تراكم الرقابات عطّل معرض الكتاب...والناشرون في انتظار غودو
بما يشبه الكوميديا السوداء، يرد ناشر لبناني على سؤال بشأن نسبة زوار معرض الكتاب المتدنية هذا العام، فيعلق بتهكم «إنه اليوم الأول، وسيأتون قريبا»... الرجل قال هذا الكلام في اليوم الرابع للمعرض، لكنه يؤنس وحشة المكان، الذي ظل على مدى سنوات «أفضل معارض الكتاب العربية على الإطلاق»، كما يقول بأسى «لكن انتظاره سيطول حتما، كما يحصل في مسرحية الكاتب الايرلندي الشهير صموئيل بيكيت «في انتظار غودو» رائد مسرح العبث. فالانتظار هنا عبث حقيقي، خصوصا عندما يكون الشيء المُنتَظر لا وجود له أصلاً».قد ينتهي معرض الكتاب يومه الأول، ولعله انتهى، لأنه ولد كسيحا هذه المرة، بعد أن أصابه في مقتل غلاة المتطرفين الدينيين، اذ انهم ترصدوه بلا كلل حتى تمكنوا من نزع روحه تدريجياً، وجعلوا وصايتهم سيفا مصلتا عليه، وبثوا الرعب حوله، وأخافوا مريديه والقائمين عليه في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وحولوه الى مكان يثير الرهبة، بدلا من البهجة والسكينة اللتين كان ينشدهما زواره ومحبوه. فلم يعد ظاهرة ثقافية جاذبة، يترقبها الكويتيون سنويا، بل اصبح صومعة لكتب الغيبيات والفكر الماضوي السلفي، وخليطاً من الأبحاث الركيكة والعناوين الرسمية والكتب القديمة، عدا قليلاً من العناوين المهمة لا يكاد ينتبه إليها الحضور، وسط حالة القلق التي تسيطر على الجميع.
الضربة القاتلة جاءت عبر ما أسماه ناشر كويتي «تراكم الرقابات» التي أدت الى عزوف الناس عن حضور معرض الكتاب، بعد أن «استشعروا» أن الرقابة عبر سنوات من الضغوط والتعسف والقمع تمكنت من فرض كتبها و«فتاواها»... وانسحب الأمر على الناشرين أنفسهم، فلجأوا الى ما يسمى «الرقابة الذاتية» ولم يجلبوا بعض الكتب التي يرون انها لن تفسح أو تمرر، لدرجة أن الرواد الأساسيين للمعرض، الذين يحرصون على الحضور سنوياً ويعدون قوائم للكتب المفضلة، غادروا مخذولين. لعل المشرفين على المعرض ساهموا في إفشاله، وقضوا على ما بقي فيه من رمق، عندما غيّروا موعد إقامته من 23 نوفمبر من كل عام، وهو الموعد الذي يواكب نهاية الشهر، وهي فترة صرف رواتب الموظفين، وأعادوا جدولته الى 13 من الشهر نفسه، ما أثر أيضا في نسبة الحضور، إضافة إلى أن المجلس الوطني للثقافة لم ينشر إعلانات كافية، حتى إن معظم الزوار جاءوا الى المعرض بعد تلقيهم اتصالات من زملاء أو أصدقاء، ويبدو أن الكثيرين لا يعلمون موعد حلول معرض الكتاب الجديد. وسيترقبون الموعد المعروف سابقا، وسينتظرون أيضا شيئا لن يأتي...!الناس ينتظرون من السلطة أن تفعل شيئاً، بعد أن استحالت الكويت دولة معطلة، فقدت دورها وريادتها، محبطة، معزولة، خطفها مجموعة من الانتهازيين، يمارسون عليها وصاية خانقة، وسط حال من الاحتقان تسود المواطنين، بعد أن تخلت عنهم السلطة، وتركتهم تحت رحمة قوى لا تؤمن بالحرية والتعددية والقبول بالآخر، وذهبت كل آمالهم الى اللاجدوى... ولا خلاص لهم سوى الانتظار، كي يأتي المنقذ وينتشلهم من القنوط الذي تمكن منهم، وحتى الآن «لا شيء يحدث ولا أحد يجيء» كما في المسرحية، وكما هو الواقع... الانتظار سيد الموقف.