الحال والحل: الأطفال بين التشرد والتسول

نشر في 02-07-2007
آخر تحديث 02-07-2007 | 00:00
 نادية علي الشراح  

بلدنا الصغير لن يحتمل فكرة أن تكون ظاهرة تسول الأطفال محتضنة لدى عصابات تتاجر بالبشر عموماً، والأطفال بالتحديد، وقد تستفيد من تساهل الجهات الأمنية، وتخاذل المؤسسات الخيرية الحكومية والأهلية.

 

«كل الحروب العادلة وغير العادلة، الخاسرة أو المنتصرة، تُشن ضد الأطفال»... إيجلانتاين جيب مؤسسة منظمة «أنقذوا الأطفال» *

يشهد التاريخ بتأصيل العلاقة الطردية بين ارتفاع المعدلات العالمية لموت وتشرد وتسول الأطفال، وبين الفقر، والحروب، والانحراف في السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الصراعات أو التحولات السياسية، وما ينتج عن تلك العوامل، منفردة أو مجتمعة، من عنف وفساد يستشري، ويكون أول من يفشل في مقاومته هم الأطفال.

عالمياً، تتركز حوادث موت الأطفال دون سن الخامسة في دول معظمها ذات كثافة سكانية عالية مثل الصين والهند، تليها أفغانستان، ثم أنغولا وجمهورية الكونغو، ولا يزال مرض «الإيدز» أحد أهم الأسباب المؤثرة في اتجاهات معدلات وفيات الأطفال، لاسيما في أفريقيا، وجنوب الصحراء الكبرى، ويأتي أثر النزاعات المسلحة وانعدام الاستقرار الاجتماعي، ليقضي على الجهود المبذولة كلها لحماية الأطفال في الدول المعنية بتلك الظاهرة، كما هو الحال في العراق وأفغانستان.

وفي بنغلادش، يعيش ما يقرب من نصف السكان تحت مستوى الفقر، وأكثر من 20 مليون يعيشون في فقر مدقع، وهذا العبء المستمر للفقر يهمش الفئات المستضعفة من الأطفال، وتهاجم الأمية والتحرش الجنسي أطفال أثيوبيا، أما أوغندا، فعلى الرغم من أنها تنعم منذ 1986 بحكومة ونمو اقتصادي مستقرين، إلا أنها ما زالت تعاني تفاوتاً في توزيع الثروة، لا سيما بين الشمال والجنوب، وتتعرض بعض محافظاتها إلى خلل في الأمن نتيجة للنزاعات الداخلية، يجند البالغون فيها الأطفال لتنمو تلك النزاعات وتستمر بنموهم.

وعلى الرغم من غنى روسيا في النفط والغاز الطبيعي، إلا أن موسكو تشتهر دون مدن العالم بانتشار ظاهرة تشرد وتسول الأطفال، نتيجة للتحولات السياسية التي عايشتها في أواخر عام 1991، حيث يبلغ عدد الأطفال المشردين والمتسولين نتيجة لفقدان أو هجرة الأبوين لهم، بعد ذلك التحول السياسي، أكثر من الذين وجدوا في الشوارع بعد الحرب العالمية الثانية، وتفاقم تلك الظاهرة يجبر الرئيس فلاديمير بوتين على حث جهازه الحكومي للعمل على التصدي لها، بإيجاد الحلول في محاولة لاحتوائها.

والغرض من التطرق إلى تلك النماذج العالمية لدول تشكل ظاهرة تشرد وتسول الأطفال معضلة رئيسية فيها، ليس للمقارنة لأنها مجحفة بحق تلك الدول، ولو استعرضت جل ما تحتويه التقارير الدولية عن الأسباب الرئيسية لوجود تلك الظاهرة في دول العالم، فسأعجز عن إيجاد ظرف واحد يمكن مقارنته بالكويت، ولكن عدم تماثل الأسباب والظروف يجبرني أيضا على البحث والتساؤل، عن الأسباب التي ساهمت في ولادة تلك المهنة غير الإنسانية في دولة كالكويت، فظاهرة التسول بشكل عام مرفوضة أخلاقيا، غير أنها مجرمة إنسانياً وعاطفياً عندما يُجبر عليها الأطفال، وقد أصبحت عادة سلوكية منتشرة يصادفها الكثير منا، فمنهم من تجبره العاطفة على التجاوب الوقتي، ومنهم من يرى فيها ما هو أبعد من ذلك، ويقرر عدم التجاوب، ولكن، ماذا عن الجهات الأمنية المختصة والجهات الخيرية الحكومية المعنية؟

فبلدنا الصغير لن يحتمل فكرة أن تكون ظاهرة تسول الأطفال محتضنة لدى عصابات تتاجر بالبشر عموماً، والأطفال بالتحديد، وقد تستفيد من تساهل الجهات الأمنية، وتخاذل المؤسسات الخيرية الحكومية والأهلية، إلى جانب ضعف الوعي المجتمعي بخطورة ظاهرة استغلال وانحراف الأطفال، كما تتحمل مؤسسات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة جانباً من المسؤولية، وهناك مسؤولية الأسرة.

وفي عصر المعلومة، يصعب توزيع التهم من دون بحث وتمحيص، ولكن مهما كانت المبررات، لا يستحق والدا الطفل المتسول -إن وجدا- صفة الأبوة، ومن يدري ربما كانا ضحايا لنفس الظروف، أو ربما يدفع الأطفال ثمن تفكك أو انحراف أسري أعمق.

 

* بريطانية الأصل، أسست وشقيقتها عام 1919 أول منظمة عالمية تحمل اسم «أنقذوا الأطفال»، كانت نواة الأمم المتحدة في تبني قضايا وحقوق الطفل.

back to top