الدور السوري المتجدد في لبنان: صناعة مارونية

نشر في 14-11-2007
آخر تحديث 14-11-2007 | 00:00
 بلال خبيز

باتت سورية بعد ربيع عام 2005 قادرة على التعطيل والمشاكسة في لبنان، لكنها لم تعد قادرة على ضخ الدماء في شرايين الحياة اللبنانية من دون موافقة دولية على تنكّبها مثل هذا الدور.

لا يشك أحد بلبنان في أن طموحات الجنرال ميشال عون الرئاسية كانت سبباً أساسياً من أسباب التقلب في مواقفه خلال السنتين الأخيرتين، الأمر الذي جعله حليفاً موضوعيّاً للإدارة السورية فضلاً عن تحالفاته المعلنة التي وطّدتها وقائع السنوات الأخيرة مع حزب الله. لكن هذا كله لا يجعل من الجنرال أداة سورية، فهو يملك من الوزن والطموحات، وبعضها يبدو طموحات موتورة، ما يجعل استتباعه سوريّا أمراً مستحيلاً... لهذه الأسباب يعتقد المطّلعون على الشؤون اللبنانية أن الإدارة السورية تخشى من ترئيس الجنرال أكثر من خشيتها من ترئيس نسيب لحود المنضوي في تحالف 14 آذار. والحال نفسها تنطبق على حزب الله الذي يخشى من ترئيس الجنرال المعتد بقوته الشعبية والمطالب باستعادة دور الموارنة كاملاً ومن دون نقصان، بما يعنيه هذا المطلب من إصرار على سيادة الدولة التي يرأسها على كامل أراضيها وتحكّمها بقرارات الحرب والسلم التي مازالت حتى اليوم في عهدة حزب الله وحلفائه الخارجيين.

والثابت أن التحالف الذي جمع حزب الله إلى ميشال عون اعتمد على قاعدة «عدو عدوي هو صديقي»، فالجنرال الذي يعترض على هيمنة سنيّة على مقدرات الدولة، التقى في اعتراضه هذا مع حزب الله في منتصف الطريق، لكنه، قطعاً، لم يلتق معه على تحديد ملامح المرحلة المقبلة.

من جهة ثانية، لا يخفى أن الإدارة السورية طوال العامين الماضيين أبدت استعداداتها لتقديم التنازلات في كل مكان تملك فيه بقية من نفوذ، في مقابل أن تكلف بمقاولة لبنانية ما، مهما كانت صغيرة. وإذ جوبهت بالرفض الدولي المتمادي، فإنها عمدت إلى محاولة تعطيل الحكم في لبنان ومنع السلطة السياسية والأمنية من تأدية مهمّاتها، لكن الإدارة السورية تدرك قبل غيرها من المتدخلين الخارجيين في الشأن اللبناني، أن جماع قبضتها يكفي لتعطيل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، لكن جهودها مهما تعاظمت لا تستطيع أن تغير في الاتجاهات السياسية اللبنانية، فهي تستطيع التهويل وتهديد الحياة اليومية في لبنان، وسجن النواب والوزراء، لكنها لا تستطيع تغيير مواقفهم، ذلك أنها لا تملك من الموارد ما يقيم أود دولة صغيرة كلبنان، ولا يمكن للعلاقة معها أن تغني عن علاقات التحالف مع دول عربية وغربية أخرى، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، لأن هذه العلاقات هي ما يجعل استمرار التنفس ممكناً في لبنان، ولو غدا الوطن الصغير والضعيف سجناً بفعل اليد السورية الثقيلة.

الخلاصة من هذا كله أن سورية ما بعد ربيع عام 2005 باتت قادرة على التعطيل والمشاكسة في لبنان، لكنها لم تعد قادرة على ضخ الدماء في شرايين الحياة اللبنانية من دون موافقة دولية على تنكّبها مثل هذا الدور.

على هذه الأرضية بدا الانقسام الماروني في لبنان بين تيارين متوازنين: واحد يمثله الجنرال ميشال عون، وآخر يتقاسم النفوذ فيه الرئيس الأسبق أمين الجميل والدكتور سمير جعجع، رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، نافذة مناسبة يمكن لسورية أن تطل منها على المشهد اللبناني الأعم. وبدا الرأي السوري مرجحاً في تمرير الاستحقاق الرئاسي اللبناني أو إعاقته. ذلك أن المعنيين الأساسيين بهذا الاستحقاق تفرّقوا وتخاصموا ولم يتركوا مساحة مشتركة في ما بينهم، ليتسنى لأي كان أن يستند إليها في التقرير بشأن الاستحقاق الرئاسي، فانقسام الموارنة إلى تيارين لا يجمع بينهما أي جامع، يجعل صناعة الرئيس المقبل مهمّة منوطة بغيرهم، سواء كان هذا الغير طرفاً داخلياً أم خارجياً، فلو اتفق الموارنة على رأي واحد وأجمعوا عليه من دون خروقات، لما استطاع أي كان لبنانياً كان أم فرنسياً أم سوريّاً الاعتراض على الخيار الذي استقر رأيهم عليه، لكنهم تفرقوا على بوابة الاستحقاق الرئاسي، وجعلوا من تفرقهم هذا بوابة يدلف منها إلى الداخل اللبناني كل من شاء من دول العالم بأن يتدخل في مصير الاستحقاق الرئاسي ومهمات العهد المقبل. ومن هذه البوابة التي لم يحرسها الموارنة جيداً دلف الدور السوري المتجدد إلى لبنان.

رسا اليوم حصاد الموارنة على قبض ريح، فلم يستطع الجنرال ميشال عون تحقيق حلمه في الوصول إلى سدة الرئاسة، والأرجح أن خصومه من الموارنة سيرضون برئيس أقل 14 آذارية مما كانوا يأملون.

* كاتب لبناني

back to top