من زمان ولي رصيدي من الاعمال الفنية.. لكني اشعر انني تلميذ في امتحان علي ان اجتهد واذاكر لأقصي مدى لاحصل على أحسن درجة ولأصل لأكبر نجاح ممكن. ويضيف عادل: الشخصية التي قدمتها جديدة تماما علي، والدور مختلف تماما، فأنا لأول مرة العب دور اب لثلاثة شباب بمشاكلهم، التي تظهر بقوة بعد أن تدخل حياتهم ضيفة دنماركية فتقلب حياتهم رأساً على عقب بجمالها وانوثتها وافكارها عن المستقبل والجنس ويمكن ان نعتبر هذا تصادم ثقافات وحضارات يتم استيعابه خلال العمل بالكوميديا والضحك. وفي يوليو من العام 2004 قدم عادل مع يوسف معاطي وعلي إدريس أيضا فيلم «عريس من جهة امنية»، المأخوذ عن فيلم أميركي شهير هو «قابل والديك» للنجم روبرت دينيرو، ويدور الفيلم حول خطاب النجاري «عادل إمام» رجل السياحة الذي يهوى جمع الانتيكات والتحف، ويتعامل مع ابنته (حلا شيحا) بنفس الطريقة، حيث يتعلق بها بدرجة مرضية بعد وفاة زوجته، لدرجة انه لا يستطيع الابتعاد عنها، وبالتالي يرفض زواجها ، من كل الشباب الذي يتقدم لخطبتها ولكنها تعجب بضابط في جهاز أمني حساس (شريف منير) وتتزوجه ولكن والدها يطاردهما فى كل مكان، وتتغير العلاقة بعد ان تلد ابنته حفيدته الأولى، فيحاول امتلاكها كما كان يفعل مع ابنته ويبقيها بشكل دائم في أحضانه إلا أن الأطفال يهاجمونه، ويأخذون الطفلة لتلعب معهم، وينتبه لوالدة شريف (لبلبة) ويطلبها للزواج، وفى هذه اللحظة فقط يستطيع شريف ان يعيش حياه طبيعية مع زوجته.وفي عام 2005 يقدم عادل فيلم « السفارة فى العمارة»، وهو تجربة أخرى مثيرة للجدل، قدمها مع كاتبه المفضل الجديد يوسف معاطي، من إخراج عمرو عرفة نجل شريف الأصغر، والفيلم يدور حول مهندس مصري يعمل في الإمارات، وعندما يعود إلى القاهرة يكتشف أنه يسكن إلى جوار السفارة الإسرائيلية، ويعاني الويلات، لكنه برغم سطحيته يتحول إلى بطل في نظر الناس، لأنه يطالب بترحيل السفارة من العمارة حتى يستطيع أن يعيش حياته بشكل طبيعي، والغريب أن عادل عندما سئل في المؤتمر الصحفي قبل عرض الفيلم عن مدى خوفه من هجوم الإعلام الإسرائيلي ضد الفيلم، قال إنه في الحقيقة يخاف أكثر من الإعلام العربي، وبالفعل ثارت حول الفيلم ضجة، زاد من اشتعالها تصريحات عادل التي اضطر إلى تخفيفها بعد ذلك.وفي عام 2006 قدم عادل دور الباشا السابق زكي الدسوقي في فيلم «عمارة يعقوبيان»، و زكي محام مغترب ذاتيا وعاطل عن العمل، ويعاني من صراعات مع شقيقته ويعيش في الماضي أكثر مما يعيش الحاضر أو المستقبل، وفي هذا الفيلم نجح عادل في تقديم واحد من أجرأ أدواره، بعد أن عاد من جديد إلى وحيد حامد ككاتب للسيناريو عن رواية بنفس الاسم للكاتب علاء الأسواني، وأخرج الفيلم المخرج الشاب مروان حامد نجل كاتب السيناريو وحيد حامد، وشهد هذا الفيلم الذي انتجته شركة «جود نيوز»، بالمشاركة مع أفلام وحيد حامد، وجهاز السينما للإنتاج والتوزيع، شهد أكبر حشد من النجوم في تاريخ السينما المصرية، فإلى جوار عادل إمام، كان هناك نور الشريف، يسرا، إسعاد يونس، سمية الخشاب، هند صبري، أحمد بدير، أحمد راتب، خالد الصاوي، خالد صالح، محمد إمام باسم سمرة، وآخرين. وفي أحدث أفلامه «مرجان احمد مرجان»، التجربة الخامسة له مع يوسف معاطي كاتبا للسيناريو، والثالثة مع على إدريس مخرجا، دار التاريخ دورة كاملة، وظهر عادل مع ميرفت أمين الذي قدم معها أول بطولاته المشتركة مع سمير صبري في فيلم «البحث عن فضيحة»، قبل أن ينصلا فنيا لمدة 15 سنة منذ قدما معا فيلم «واحدة بواحدة».