نَفَقَ الطاغية وعاش الشعب

نشر في 07-08-2007
آخر تحديث 07-08-2007 | 00:00
 د. شاكر النابلسي

وقف الأحرار في العالم العربي موقف الرافض لهذا الغزو. وحللوا نتائج هذا الغزو في حينها، وقد صدقت رؤاهم بعد ذلك، وتحقق ما توقعوه، أو حذّروا منه، نتيجة لهذا الغزو البربري.

تحتفل الكويت هذه الأيام بالذكرى السابعة عشرة لتحريرها من الغزو البعثي الصدامي الغاشم، ولا نقول الغزو العراقي. ذلك أن العراق وشعب العراق لم يغزُ الكويت، ولم يفكر في يوم ما بالاعتداء على أحد جيرانه.

فالعراق أرض شاسعة، ولا يحتاج إلى مزيد من الأرض. والعراق بلد غني بموارده، ولا يحتاج إلى زيادة موارده. والعراق غني بتاريخه، ولا يحتاج إلى روافع تاريخية لزيادة قدره وتقوية دوره في المنطقة. والعراق كبير بنخبه الثقافية المختلفة، ولا يحتاج إلى مزيد من هذه النخب من أي جار من جيرانه.

الحزب النازي التوسعي

ولكن حكم البعث الصدامي هو الذي غزا العراق. لأن حزب البعث في الأساس حزب نازي فاشستي توسعي، كبقية الأحزاب النازية الفاشستية في العالم. وقد قرأنا ماذا فعل الحزب النازي الألماني في أوروبا، وكيف دمّر أوروبا من أجل تحقيق توسعاته وسيطرته. وكيف خسرت أوروبا ملايين القتلى ضحايا بريئة لنزوات وعنتريات الحزب النازي الألماني. وكذلك فعلت الفاشية الإيطالية.

وهذا ما كان يريد أن يفعله حزب البعث الصدامي بدءاً بالكويت وانتهاءً بكافة دول الخليج ربما، لولا العناية الأميركية، والعناية الشرعية العالمية، التي توحدت ودحرت العدوان، وأوقفته عند حده، وسجنت النظام العراقي طيلة أكثر من عشر سنوات داخل العراق، وقاطعته، وعزلته.

كذلك فعل حزب البعث السوري النازي بغزوه للبنان، وتطلعه الشره للسيطرة على المنظمات الفلسطينية، وبعض الأحزاب الأردنية من دينية وقومية، لكي يضمن مستقبلاً نجاح أي امتداد سياسي وعسكري توسعي له. وهو الذي كان يحلم بسورية الكبرى العظمى من جديد، متمثلة بسورية، ولبنان، والأردن، وفلسطين. وكانت أول خطواته غزوه لبنان بحجة التدخل العسكري للفصل بين المتحاربين اللبنانيين والفلسطينيين. وبقي في لبنان بعد ذلك محتلاً، طيلة ما يقارب من ثلاثين عاماً. ولولا العناية الأميركية، وعناية مجلس الأمن، وعناية القوى الشرعية في العالم لبقي حزب البعث النازي طوال العمر في لبنان، الذي اعتُبر محافظة من المحافظات السورية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، سياسةً وإدارةً واقتصاداً وأمناً وجيشاً.. إلخ.

أحلام الطغاة ومواقف الأحرار

كان هناك الكثير من المثقفين العراقيين الأحرار من عرب وكرد، من الذين رفضوا الغزو منذ لحظته الأولى، واستنكروا تلك الجريمة الشنعاء التي ارتكبها طاغية العراق. فضمير العراق الحر لم يكن إلى جانب الغزو، وإنما كان ضده. فليس لهذا الغزو ما يبرره غير الشبق السياسي والتوسعي الإمبراطوري الذي كان الطاغية يحلم به ويتخيّله. فقد روى لنا الصحافي العراقي سعد البزاز، في كتابه، أن قرار الطاغية في غزو الكويت بُني على رؤيا رآها الطاغية في منامه، ووجد نفسه ملزماً بها. فكان غزو الطاغية هي إرادة الله ودورنا هو تنفيذها وحسب، وليس قراره الشخصي، كما قال الطاغية في 10/8/1990 في اجتماع مع المخابرات العسكرية العراقية. (كتاب الجنرالات آخر من يعلم، ص 101). وهذا يدلُّ على أن لا عقلانية في صناعة القرار العربي. فغياب العقلانية السياسية يتمثل في غياب الحداثة السياسية المتمثلة بالتداول السلمي على الحكم، والانتخابات النزيهة، وقيام دولة القانون، وقيام المؤسسات الحديثة، واحترام حقوق الإنسان والمواطن. طبعاً هذه الغيابات كلها فادحة، ويغذي بعضها بعضاً. لكن ربما كان أشدها فداحة هو غياب العقلانية السياسية، وبروز لاعقلانية صناعة القرار.

