الصراع الفلسطيني والخيار الثالث

نشر في 27-03-2008 | 00:00
آخر تحديث 27-03-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك

بما أن إمكان التنازل الكامل عن إدارة السلطة للخيار الثالث يبدو طوباوية سياسية لا يمكن تحقيقها، فإن تقاسم الخيارات الثلاثة بحصص الثلث، يعيد للوضع الفلسطيني توازنه، ولكي تستمر عجلة التفاوض الخارجية بمرونة وثوابت، فإن من يمسك بحقائب الخارجية والداخلية وغيرها من حقائب محايدة ينبغي أن تكون من نصيب الخيار الثالث في السلطة الفلسطينية.

شدت صنعاء انتباه المراقبين العرب، عندما قدمت الحكومة اليمنية مبادرة لجمع الطرفين المتنازعين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكعادة كل المبادرات الطيبة من سعاة الخير للمّ الشمل العربي تارة وللمّ البيت الواحد تارة أخرى، كما هو موضوع النزاع بين «فتح» و«حماس»، والذي بلغ أشده بنزف الطرفين دمهما، بعد أن كانا يتفاخران بأن الدم الفلسطيني لا ينبغي أن يسفك بين أبناء الشعب الواحد، إنما يتطلب توجيه البنادق إلى العدو المشترك.

وعود كثيرة قيلت وبيانات وتعهدات أكثر كتبت، ولكنها لم تمنع الاقتتال بين الإخوة الأعداء. فلماذا؟ سنعرج على ذلك السؤال محاولين الإجابة رغم كل التحديات والصعوبات، وسنحاول أن نقدم رؤية الخيار الثالث كحل حقيقي للخلاف العميق.

ما فعلته الحكومة اليمنية من مبادرة لوقف استمرارية الأزمة، تذكرنا دائما بتاريخنا العربي المرير، فكم وجدنا من دول عربية تدخلت لفض نزاعات بين دول جوار أو غيرها، ولكن لم تكن العلاجات تلك إلا امتصاصاً للاحتقان وترقيعاً للممكن من المهمات العاجلة، غير أنه سرعان ما تعود تلك الدول وتدخل في نزاعات أشد بلغت حد الاقتتال العسكري على مشارف الحدود، بل بدأت كل جهة تحتضن معارضة معادية لتلك الأنظمة، بل مستعدة على صنع معارضة شكلية من أجل خلخلة العلاقات.

أما الإخوة الفلسطينيون، فإنهم على مدار قضيتهم الطويلة فقد تنقلوا بين عمان ودمشق والرباط والقاهرة وصنعاء والجزائر وليبيا وتونس، وأخيراً مكة إلى أن حطوا الرحال مرة أخرى في صنعاء، بل باستطاعتنا أن نقول إن الإخوة الفلسطينيين تنقلوا بين عواصم الجامعة العربية بامتياز، ولكنهم سرعان ما تضغط أيديهم على الزناد فيسقطون ضحايا، إما لفكرة مستمدة من الفئوية والفصائلية أو الحزبية الضيقة. وأخيراً باتت النزعة الأشد صعوبة في الفكاك منها التشبث بالسلطة، إذ كثيرا ما جلس الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات سواء فيما بينهم أو من خلال وسطاء واتفقوا على حل المشاكل العالقة، ولكنهم حالما يعودون إلى العلاقات السياسية واليومية، و ضمن الجغرافيا وتوزيع حصص التمثيل أو التفاوض حول البرامج والرؤى، فإن روح المرونة والتنازل تغيب في الحال ويطغى نزوع التفرد ورغبة القيادة واستلام التحكم بمصير الشعب الفلسطيني، فيتحدث الجميع بحقه في هذا التمثيل المطلق، خصوصا أن الشعب الفلسطيني لم يتعلم حقيقة الديموقراطية بمعناها الفعلي وممارساتها القائمة على مكونات كثيرة.

ما مرت به التجربة الفلسطينية من خيارات التصويت في سلطة تحت الاحتلال، وبشعب أغلبيته اعتادت أن تميل إلى أن تمنح صوتها لمن يبدو في قوته أقرب إلى السلطة، إذ بهذا النهج يضمن العشرات قوت يومهم ويضمن طابور عريض من الموظفين والمقاتلين والكسبة ومن تعلموا على ذهب المعز من المثقفين والوصوليين، مما جعل الصوت الثالث أقل وضوحاً داخل صراخ وأصوات الطبول الجوفاء، ومن هنا نعتقد أن إمكان تنازل الطرفين «حماس» و«فتح» عن مكاسبهم في السلطة موضوع يقع في دائرة المستحيل، كما أن تبادل وتقاسم المصالح في سلطة تحت الاحتلال برهنت أنها عاجزة، وكانت نتيجتها واضحة. وبما أن إمكان التنازل الكامل عن إدارة السلطة للخيار الثالث يبدو طوباوية سياسية لا يمكن تحقيقها، فإن تقاسم الخيارات الثلاثة بحصص الثلث، يعيد للوضع الفلسطيني توازنه، ولكي تستمر عجلة التفاوض الخارجية بمرونة وثوابت، فإن من يمسك بحقائب الخارجية والداخلية وغيرها من حقائب محايدة ينبغي أن تكون من نصيب الخيار الثالث في السلطة الفلسطينية. ولن يكون هذا الخيار إلا تشكيلاً يضم الأحزاب الأخرى جميعها والرموز الوطنية والتكنوقراط الفلسطيني النزيه، ونشدد على النزيه والمحايد، فهو المخرج والتعبير الحقيقي للشارع الفلسطيني وطوق الإنقاذ الفعلي للوضع المتأزم.

ومن يحاول جمع الماء والنار «حماس» و«فتح» في يده بسهولة فهو يحلم بسراب فلسطيني، فهما مختلفان في كل شيء ولكنهما متفقان على قضية واحدة هي الاقتتال من أجل استلام السلطة، ففيها كل أموال قارون القادمة ولا يجوز أن نسقط في وهم هتاف «حماس» كما هو خطاب يوم الجمعة «هي لله... هي لله لا للسلطة ولا للجاه» وكأن الخطاب يقنعنا أن «حماس» مجموعة إما من الدراويش الزاهدين أو أولئك الناس الذين وضعوا أرواحهم للموت فقط. فكيف يتفاوض العالم مع هذا النهج؟ وبما أن «فتح» تتهادن و«حماس» تتشدد فإن الخيار الثالث سيكون مرناً بالثوابت الفلسطينية.

* كاتب بحريني

back to top