ما بعد «نهر البارد» ...ألغام الملف الفلسطيني المفتوح

نشر في 06-06-2007
آخر تحديث 06-06-2007 | 00:00
 بلال خبيز

إصرار الجيش على خوض معركة «نهر البارد» بالحديد والنار، وحكمة القيادتين اللبنانية والفلسطينية، التي تمثلت بالجولات المكوكية التي قام ويقوم بها عباس زكي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، جعلا الاستهداف السوري عاجزاً عن تجاوز الحد الأدنى الممكن تحقيقه من تحريك جماعة «فتح الإسلام».

الخطان الأحمران اللذان وضعهما السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله، حين أعلن موقفه، في ذكرى تحرير جنوب لبنان، من أزمة مخيم نهر البارد الفلسطيني، يشكلان الحد الوسطي للاستهدافات السورية من تحريك جماعة «فتح الإسلام»، التي تم تسليمها مقدرات ومراكز وأسلحة «فتح الانتفاضة» في لبنان وسورية. فالسيد نصرالله حدد خطين أحمرين متوازيين لا يلتقيان إلا بترتيب اتفاق لبناني – فلسطيني، يشبه فيما يشبه اتفاق القاهرة عام 1969، الذي اقتطع جزءاً من الأرض اللبنانية، أُبيحت فيها حرية العمل الفدائي ضد اسرائيل. لكن قطعة الأرض المطلوب إباحتها لحرية العمل الفلسطيني المسلح هذه المرة، تقع في شمال لبنان وعلى الحدود اللبنانية – السورية، وفي محيط المخيمات الفلسطينية التي تسيطر عليها سورية منذ العام 1983، بعدما تم طرد ياسر عرفات من طرابلس إثر معارك طاحنة.

وبصرف النظر عن مدى التقاطع بين حزب السيد نصرالله والسياسة السورية في لبنان، وعن تطابق هاتين الرؤيتين والسياستين في أحيان كثيرة، استهدافات ومصالح، لكن ما جرى في نهر البارد بشمال لبنان، وضع الحزب في موقع من يفضل المغامرة في انحياز الجيش اللبناني إلى فريق 14 آذار (مارس)، مع ما يعنيه ذلك من خسارة صافية لفريق 8 آذار ، الذي يشكل حزب الله عموده الفقري، على أن يضطلع هذا الحزب بنفسه بعملية تحريك الجمر تحت رماد حرب أهلية ساخنة، وهو ما تحرص السياسة الإيرانية على شد عقاله على الدوام وتخشى انفلات عنفه أشد الخشية. فالحزب المرتبط بأوثق الصلات مع السياسة السورية يخدم، كما يقال في لبنان، سيدين: سورية وايران. وفي خدمته سورية يخسر ما كسبه من خدمته إيران، مالياً واجتماعياً وسياسياً على نحو لا هوادة فيه. فعلى مذبح المصالح السورية نظم حزب الله نوعاً من الاقتحام لبيروت الغربية السنية في أواخر يناير الماضي، جعلته يخسر بيروت برمتها، وخدمة لمصالح سورية أيضاً، وجد الحزب نفسه في موقع من يدعو الى مفاوضات سياسية تنتج اتفاقاً على اقطاع «فتح الإسلام» منطقة من المناطق اللبنانية على غرار ما يقتطع حزب الله مناطق أخرى، مما يجعل فريق 14 آذار ، القيم على السلطة السياسية في لبنان، معدوم السيادة على المناطق التي تدين له بولائها، وجعلته يخسر حياد الجيش اللبناني بين الفريقين السياسيين المتنازعين. فعلى غرار ما يحتل مناصرو حزب الله والمعارضة اللبنانية شطراً من وسط بيروت مجاوراً للسراي الحكومي، حيث يقيم الرئيس فؤاد السنيورة، كان ينبغي على «فتح الإسلام» أن تنجح في جعل المنطقة المحيطة بمخيم نهر البارد وبعض أحياء طرابلس، عاصمة الشمال، في قبضتها العسكرية، مدعومة بتثبيت الخطوط الحمر، التي تكثر في لبنان من غير حسيب ولا رقيب. ومعنى أن يكون الاشتباك المسلح مع «فتح الإسلام» المتحصنة في مخيم نهر البارد خطاً أحمر أمام الجيش اللبناني، ليس أقل من تثبيت حقها الشرعي في ممارسة نشاطاتها المسلحة في تلك المنطقة باتفاقات ملزمة.

لكن إصرار الجيش على خوض معركة «نهر البارد» بالحديد والنار، وحكمة القيادتين اللبنانية والفلسطينية، التي تمثلت بالجولات المكوكية التي قام ويقوم بها عباس زكي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، جعلا الاستهداف السوري عاجزاً عن تجاوز الحد الأدنى الممكن تحقيقه من تحريك جماعة «فتح الإسلام». فبين تخوف حزب الله من حرب أهلية لبنانية – فلسطينية كانت ستتنتقل شرارتها إلى مناطق نفوذه، وهذا أقصى ما كانت الإدارة السورية تطمح إليه، وإصرار الجيش اللبناني والقيادات الفلسطينية واللبنانية على الحسم العسكري مع هذه الجماعة، كان ثمة حد وسطي تطمح المعارضة اللبنانية إلى المراوحة عنده، وهو الحد الذي يقضم من جغرافيا السيادة اللبنانية في الشمال تمهيداً لقضمها في الجنوب والبقاع على نحو يجعل البلد «جُزراً أمنية» لا ضابط لها.

لكن هذا الإنجاز الذي حققته القيادات اللبنانية والفلسطينية والجيش اللبناني أولاً، وفي الأساس، لا يخفي أن ملف الوجود الفلسطيني قد فتح على مصراعيه منذ لحظة الاشتباك الأولى، وهذا ملف شائك وخطير وينذر في القريب العاجل بتوترات وانقسامات وتشققات في صفوف المعارضة والموالاة على حد سواء. وفي هذا السياق، لا بد وأن الإدارة السورية تنظر بعين الغبطة إلى موقف الجنرال ميشال عون الداعم للجيش والنغمة المتصاعدة عند الرئيس اللبناني اميل لحود الذي يحذر من خطة لتوطين الفلسطينيين في لبنان. ولن يطول الزمن حتى يصبح أي بحث في أبسط الحقوق المدنية الفلسطينية، سبباً لتخوف الجنرال عون وتياره من التوطين ودعوة الى إسقاط الحكومة التي تنفذ خطة أميركية لتوطين الفلسطينيين، على ما يكرر فخامة الجنرال اميل لحود منذ أن اقام في قصر بعبدا وحتى اليوم.

 

كاتب لبناني

back to top