طائر العنقاء!!

نشر في 23-09-2007
آخر تحديث 23-09-2007 | 00:00
 صالح القلاب

كيف يستطيع لبنان أن يتفادى هذا المصير الأسود، الذي غدا لا يحتاج إلى براهين ولا إلى أدلَّة؟ فهل سيضطر إلى الاستنجاد بالغرب والشرق وبأميركا وغير أميركا وبالعالم كله من أجل دحر الاحتلال غير المرئي عن نفسه كما اضطرت دولة الكويت في بدايات تسعينيات القرن الماضي.

في كل مرة وبعد تفجير أحد رموز «الأكثرية» البرلمانية في لبنان وتغييبه يتساءل اللبنانيون والعرب والعجم والغرب والشرق، وكل الذين يتابعون هذا المسلسل الدموي الذي مسّ خلال نحو ثلاثة أعوام ثمانياً من خيرة القيادات اللبنانية، وماذا بعد؟ ومن هو الضحية التالية؟!

لم يعد الحديث عمن هو المستفيد لمعرفة من هو الفاعل مجدياً، بل غدا مملاً فالفاعل معروف، والمستفيد معروف، والمستهدف بعد قتل أنطوان غانم معروف، وهكذا فإنه إما أن يكون غباءً وإما تغابياً أن يجري البحث عن أثر الذئب بعد افتراس إحدى شياه القطيع، بينما الذئب نفسه يقف أمام الباحثين متحدياً، وهو يكشر عن أنيابه التي تقطر دماً!!

الآن... وقد بات واضحاً كل الوضوح أن الذين بدؤوا هذا المسلسل الدموي لن يتوقفوا، وأنه لا يوجد من يستطيع ردعهم، فإن ما يجب الاستفسار عنه هو مصير لبنان مادام مستهدفوه يرفضون -بهذا الإصرار العجيب- التعامل معه كدولة مستقلة، ويرفضون ترسيم الحدود بينهم وبينه، ويرفضون أيضاً مبادلته التمثيل الدبلوماسي؛ وذلك مع أن عمر اتفاقيات «سايكس–بيكو» الشهيرة، التي كانت بمنزلة شهادة ولادة لظاهرة الدولة القطرية في هذه المنطقة، قد اقترب من قرن كامل من الأعوام.

كيف يستطيع لبنان أن يتفادى هذا المصير الأسود، الذي غدا لا يحتاج إلى براهين ولا إلى أدلَّة؟ فهل سيضطر إلى الاستنجاد بالغرب والشرق وبأميركا وغير أميركا وبالعالم كله من أجل دحر الاحتلال غير المرئي عن نفسه كما اضطرت دولة الكويت في بدايات تسعينيات القرن الماضي إلى الاستنجاد بكل من كان لديه استعداد للنجدة والتخلص من غزو بربري همجي ودحر احتلال مباشر قام به رئيس أرعن جرّ كل هذه الويلات على بلاده والمنطقة؟!

«اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فإنني كفيل بهم»... وهل يا ترى أصبح بالإمكان الحديث عن «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة»، هذا الشعار الجميل، بعد ذلك الغزو الهمجي لدولة مستقلة وديموقراطية ومعطاءة ولها أيادٍ بيضاء في أرض العرب كلها هي الكويت، وبعد أن حل بلبنان ما حل به على أيدي الذين من المفترض أنهم جاؤوا لتخليصه من نفسه، ومن التحديات التي تواجهه، وأولها وعلى رأسها تحدي «العدو الصهيوني»؟!

إن المفترض أن يلتئم المجلس النيابي اللبناني بعد غدٍ الثلاثاء، هذا إذا لم يقطع الطريق عليه الذين لا يريدون اجتماعه بسيارة أو بسيارات مفخخة، كما أنه من المفترض أن ينتخب هذا المجلس رئيساً جديداً للجمهورية ولو على غرار انتخاب إلياس سركيس الذي انتخب عام 1976 تحت قعقعة السلاح، وكانتخاب بشير الجميل الذي انتخب عام 1982 رغم وجود الاحتلال الإسرائيلي... لكن أغلب الظن أن هذا لن يحدث ومن المؤكد أنه إذا حدث فإن الانقسام السياسي الحاد الحالي سيلقي في وجوه اللبنانيين رئيسين وحكومتين وذلك سيكون طامة كبرى.

لاشك أن هذا البلد بشعبه الحيوي قد واجه على مدى تاريخه تحديات كثيرة مثل هذا التحدي وربما أكثر، وقد بقي دائماً وأبداً كطائر الفينيق (العنقاء) في الأسطورة اليونانية الشهيرة، الذي كلما ألقي بين ألسنة النيران انتفض من بين الرماد وعاد كما كان... فهل سيكون الحل يا ترى بأن يفعل اللبنانيون ما فعله أشقاؤهم الكويتيون، الذين اضطروا إلى دفع ظلم ذوي القربى عن أنفسهم، عن طريق الاستنجاد بكل صديق وشقيق في العالم كله؟!

 

* كاتب وسياسي أردني

back to top