وفيلم مرجان الذي يذكرنا في إيقاعه باسم ملياردير المقاولات في السبعينات «عثمان أحمد عثمان»، يعتبر عودة مكثفة لأجواء رجال الأعمال الفاسدين، ولكن هذه المرة من خلال كوكتيل كوميدي واستعراضي شارك فيه عدد كبير من الشباب أمثال بسمة، وشريف سلامة، وحسن مصطفي، ومحمد شومان، ويوسف داود، وأحمد السعدني.. تحت قيادة مصمم الاستعراضات عاطف عوض..وفي تفسيره لدوافع تقديم الفيلم حكى عادل امام بطريقته الساخرة حكاية قال فيها: إن أحد المليارديرات الأمريكيين كان يجلس ذات ليلة مع أحد أصدقائه، فقال له الصديق: إنت تملك ثروة ضخمة، لو وزعت نصفها علي كل أفراد الشعب الأمريكي سيكون نصيب كل فرد دولارين، فلماذا لا تفعل ذلك لكي يحبك الناس؟.فرد عليه الملياردير قائلا: لنفترض أن الدولارين سيأخذهما المواطن ويركب بهما الأتوبيس، فمعنى هذا أن البلايين ستعود إليٌ من جديد لأنني صاحب الأتوبيس، ونفس الحال إذا أكل أو شرب.وأكد عادل أن فيلم «مرجان» ليس له علاقة بأي شخص قد يوحي للبعض بأنه يتناول حياة رجل أعمال كبير، لكننا لم نقصد شخصا واقعيا، بل شخصا سينمائيا من أخطر ما يمكن في التجارة.. شاطر ومتوغل.. أولاده يحبونه جدا وتربطه بهم علاقة صداقة أيضا. لكن هذا الرجل (مرجان) ينقصه شيء فهو لم يكمل تعليمه.. ويجبره الأولاد وظروف المجتمع علي أن يلتحق بالجامعة ويدرس مع أولاده. ويكشف الفيلم كيف كانت بداية هذا الرجل، وخلال رحلة الدراسة يصطدم مرجان بالدكتورة جيهان الأستاذة الجامعية والمرشحة في انتخابات مجلس الشعب ولها شعبية كبيرة، والمفاجأة أن أولاده يقفون بجوارها في الانتخابات وينضمون لحملتها.. ويجد مورجان نفسه في سرادق الانتخابات المعدلة يقف بمفرده.. فحتي عمال وموظفي شركاته لا يذهبون إليه.. ووسط هذا الصدام تتضح ملامح شخصية مرجان في الجامعة.. هل هو طالب أم رجل أعمال؟.ويضيف عادل إمام قائلا: في الجامعة تنكشف عوالم أخري.. جمعيات متشددة ورجال الأعمال في الجامعة والأنشطة الطلابية في الرياضة والفن.. والسؤال ماذا يفعل مرجان.. سيحاول أن يشتري كل شيء بفلوسه.. لكنه في النهاية يفشل في شراء شيئين مهمين: الحب والعلم، وفي رأيي أن الفيلم قدم كوميديا جادة حاولت أن تجيب على سؤال: ماذا سيكون حالنا في المستقبل؟.