ماذا لدينا؟!

نشر في 26-07-2007
آخر تحديث 26-07-2007 | 00:00
 محمد سليمان لا أعشق الأرقام ولا أعرف الكثير عن الاقتصاد وعالم التجارة، برغم صفة التاجر التي ألصقتها بي مصلحة الضرائب قبل أكثر من ثلاثين سنة بسبب مهنة الصيدلة التي أمارسها، لكني برغم تواضع معارفي التجارية والاقتصادية أتابع المؤتمرات التي تُعقد هنا وهناك لتنشيط التبادل التجاري بين الدول العربية، وأتوقف كثيراً عند الصراخ الذي يطلقه بعض الخبراء، محذرين من تدني حجم التجارة العربية - العربية وتواضعه مقارنة بحجم تعاملاتنا مع الدول الأخرى.

هذه المؤتمرات كانت، ومازالت، تدفعني إلى تأمل واقعنا سعياً إلى اكتشافه وفهم مكوناته، وقد أفضى بي التأمل إلى نفق معتم وقاس. فنحن في الأقطار والبلاد العربية ننتج ونصدر الأشياء نفسها وفي مقدمها؛ البترول والغاز والمعادن وبعض المنتجات الزراعية، بالإضافة إلى البشر الذين يسعون إلى الهجرة أو الفرار من الفقر والقهر والبطالة. وفي المقابل نستورد من الخارج السلاح والمنتجات الصناعية والتكنولوجية والغذاء والمعارف العلمية أيضاً، هذا الواقع الذي لم نستطع تغييره أو تطويره في العقود الماضية هو الذي يصوغ ويرسم إطار تعاملاتنا وأحجامها واتجاهاتها أيضاً.

والسادة الذين يشككون ويحذرون من اعتمادنا على الخارج ومن تواضع حجم التجارة العربية - العربية، يقفزون إلى النتائج من دون الوقوف عند المقدمات لاكتشاف الخلل وملامح القصور، ومن ثم البحث عن الإصلاح والعلاج. فحتى الآن لم تنجح دولة عربية في تصنيع طائرة أو سيارة، ولم تسع أخرى إلى تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية، ولم تتمكن ثالثة من إنتاج القمح أو المواد الغذائية التي تُغني الأقطار العربية الأخرى عن استيراده من الخارج. فالسلع الاستراتيجية كلها، باستثناء البترول، ينتجها غيرنا ويستخدمها لتكريس قوته وبسط هيمنته.

فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حاول النظام الناصري بسياسات التصنيع وشعار الاكتفاء الذاتي الخروج من دوائر التبعية والهيمنة، فكانت أول وزارة للصناعة، وكانت المصانع، التي حاول بها النظام تغيير وجه مصر، وهي ما جرى بيع معظمها في السنوات الأخيرة. بعض الصناعات التي كنا نزهو بها ونعتمد عليها كصناعة المنسوجات والملابس تراجعت ولم تعد قادرة على الصمود والمنافسة، ولاسيما بعد نهوض العملاق الصيني من غفوته وغزونا بمنتجاته الأرخص، وبقدرته الفذة على إعداد بحوث متعمقة لدراسة الأسواق المختلفة لتقديم منتجات تتفاوت سعرا وجودة، من أجل تلبية حاجات ومستويات متباينة من المستهلكين والمنافذ والأسواق، فضلا عن ابتكاره لأساليب إنتاجية وتسويقية مرنة وفعالة تتيح له توسيع دوائر متجددة من العملاء واختراق مزيد من الأسواق والعقول.

فالمنسوجات والملابس الصينية، على سبيل المثال، أزاحت وسحقت نظيرتها المصرية في عقر دارها، فالفتيات الصينيات يطرقن أبواب منازلنا ليلاً ونهاراً بحقائب مملوءة بملابس وبضائع متنوعة لا تقبل المنافسة، لقد صرنا في الواقع مستهلكين فحسب، وصارت بلادنا أسواقاً للشرق والغرب ودُحرت صناعاتنا الناشئة في مهدها وأرضها، وصار علينا أن نخطط للخروج من هذا الفخ.

وفي الفترة الزمنية ذاتها خلال عقدي الخمسينيات والستينيات أيضاً، كانت إسرائيل تستورد الأسلحة، لكنها بمرور أعوام، مجرد أعوام، انتقلت من قائمة المستوردين إلى قائمة المصدرين، لتحتل في العام الماضي المركز الرابع بعد أميركا وروسيا وفرنسا، متجاوزة إنكلترا، والسبب في ذلك أن الإسرائيليين منذ البداية تسلحوا بالحداثة وراهنوا على المستقبل، بينما كنا، ومازلنا، نراهن على الماضي وننتظر معجزاته، وأصبحنا نترك للصينيين «فوانيس رمضان» ومعظم الأجهزة الرخيصة التى نحشو بها منازلنا، وللباكستانيين تصنيع علب وأعواد الثقاب (الكبريت) من أجلنا، وللغربيين تزويدنا بالسيارات والحواسب الآلية والأسلحة التى سنقهرهم بها، وننسى مثلنا الشعبي الذي يقول «اللي ياكل عيش النصراني يحارب بسيفه»، وهو مثل ساخر وصّف «التبعية» ولخص أسبابها منذ أمد بعيد.

فهل يحق لنا أن نتحدث عن تنشيط التبادل التجاري بين الأقطار العربية قبل أن نسأل أنفسنا أولاً... ماذا لدينا؟!

 

كاتب وشاعر مصري

back to top