إقصاء المبدع

نشر في 07-06-2007
آخر تحديث 07-06-2007 | 00:00
 محمد سليمان تساؤل محير يعن للذهن لدى متابعة ما يجري من أحداث على لسان المعلقين في الفضائيات وأجهزة الإعلام العربية .. أين المبدع العراقي الشاعر، والقاص، والروائي، والمفكر، وكاتب المسرح ؟ أين المبدع اللبناني والعربي؟

تلاحقنا الصحف وشاشات الفضائيات والإذاعات دوما بالأسماء والوجوه نفسها، لمتحدثين ومحللين صاروا ضيوفاً دائمين على وسائل الإعلام، بعضهم تخصص في الحديث عن الإرهاب وجماعاته، وبعضهم عن الواقع العربي المأزوم سياسياً واجتماعياً، والمهدد بالانفجار الطائفي والعرقي.

لكننا في أغلب الأحوال لن نرى بين الضيوف مبدعاً يتحدث عن الواقع المتردي أو عن الإرهاب، وكأن المبدع المسكون بالتاريخ والتراث وروح أمته وتحولات الواقع، الذي يحلم لبلاده بالأفضل والأرقى، قد فقد أهليته، ومن ثم حقه في المشاركة وإبداء الرأي، بل صار إقصاؤه «واجباً قومياً».

الجحيم العراقي وما يحدث فى لبنان يُبرزان ذلك الإقصاء المخزي.. فالفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى تستضيف غالباً ممثلي الطوائف والأحزاب الذين يسوقهم انتماؤهم الجهوي والعقائدي إلى تغليب مصالح الحزب أو الطائفة على مصالح العراق أو لبنان، فيساهمون، ربما من دون أن يعوا، في إشعال النار وتأجيج الصراع.

تساؤل محير يعن للذهن لدى متابعة ما يجري من أحداث على لسان المعلقين في الفضائيات وأجهزة الإعلام العربية .. أين المبدع العراقي الشاعر ، القاص، والروائي، والمفكر، وكاتب المسرح ؟ أين المبدع اللبناني والعربي؟

العراق كان مكتظا بالمبدعين والمفكرين القادرين على مد الجسور، ولم الشمل، والحديث عن العراق الوطن والتاريخ والتراث، وتذكير مواطنيه بذواتهم وثقافاتهم.

إقصاء هؤلاء لا يعني سوى الإفساح للخراب والموت والفوضى وتشجيع الناس فى العراق على الانتحار.

فى الأشهر الأخيرة أُقصي المبدع اللبناني، أيضاً ... ازدحم الشارع اللبناني بالمظاهرات والاعتصامات، واستضافت الفضائيات ووسائل الإعلام أطراف النزاع فقط، وممثلي المعارضة والحكومة، ومازال الصراع دائرا والمبدع اللبناني المجدد -رائد التحديث وعاشق لبنان- لا دور له.

بدأت موجة الإقصاء تلك فى الخمسينيات والستينيات، فجرى تهميش المبدع المعارض وغير المتحمس للنظام. بعضنا يتذكر ما حدث فى مصر فى أوائل السبعينيات مع وعود الرئيس السادات بحسم النزاع العربي الإسرائيلي في عام 1971، والمذكرة التي عُرفت بـ «بيان توفيق الحكيم»، التي وقعها عشرات المبدعين والكتاب عام 1972، احتجاجا على حالة اللاسلم واللاحرب، ومرور عام الحسم من دون حسم وما ترتب على نشر البيان والعقوبات التي لحقت بالموقعين بسبب انشغالهم بما لا يعنيهم وتطاولهم على الرئيس، وهي العقوبات التي كان من بينها المنع من الكتابة والطرد من الوظائف، بل التحقير من شأنهم بنقلهم إلى مهن ومهام أخرى في المجتمع بعيدة كل البعد عن عالم الفكر والإبداع.

هذه الواقعة رسخت ما يمكن أن نطلق عليه في عالمنا العربي «ثقافة» استبعاد وإقصاء المبدع، الذي صار عليه أن ينشغل فقط بإبداعه، وأن يتخلى مرغما عن دوره.

إقصاء المبدع أدى في النهاية الى إقصاء الإبداع ذاته وحجبه، وشيوع الركود والجمود، واجترار الماضي. ويكفي أن نسأل عن المبدعين العرب الكبار فى المجالات المختلفة، لكي تباغتنا الأسماء نفسها، التي لمعت قبل ثلاثين أو أربعين سنة، وكأن العالم العربي قد أُصيب بالعجز والعقم، ولم يعد قادرا على الإنجاب وتجديد ذاته.

ومن المفارقات ذلك الاتهام الشائع الذي يتردد دائما والموجه للمبدع بأنه يجلس في برجه العاجي غير آبه بمجتمعه ...المبدع المعزول. ليتبقى في نهاية الأمر تساؤل كثيراً ما يتردد، خاصة كلما ضاقت بنا السبل واشتدت المعاناة .. أين الشعراء والكتاب والأدباء والمفكرون؟ .. وكأن المبدع هو المسؤول عن إقصاء ذاته .

 

شاعر وكاتب مصري

back to top