مصر لا يمكن «تكشر» أبداأقنعة الزعيملعب عادل إمام مختلف الأدوار من «النشال» في فيلم «المحفظة معايا»، إلى «الوزير» في «التجربة الدانماركية»، والصحفي في فيلمي «ليلة شتاء دافئة» و»الغول» كما جسد شخصية الطالب في «رجل فقد عقله»، و»على باب الوزير»، و»2على الطريق»، وحتى لايطير الدخان»، و»خللي بالك من عقلك»، وجسد شخصية المهندس في فيلم «كراكون في الشارع» ورأيناه محامياً في «خللي بالك من جيرانك»، و»الأفوكاتو»، و»طيور الظلام»، كما عمل موظفاً عادياً أو مدرسا في أفلام عديدة من «مراتي مدير عام»، وحتى «الإرهاب والكباب» مرورا بعدد كبير من الأفلام مثل «الإنسان يعيش مرة واحدة»، و»غاوي مشاكل»، و»زوج تحت الطلب»، وظهر كعامل في إحدى ورش صناعة الأحذية في فيلم «الحريف»، وتجاوز الشخصيات البشرية ليلعب دور واحد من الجن في فيلم «الإنس والجن».الرفيق وحيدوحيد حامد مؤلف من نوع خاص جدا في تاريخ السينما المصرية، وقد وجد كل منا الآخر، والتقينا في توافق فني وإنساني جميل، فنحن أصدقاء قدامى ورفاق سلاح خاصة في موقفنا ضد الإرهاب لقد عملت معه أكثر من فيلم مثل « الهلفوت « والإنسان يعيش مرة واحدة و»الغول» وعندما جاءت موجات الإرهاب وأغرقت مصر والمنطقة العربية في دوامة من المشاكل شعرنا معا بأن الفن في خطر أيضا ، لذلك صنعنا معا العديد من الدوار المهمة والأهم من ذلك أنها أدوار من تلك التي تثير المشكلات والتي تقلب صورة البطل الذي يحفظها عند أناس عنك فعلى سبيل المثال في فيلم طيور الظلام أقوم بدور مخالف لذلك أنه دور انتهازي سياسي صغير يستعين بكل الوسائل للصعود بل إنني اتخذ من يسرا زميلتي في الفيلم وسيلة لهذا الصعود ولكن مهما كانت وضاعة الدور وضاعة الدور الذي أقوم به فيجب أن يكون فيه درجة من النبل وأنا أحافظ جيدا على هذه الدرجة فيجب أن يكون هناك دائما عودة إلى قيمة ما اننى أراعي دائما أخلاقيات الجمهور الذي يتابعنى ولا أحاول أن أتحداهاالوهم الأميركيفي فيلم «هاللو أمريكا « شعر بعض المتفرجين بالألم من قسوة السخرية، وتصوروا أن الفيلم ينتقص من قيمة شعوبنا، ويصورهم كانتهازيين، لكننا لم نقصد الانتقاص ولا القسوة الشديدة كنا نريد انتقاد أحوال المهاجرين وخاصة اللذين يسعون وراء الحلم الأمريكي هناك أناس يعتقدون أن الملايين تنهال عليهم وعندما يصلون إلي أمريكا ، أن ماكينات الحظ واليانصيب هي حلم كل مهاجر بل إننا قد انتقدنا عمليات تمويل الإرهاب من خلال هذا الفيلم وقد رفض المركز الاسلامى هناك أن نصور مشاهدا من الفيلم داخل أو بجانب المركز، وذلك من دون أن يبدي أي أسبابمليونير بـ50 قرشاكنت أتعامل مع مسرح التليفزيون بالقطعة مقابل 50 قرشا في الليلة، وكنت أمشي كل ليلة من الأوبرا بميدان العتبة حتى بيتنا، لأنني لا أملك تذكرة الأتوبيس، ومع ذلك لم أكن أشعر بالفقر، كنت سعيدا وحالما وواثقا من نفسي، حتى وأنا أسير مفلسا، وليس في جيبي مليما واحدا، فالفقر لم يكن يهز شخصيتي، بل كان يجعلني أكثر تمسكا بأحلامي وأكثر اعتزازا بشخصيتي، صحيح أنني لم أكن أحصل على مصروف يومي يكفي طفلا صغيرا، وعندما دخلت الجامعة كنت أدبر أموري بأربعة جنيهات كنت اتقاضاها من الجامعة، ومع ذلك عندما كنت أستلم هذه الفلوس لم أكن أدخرها، بل أذهب على الفور وأشتري قميصا بجنيه وربع، وآحل أكلة فخيمة، ولم أفكر يوما أن أكون ثريا.. كان يكفيني أن تكون ملابسي نظيفة وأنيقة، وطعامي جيد، وكرامتي محفوظة،، ولم يختلف ذلك وأنا أتقاضى الخمسين قرشا أو أتلقى الملايين،، والحمد لله على ذلك في الفقر والغنى