احتضنوا العراق قبل أن يحتضنكم الإرهاب

نشر في 24-07-2007
آخر تحديث 24-07-2007 | 00:00
 د. شاكر النابلسي

احتضان الخليجيين للعراقيين، ليس على مستوى الدول والحكام فقط، ولكن على مستوى الشعوب والمؤسسات أيضاً، سوف يزيد من فشل الإرهاب والإرهابيين، وسوف يُضيّق من دائرة الإرهاب ويحصرها.

- 1 -

يرتبط الخليج ارتباطاً تاريخياً وثيقاً بالعراق. ولعل هذا القلق الخليجي البادي بوضوح وبشكل طافح على مستقبل العراق، مبعثه هذه العلاقة التاريخية والجغرافية بالعراق، أكثر من أي بلد آخر في العالم العربي، رغم وجود جاليات عربية كبيرة، تصل إلى أكثر من ستة ملايين نسمة في دول الخليج مجتمعة، ورغم اكتفاء وانكفاء العراق على نفسه في الماضي والحاضر، وعدم حضوره السكاني الكثيف في دول الخليج، كما هي الحال مع بعض الدول العربية والإسلامية. ويظل العراق يُشكّل العمق الاستراتيجي للخليج العربي. ويظل الخليج قَلِقاً قَلَقاً مضاعفاً على مستقبل الخليج أكثر من أي بلد عربي للأسباب التالية:

1 - يعتبر العراق أقرب للخليج من أي بلد عربي آخر، جغرافياً وسكانياً واجتماعياً. وعندما اشتد العصاب القومي العراقي الكاذب ببعض الحكام العراقيين، لم يجدوا بلداً يدّعون بأنه جزء تاريخي وجغرافي من العراق غير دولة خليجية هي الكويت.

2 - إن العراق يمثل امتداداً سكانياً للخليج، حيث تمثل القبائل والعشائر العراقية امتداداً للقبائل والعشائر الخليجية عموماً. ولعل قبيلة شمّر التي كان منها رئيس الجمهورية العراقية السابق غازي الياور، خير مثال على جغرافية العشائر التي تغطي منطقة الخليج، وجزءاً من سورية والأردن.

3 - لقد أيقن الخليج أن الاحتلال الأميركي للعراق ليس استعماراً طويل الأمد. والدليل على ذلك حماس «المحتل» لتقليد السيادة لأبناء العراق بأسرع وقت ممكن. وهذا ليس من «شيم» الاحتلال المعروفة عبر تاريخ الاستعمار.

4 - إن استتباب الأمن في العراق هو استتباب للأمن في الخليج كله. فالعراق هو مفتاح الخليج الأمني. ولقد ظل الخليج مهدداً بالقلاقل والاضطرابات وعدم الاستقرار يوم أن كان يحكم العراق طاغية أراد بإثارته للقلاقل في الخليج أن يأمن شر جيشه، وأن يُبعد الجيش العراقي عن الانقلابات ضده، كما اعترف في الجلسة الأولى لمحاكمته في 7/7/2004.

5 - إن العراق يمثل امتداد الثروة النفطية الخليجية الهائلة. بل إن العراق هو العمق الاستراتيجي النفطي للخليج. وبإقامة حكم وطني عادل وعاقل وديموقراطي في العراق يضمن الخليج أمنه النفطي، الذي سبق وهدده صدام حسين، وكان من الأسباب الرئيسية لحرب الخليج 1991.

6 - إن غنى العراق بالموارد النفطية، يجعله شريكاً على قدم المساواة مع دول الخليج. وانضمام العراق مستقبلاً إلى مجلس تعاون دول الخليج لن يجعله عبئاً مالياً وبشرياً على الخليج، كما الحال فيما لو انضم اليمن مثلاً إلى مجلس تعاون دول الخليج.

7 - إن غنى العراق بالموارد المائية (دجلة والفرات) يمكنه من أن يكون الساقية التي تروى عطش الأرض والبشر في الخليج. كما يمكن للعراق مستقبلاً أن يكون بستان فاكهة الخليج وسلة خبزه لكثرة مياهه، واتساع رقعته الزراعية.

8 - ليس بين الشعب العراقي والشعب الخليجي ما هو بين الشعب العراقي وأي شعب عربي فقير آخر من ضغينة وحسد. فالشعب العراقي والشعب الخليجي لن ينظرا إلى بعضهما بعض نظرة الغني إلى الفقير، أو نظرة الأجير للسيد، كما كان حال بعض العرب الفقراء العاملين في الخليج أو حال هؤلاء في العراق.

- 2 -

هذه أسباب، وهناك أسباب كثيرة غير هذه، تدعو الخليجيين إلى احتضان العراق بقلوب مفتوحة وعقول نيرة لكي لا يجنح العراق مرة أخرى إلى الديكتاتورية والعدوان، وإزهاق مئات الآلاف من الأرواح، وإهدار المليارات في حروب مجانية دونكيشوتية، تنشب بقرار شخصي من ديكتاتور حلم بها، وتنتهي بقرار آخر من الديكتاتور نفسه، بعد أن عافها وذاق مرارتها، ولم يجن ِمنها غير إلهاء جيشه عن القيام بانقلاب ضده، نتيجة لما كان يمارسه من فساد وطغيان.

- 3 -

أيها الخليجيون: دافعوا عن العراق ضد الإرهاب الذي تذقون منه الآن كؤوس المرارة، فالقضاء على الإرهاب في العراق والخليج هو وحدة عمل واحدة، وكفاح واحد، ضد عدو واحد. ولن يتأتى ذلك إلا بوحدة الجهود المشتركة بين دول الخليج والعراق الجديد.

أيها الخليجيون: دافعوا عن العراق ضد خفافيش الظلام الذين يحاولون إيقاف مسيرة الحداثة السياسية في العراق وفي الخليج على السواء. وربما يُعجب بعض الناس من الحديث عن مسيرة الحداثة في الخليج والعراق. فهل هناك مسيرة حداثة فعلية في العراق والخليج؟

الجواب، هو ما كان عليه حال العراق قبل التاسع من نيسان 2003، وما أصبح عليه الآن.

والجواب، هو ما كان عليه حال الخليج في السبعينيات وما هو عليه الآن، رغم عدم رضا الكثيرين عن بطء سير الحداثة السياسية والتعليمية، في حين أن الحداثة الاقتصادية والاجتماعية قطعت أشواطاً كبيرة.

فيأيها الخليجيون: احتضنوا العراق بدفء وحنان ومودة وإخلاص شديد.

فلن يصلح الخليج إن لم يصلح العراق.

ولن يرتوي الخليج إلا بماء العراق.

ولن تمطر السماء في الخليج إلا إذا أرسلتها رياح العراق.

ولن ينام الخليج إلا في سكون ليل العراق.

ولن يصبح الخليج بحيرة ذهب آمنة إلا إذا أصبح العراق حراً ديموقراطياً عادلاً.

ولن ينشد الخليج قصائده الجميلة إلا تلك المستوحاة من شعر الرصافي والسيّاب والبياتي والجواهري وغيرهم.

احتضان الخليجيين للعراقيين ليس على مستوى الدول والحكام فقط، ولكن على مستوى الشعوب والمؤسسات أيضاً، سوف يزيد من فشل الإرهاب والإرهابيين، وسوف يُضيّق دائرة الإرهاب ويحصرها.

فيأيها الخليجيون: احتضنوا العراق، قبل أن يحتضنكم جميعاً الإرهاب، ويعمّ الظلام، وتنعق الغربان في دياركم بعد الخراب.

كاتب أردني

back to top