سورية وسياسة تدمير الهيكل
لاشك أن النظام السوري يبحث عن موطئ قدم تحت شمس الهيمنة الأميركية على العالم، وهو في هذا التطلب لا يشذ كثيراً عن معظم دول العالم. موطئ القدم هذا يفترض أن يكون هذا النظام وكيلاً إقليمياً للإدارة الأميركية ويرفض في طبيعة الحال أن تتم علاقته مع الأميركيين بالوساطة.حقق النظام السوري من هجومه المتجدد على الساحة اللبنانية جملة إنجازات لا يمكن التغاضي عنها.فالنظام انتزع اعترافاً دولياً عاماً بدور فاعل له في لبنان، واستطاع من ناحية ثانية أن يضمن لنفسه خط رجعة من الطريق الإيراني إلى الطريق الإسرائيلي، إذا ما ادلهمت غيوم الحرب على إيران وحلفائها، واستطاع من ناحية ثالثة أن يحفظ لنفسه الحق في توقيت وحدود الإفراج عن الأزمة الرئاسية اللبنانية قبيل القمة العربية، حيث بات في وسع الإدراة السورية أن تقدم الانفراج في هذه الأزمة هدية للدول العربية الفاعلة في مقابل حل مشكلات العزلة السورية دفعة واحدة من خلال قمة عربية حاشدة تعقد في دمشق. النظام السوري، يلعب على حافة الهاوية، لكنه كل مرة ينجح في إزاحة الهاوية نفسها عن مركز قراره، واليوم يبدو من خلال المعلومات التي تنشر هنا وهناك، أن النظام لم يقطع شعرة معاوية مع الإسرائيليين، وأنه يعد في حال تم له ما أراد، بحل مشكلات إسرائيل على حدودها المتفجرة. فللنظام يد طولى تستطيع العبث في عُب الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق، وهو يملك دالة لوجستية وسياسية على «حزب الله» اللبناني، ناهيك عن الحدود السورية-الإسرائيلية التي تضبطها الإدارة السورية بيد من حديد. وبهذه المفاتيح أصبح النظام السوري مساهماً أساسياً في حل معضلات إسرائيل الحدودية دفعة واحدة. لذلك ليس من الغرابة بمكان أن يلجأ المقررون في الدولة العبرية إلى الضغط على الإدراة الأميركية كي تستجيب للمطالب السورية الحيوية في لبنان والمنطقة. هذه المطالب لا تختصر بترتيب تسوية تناسب النظام السوري في ما يتعلق بالمحكمة الدولية التي تنظر في اغتيال رفيق الحريري، فهذا أمر كان سبق للرئيس الأسد أن حصل عليه عبر ضمانات عربية، سعودية ومصرية، لكن الإدارة السورية أهملته. ولا تختصر أيضاً بحماية مصالحه الحيوية في لبنان، بل تتعداها إلى مطلب حيوي بالغ الأهمية بالنسبة لسورية ومستقبلها في المنطقة ويتمثل في اعتراف أميركي بمحورية دوره في المنطقة.لاشك أن النظام السوري يبحث عن موطئ قدم تحت شمس الهيمنة الأميركية على العالم، وهو في هذا التطلب لا يشذ كثيراً عن معظم دول العالم. موطئ القدم هذا يفترض أن يكون هذا النظام وكيلاً إقليمياً للإدارة الأميركية ويرفض في طبيعة الحال أن تتم علاقته مع الأميركيين بالوساطة، وهذا ما عبر عنه المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية بوضوح حين أعلن أن النظام السوري عرض في الأيام العشرة الأولى من حرب يوليو 2006، أن يمارس الضغط على «حزب الله» في مقابل رعاية أميركية للمفاوضات مع إسرائيل. وفي هذا كله ثمة تطلب مشروع لا يمكن الاعتراض عليه.لكن ما يبدو غير عادل في سلوك النظام السوري نحو الوصول إلى أهدافه يتعلق أولاً وأساساً بكون النظام يطالب بدور لا يؤهله لأدائه غنى موارده المحلية والإقليمية مثلما هي الحال مع مصر أو المملكة العربية السعودية، إذ إنه استهلك موارده كافة على وجه التقريب، بل إنه يتوسل لإقناع العالم والإدارة الأميركية أساساً وأولاً، بجدوى هذا الدور عن طريق سياسة قطع الطريق، فيشاغب على الأدوار الكبرى في المنطقة ويجور على الدول ذات الأدوار الصغرى أو المتوسطة، ويبيع ويشتري من دون حساب من أجل حماية هذا الدور واستمراره فاعلاً وقيد التأثير. وبهذا المعنى، يلجأ النظام السوري وهو يتوسل هذه الوسائل لتحقيق اعتراف دولي بدوره إلى إهدار موارد غيره في سبيل الاعتراف بموارده. والحق أن مثل هذه السياسة لا تنتج في نهاية الأمر إلا إضعافاً متمادياً للمنطقة التي يطمح هذا النظام إلى أداء دوره فيها. فالمنازلة مع المملكة العربية السعودية أو مصر أو المملكة الأردنية الهاشمية قد تضعف أدوار هذه الدول، لكنها لن تنال من الدور الأميركي أو الإسرائيلي في المنطقة. والعبث بمقومات لبنان وفلسطين والعراق قد يجعل المنطقة كلها على شفير انفجار مذهبي، بدأت علاماته تظهر في غير مكان، من اليمن إلى البحرين فالكويت. اعتماداً على هذه السياسة الشمشونية التي يمارسها النظام السوري في مواجهة تضاؤل دوره لن يربح العرب ولا الإيرانيون. وهي، أي هذه السياسة، في الوقت نفسه لا تلحق أي خسارة بإسرائيل. مع ذلك هناك الكثيرون الذين مازالوا يظنون أن واجبهم مقاتلة أميركا أينما وجدت، ويرون في هذا النظام قلعة من قلاع المقاومة. * كاتب لبناني