وقد وقف الأحرار في العالم العربي موقف الرافض لهذا الغزو. وحللوا نتائج هذا الغزو في حينها، وقد صدقت رؤاهم بعد ذلك، وتحقق ما توقعوه، أو حذروا منه، نتيجة لهذا الغزو البربري.

الدروس المستفادة من الغزو البربري

تحدث الدكتور منذر الفضل القانوني العراقي المعروف وعميد كلية الحقوق بجامعة الزيتونة الأهلية سابقاً في بحثه المطوّل (غدر بالجار وهدم للديار)، عن الدروس المستفادة من غزو الكويت، ولخصها على النحو التالي:

1 - إن حكم الفرد، ونظام عبادة الشخصية، والاستبداد، يقود حتماً إلى الكوارث. وأن بناء الديموقراطية، وحكم القانون، هو الضمانة للعيش بسـلام. ولا سلام بلا احترام للقانون الدولي، وللاتفاقيات الدولية، ومعايير حقوق الإنسان. كما لا يمكن بناء السلام والاستقرار مع وجود أعداد من الإرهابيين والتكفيريين والصداميين، وازدياد ثقافة العنف والتطرف.

2 - إن انتهاء سلطة القانون، تعني حتماً بداية الطغيان، وإلحاق الأذى بالآخرين. ولعل أهم الدروس المُستقاة من «عاصفة الصحراء» هي أن انعدام وجود المؤسسات الدستورية، وشيوع الخوف، وإهدار حقوق الإنسان، وإرهاب الدولة، وشيوع الظلم، يقود إلى الكوارث على الشعوب.

3 - إن استخدام القوة في حل المشاكل والأزمات بين الدول هو خطأ جسيم، سواء أكان القائم بهذا العمل دولة واحدة أم أكثر. إذ لا يجوز تعريض الأمن والسلم الدوليين من خلال النزاعات المسلحة والحروب التي يدفع ثمنها المدنيون والأبرياء. وأن هناك وسائل عديدة لمحاسبة المجرمين الدوليين والأنظمة السياسية التي ارتكبت الأخطاء. وهناك عقوبات ذكية تقوّض الأنظمة التي تنتهك القانون، ولا تؤذي الشعوب المغلوبة على أمرها، وتسهم في عملية التغيير.

غزو الكويت إحدى حاضنات الإرهاب

يرد بعض المفكرين، ومنهم المفكر التونسي العفيف الأخضر، أسباب الإرهاب المعاصر إلى عدة أسباب، منها سياسية، ومنها اجتماعية، ومنها ثقافية. ومن أحد هذه الأسباب السياسية إسقاط المسلمين من عرب ومن غير العرب المثل الأعلى على القادة السياسيين الدينيين كالخميني، وحسن نصر الله، ويوسف القرضاوي وغيرهم. وإسقاط المسلمين كذلك، على هؤلاء ، التخيّلات والأحلام، التي عجزوا عن تحقيقها بأنفسهم. وانضم إلى هؤلاء، القوميون الذين بايعوا عبد الناصر من قبل وصدام حسين وحافظ الأسد من بعد، كأبطال منقذين.

لقد شكّل غزو الكويت البعثي البربري، حالة من الفوضى في العالم العربي. وبدا العالم العربي عالماً لا يحكمه قانون أو مواثيق، ولا تحكمه مؤسسات سياسية دستورية. كما بدا العالم العربي في عام 1990 وما بعد ذلك، عالماً لا يستشير فيه الحاكم أحداً بشأن قرارات الحرب والسلام، وإنما يتخذ مثل هذه القرارات الخطيرة التي تودي بمستقبل الأوطان والشعوب، وتنزل الكوارث والخسائر الجسيمة بالأوطان والشعوب كذلك، بمحض إراداته، وبرغبته الشخصية، وقراره الخاص، وبناءً على رؤيا في المنام، كما كانت الحال لدى الطاغية في غزوه للكويت. وكما كانت الحالات السابقة مع عبد الناصر في حربه مع إسرائيل عام 1967 ، وكما هي الحال القريبة مع حسن نصر الله، في إعلانه الحرب على إسرائيل في يوليو 2006.

هذه الحالة من الفوضى التي أعقبت الغزو البربري للكويت هي التي شجعت الإرهاب والعنف على الانتشار على النحو الذي نراه الآن. فغزو الكويت البربري كان قمة الإرهاب المنظم الصادر عن دولة كانت تدعي محاربة الإرهاب. وما الإرهاب الذي نشهده اليوم غير تفاصيل وجزئيات للإرهاب الأكبر الذي بدأ في عام 1990 وبعد هذا التاريخ انطلق الإرهاب يعمُّ العالم العربي، ولما يختفي، أو ينتهي بعد.

ولعل العبرة الكبيرة التي نخرج منها من مثل هذه الكوارث هي نفوق الطغاة وبقاء الشعوب حرة كريمة.

كاتب أردني

back to top