وجهة سلاح حزب الله ومآله

نشر في 19-03-2008
آخر تحديث 19-03-2008 | 00:00
 بلال خبيز

«حزب الله» الذي تتهمه قوى الأكثرية في لبنان بأنه يملك مفاتيح حرب لبنان وسلمه بين يديه، يبدو اليوم، وبعدما توضحت الصورة تماماً، أعجز من امتلاك هذين المفتاحين أصلاً. فرغم حجم التسلح الهائل ورغم البسالة التي تميز مقاتليه، فإن مفاتيح الحرب والسلم مازالت في يد سورية، أما ما يملكه «حزب الله» فلا يتعدى قرار الخوض في حرب داخلية.

لا يعلق قادة «حزب الله» اللبناني على الأخبار والمعلومات التي تتداولها وسائل الإعلام بشأن الاجتماعات السورية–الإسرائيلية، رغم أن ما يرشح من معلومات يبدو في ظاهره، شديد الخطورة على مصير هذا الحزب. حيث سُربت أخبار لوسائل الإعلام الغربية والعربية أكثر من مرة تفيد بأن المفاوضات السورية-الإسرائيلية تدور على رأسي «حزب الله» و«حماس». ولا يخفي قادة إسرائيل هذا السعي من جانبهم. فالخطر الأساسي بالنسبة لهؤلاء، ودائماً بحسب تصريحاتهم العلنية، يتمثل في برنامج التسلح النووي الإيراني. وهم لهذا الغرض يحملون الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية هذا الملف وحل مشكلاته بما لا يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي يهدد إسرائيل في وجودها. ويطالبون بلا كلل بضمان الولايات المتحدة الأميركية والعالم الغربي عموماً أمن إسرائيل والدفاع عنه.

قادة «حزب الله» يعرفون أن بعض المفاوضات التي تجري في المنطقة تجري على رأس هذا الحزب. لكنهم يجدون أنفسهم بلا حول ولا قدرة على المقاومة. ذلك أن المطروح على «حزب الله» في كل الأحوال، لا يتعدى أن يتخلى الحزب عن سلاحه ويندرج ضمن أطر السياسة اللبنانية بضمانات داخلية راجحة، إنما من دون ضمانات خارجية من أي نوع. عدا ذلك، يعرف القاصي والداني في لبنان، مواطنين ومسؤولين، أن إسرائيل تعد عدتها لاستئناف الحرب الناقصة التي حدثت في يوليو من العام 2006. وما إن تستكمل الاستعدادات اللوجستية والسياسية حتى تشرع إسرائيل في حربها هذه التي تريد منها رد الاعتبار إلى قوة جيشها الردعية. ولا شك أن «حزب الله» الذي يعاني اليوم آثار الاستعدادات الإسرائيلية لشن هذه الحرب، هجرة سكانية وانهياراً لشبكة الأمان المحلية على مستوى الداخل اللبناني، ينظر بعين الريبة إلى كل ما يجري على جبهة المفاوضات الإسرائيلية – السورية. لكنه من ناحية ثانية يعرف أن ما يؤخر إسرائيل عن الشروع في هذه الحرب المدمرة، ليس أكثر من انتظار إسرائيلي لنتائج هذه المفاوضات. فإذا أثمرت انسحاباً سورياً من «محور الشر»، مقابل انسحاب إسرائيلي ما من هضبة الجولان المحتلة، واعتراف دولي، تسعى إسرائيل إلى تسويقه، بنفوذ سوري في لبنان، باتت الحرب ضد «حزب الله» أسهل على الجانب الإسرائيلي من حرب تحتمل في أحد وجوهها أن تدخل سورية وإيران في أتونها، مع ما يعنيه هذا كله من تهديد للأمن الإسرائيلي.

يعرف «حزب الله»، بالخبرة والمراس، أن الدبلوماسية السورية لا تفرط بسهولة في ما تعتبره من مكاسبها، ويعرف أيضاً أنها تحافظ على كل أوراقها طوع بنانها حتى اللحظة الأخيرة. لكن اللحظات التي تعيشها المنطقة هذه الأيام تبدو فعلاً لحظات أخيرة، فالحشود العسكرية على جوانب الحدود، في سورية ولبنان وإسرائيل، باتت جاهزة لأي احتمال. والوقت ينفد من جميع الأطراف، فلا يحتمل «حزب الله» النزف البشري الذي تعانيه مناطقه طويلاً خوفاً من تجدد الحرب، ولا تستطيع إسرائيل المغامرة باحتمال وصول تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى درجة لا عودة عنها، كما لا تحتمل تسليحاً وتدريباً متمادياً لـ«حماس» في غزة يجعل صواريخها طويلة المدى على نحو تتكامل معه مع صواريخ «حزب الله» المتوسطة المدى، لتغطي بذلك إسرائيل من جنوبها إلى شمالها بالنار، أما سورية فرغم النجاحات التي تصيب سياستها في لبنان مرحلياً، فإنها موعودة بمحكمة دولية قد تجعل التدخل الدولي في سورية أمراً مفروغاً من وجاهته. مما يعني أن الأطراف جميعاً تسابق الوقت قبل أن تلعب أوراقها الأخيرة. وفي هذا السياق تجهد إسرائيل لتحقيق الخرق على جبهة المفاوضات السرية مع سورية، لأن تحقيق مثل هذا الخرق يضع مقاومات الوقت الضائع من لبنان إلى فلسطين فالعراق في مأزق حرج. وقد يحقق آمال إسرائيل المتوسطة المدى دفعة واحدة. هذا وإلا ستجد إسرائيل نفسها مجبرة على خوض حرب شاملة تريد لها أن تكون آخر حروبها، وتهزم فيها خصومها دفعة واحدة بما لا يسمح لهؤلاء بالقيامة من بعدها.

«حزب الله» الذي تتهمه قوى الأكثرية في لبنان بأنه يملك مفاتيح حرب لبنان وسلمه بين يديه، يبدو اليوم، وبعدما توضحت الصورة تماماً، أعجز من امتلاك هذين المفتاحين أصلاً. فرغم حجم التسلح الهائل ورغم البسالة التي تميز مقاتليه، فإن مفاتيح الحرب والسلم مازالت في يد سورية، أما ما يملكه «حزب الله» فلا يتعدى قرار الخوض في حرب داخلية تزيد من حظوظ سورية في الهيمنة على لبنان.

* كاتب لبناني

back to top