الحوت الكاريبي يغادر البحر
الأسئلة المهمة حول الحوت الكوبي السابح حتى شواطئ ميامي من دون خوف أو رجفة: لماذا ظلت تخاف منه الدولة العظمى بكل جيوشها وأجهزتها وهو رجل بشعب لا يتعدى الاثني عشر مليونا؟ ولماذا ظل كاسترو كابوساً لكل الرؤساء والدكتاتوريات في القارة؟ وكيف استطاع الحوت الكاريبي أن يعوم بين شواطئ كوبا باطمئنان، إن لم يكن هناك سرٌ؟!كان الكاتب الأميركي آرنست همنغواي يراقب يومياً الصياد العجوز سانتياغو، وهو يبحر كل يوم إلى البعيد في مياه الكاريبي وفي المساء يعود خائباً، ولكنه ظل يردد لابد من أن أعود ذات يوم بصيد ثمين، ولم يكن خاطئاً في حدسه، فقد علقت صنارته، واكتشف أنها سمكة كبيرة فعاش فرحاً وهو يسحبها، وفجأة عندما اقتربت فرت نافرة بقوة وأخذت تسحبه بعيداً هو وقاربه ولم تجدِ مقاومته العنيدة، ثم عاد بهدوء وخبرة الصياد وصبره يستعيدها، فكانت مقاومة طويلة في البحر، مع سمكة المارلين وقد زادت سعادته وتذكّر نبوءته، غير أن فرحه وحلمه لم يكتمل وهو يسحبها نحو الشاطئ، إذ بدأ سمك القرش ينهش بها حتى تحول البحر إلى بقع من الدم.نجح سانتياغو في إنقاذ حياته وتمسك بصيده، الذي وجده عندما بلغ الشاطئ عظاماً خالية.بدت رواية العجوز والبحر تعبيراً عن صراع الإرادة مع الطبيعة وعناد الإنسان وكبريائه، وهو أكثر تجليات وجوهر الرواية وملمحها، وهذا ما جعل همنغواي يومياً يتحدث مع بطله الذي أصبح صديقه، حيث كان بيت الكاتب مواجهاً للبحر، وقد تحول في كوبا إلى متحف يؤمه السياح. وفي أوائل التسعينيات فتح متحفاً متخصصاً لكل أنواع المؤامرات التي تم تخطيطها من أجل اغتيال الحوت الكاريبي، الذي عجزوا عن اصطياده، وقد قاربت محاولات الاغتيال أكثر من ثلاثين محاولة، وبذلك يكون الرئيس الكوبي خلال 49 عاما من الحكم يحظى بمحاولة اغتيال واحدة كل عام ونصف، لم يحظ بها زعماء العالم، وقد شاركت فيها ثلاث قوى رئيسة هي، المافيا الأميركية التي فقدت أهم مرتكز عالمي للمخدرات والقمار وضربت مصالحها في الصميم، والثورة المضادة الكوبية في ميامي، وهي عبارة عن تحالف الأثرياء الذين فقدوا ممتلكاتهم، والمافيا والعصابات الكوبية، التي فقدت أهم بلد للقمار والدعارة، والجهة الثالثة هي «الإف بي أي، والسي أي إيه» اللتان كانت تهمهما الجزيرة بألا تتحول إلى قاعدة أمامية للاتحاد السوفييتي ولا بؤرة ثورية للقارة الملتهبة، حيث شهدت الستينيات نهوضاً ثورياً، فكان تحالف الترويكا ضرورياً لإسقاط النظام الجديد، عن طريق خطط عديدة، كالغزو بواسطة المجموعات المرتزقة بمساعدة الاستخبارات الأميركية، حتى لا تبدو أنها تخرق القوانين الدولية أو من خلال خطط الاغتيال واصطياد الحوت الكاريبي، كان كاسترو مولعاً بالغطس والسباحة فوضعت خطة لقتله تحت الماء، ضمن خطط وسيناريوهات الاغتيال خلال فترة حكمه، والتي قيل إنها بلغت 638، وهي واحدة من مخيلات العقل البوليسي الهوليوودي، وتم إخراجها عام 2007 في فيلم وثائقي لمحطة «بي بي سي» البريطانية، وظل الكثيرون يستقونها من الموسوعات من دون الاجتهاد في البحث الدقيق، والخلط بين فكرة وسيناريو الاغتيال وعملية الاغتيال نفسه، إذ لو قمنا بتقسيم الرقم المبالغ فيه على المدة التي قضاها كاسترو في الحكم، فإن الحصيلة 13 محاولة اغتيال سنوياً، وبمعدل محاولة كل شهر (موضوع يدعو إلى الضحك أحيانا) بينما من الموضوعي أن يتقصى الباحثون من مصادر عدة. وهناك وثائق ومعلومات بالصور والصوت والبيانات موجودة في كوبا تحت عنوان «الوثائق الكوبية» –أرشيف المعلومات الكوبية حول خطط اغتيال كاسترو «الوثيقة 0025»- وقد تمت إذاعة تلك الوثيقة في تلفاز هافانا في 27 نوفمبر 1993، وفيه تم عرض خطط الاغتيال التي وضعت للحوت الكوبي. ومن يرغب قراءة تلك الوثيقة بالإنكليزية، فإنه بالإمكان أن يجدها في Cuban information archives – or Cuban documentary on castro assassination plots.الأسئلة المهمة حول الحوت الكوبي السابح حتى شواطئ ميامي من دون خوف أو رجفة: لماذا ظلت تخاف منه الدولة العظمى بكل جيوشها وأجهزتها وهو رجل بشعب لا يتعدى الاثني عشر مليونا؟ ولماذا ظل كاسترو كابوساً لكل الرؤساء والدكتاتوريات في القارة؟ والسؤال الأخير كيف استطاع الحوت الكاريبي أن يعوم بين شواطئ كوبا باطمئنان، إن لم يكن هناك سرٌ علينا الحديث حوله بمصداقية، من دون السقوط في الدعاية المضادة منذ نجاح الثورة؟ المسألة بحاجة إلى نقاش جاد وهادئ من دون أن نسقط في فخاخ جديدة وهرج العولمة!! * كاتب بحريني