تسوية لبنانية لمنع الاقتتال وليس بعده

نشر في 06-01-2008
آخر تحديث 06-01-2008 | 00:20
 محمد جاسم الصقر مع تمنياتنا بأن يسفر اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد اليوم في القاهرة عن حل للأزمة السياسية اللبنانية، فإن التفكير المنطلق من الوقائع التي عايناها في بيروت في الأيام الأخيرة يجعلنا ندرك الصعوبات التي تعترض محاولات حلحلة العقد الماثلة في مطالب الأطراف اللبنانية والتي تمنع تفكيك الألغام المزروعة من هنا وهناك في طريق انتخاب رئيس جديد للبنان.

جيد أن تستأنف الجامعة العربية محاولات الوساطة، وأن تصر على أن النظام العربي معني بأزمة لبنان ومعني بمنع انزلاق هذا البلد الى فراغ مستديم في سدة الرئاسة الأولى. فهذا الفراغ مفخخ بتهديد السلم الأهلي، ويحذر منه فرقاء النزاع أنفسهم ويعون مخاطره من دون أن يتمكنوا من إلغاء العوامل التي يمكن أن تفجره، لكن الجامعة مجتمعة والمجتمع الدولي والجهود الفردية للدول المؤثرة لم تتمكن رغم المحاولات الحثيثة منذ اكثر من عام من لأم الشرخ الذي أصاب الحياة السياسية اللبنانية اثر استقالة وزراء «حزب الله» و«أمل» الممثلين للطائفة الشيعية واندلاع الجدل بشأن دستورية الحكومة ثم لاحقا بشأن دستورية نصاب انتخاب رئيس الجمهورية.

ومن غير الدخول في تعقيدات تحالفات أو علاقات الأطراف السياسيين المحليين مع القوى الاقليمية والدولية وموقع لبنان في الصراعات الدولية، فما لا شك فيه هو ان الازمة في لبنان تخطت كونها ازمة سياسية عادية، لتتحول الى أزمة وطنية تهدد كيان هذا البلد ودولته ووحدته وسلمه الأهلي وعيشه المشترك بين الطوائف والمذاهب، والذي هو مثال اعتدال يجب ان يتم تعزيزه ودعمه في زمن الهويات القاتلة وانفجار الصراعات الطائفية والنزعات المتطرفة التي تهدد استقرار الدول العربية والاسلامية.

إن وصول الأزمة السياسية والدستورية في لبنان الى هذا الحد من الخطورة يدفع الى التفكير حتما بتطوير الصيغة اللبنانية الدستورية كي تستطيع احتواء التناقضات البنيوية المستجدة والتي ما كانت لتظهر لو ان دستور الطائف الذي أقر قبل 19 عاما تمكن من احتوائها.

في هذا الاطار يفهم تماما تمسك القوى السياسية العاقلة بدستور الطائف، الذي كلف الوصول اليه حروبا لبنانية متناسلة ومئتي ألف قتيل وتهجير وهجرة. غير أن هذه القوى نفسها تؤكد بمرارة ان الطائف لم يطبق وان أول رئيس لجمهورية «الطائف» وهو رينيه معوض اغتيل في عام 1989 بعد أيام من انتخابه لمنع تطبيق هذا الاتفاق. هؤلاء السياسيون يقرون أيضا أنه لو طبق الاتفاق لما حصل الخلل في الحياة السياسية اللبنانية مدة 15 عاما من 1990 حتى عام 2005، ولا تدهور الوضع واغتيل الرئيس الحريري في ذاك العام وانهارت العلاقات السورية – اللبنانية بعد انسحاب القوات السورية بفعل قرار مجلس الامن رقم 1559.

كل المدافعين عن اتفاق الطائف، ونحن منهم، يقرون بأن الاتفاق ممتاز ولكنه لم يجد يوما طريقه الى التطبيق الصحيح. كان الحديث قبل اغتيال الرئيس الحريري عن خلل في الاتفاق وتطبيق منقوص، لكن السلم الأهلي كان مضبوطا، أما اليوم فالحديث عن قصور الاتفاق علني والسلم الاهلي في مهب الرياح. فكيف يكون الاتفاق بشكله الحالي ضابطا للحياة الدستورية والسياسية والوطنية؟

دستور الطائف جيد من حيث تأكيده ثوابت لبنان لجهة نهائية الكيان اللبناني وعروبته والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، لكن ما استجد في العام الاخير يطرح أسئلة أخرى. فالنظام البرلماني، الذي يقره الدستور هو أكثري لا فيتو فيه لطوائف أو مذاهب، خصوصا في الحكومة، في حين ان عنوان المشكلة بين المعارضة والأكثرية حاليا هو الديموقراطية التوافقية وحق الطوائف الكبرى في ممارسة الفيتو بما يناقض المكتوب في الدستور، فهل يحتاج ذلك الى توضيح دستوري أم يبقى وجهة نظر ونزاعاً؟

مسألة النصاب في انتخاب رئيس للجمهورية عنوان آخر للنزاع الدستوري... أكثرية الثلثين أم النصف زائدا واحدا أم الاقتراع بمن حضر؟ مواد دستورية تفسيرها مدعاة نزاع بين الأطراف ينعكس على الشارع وعلى حياة اللبنانيين وعلى بقاء جمهوريتهم، وهي تحتاج حتما الى تفسير دستوري واضح وصياغات محددة.

العنوانان السابقان مثال من أمثلة عديدة تحتاج الى حسم ليعرف اللبنانيون في ظل أي نظام يعيشون ولينعموا بحياة دستورية مستقرة ولا يتعرضوا كل فترة الى امتحان مصير.

ثارت ثائرة البعض من كل الأطراف حين قلنا بوجوب التئام مؤتمر حوار وطني ليصل الى «طائف – 2» في حين ان القيادات اللبنانية كلها التقت على طاولة حوار قبل نحو عام ونصف العام لمناقشة المسائل الخلافية، في اجتماع تم خارج المؤسسات الدستورية، أي خارج البرلمان وخارج الحكومة.

ألم تكن تلك محاولة لتكريس تقاليد سياسية وأعراف من خارج دستور الطائف؟ فلماذا الاستنكار الآن؟

طرح تطوير الطائف ليس خاطئ التوقيت، انها الازمة الخطيرة التي يعانيها لبنان، والتي لم يستطع الطائف منع حدوثها، هي التي تستدعي هذا التطوير، وهو الوقت المناسب لأن الاتفاق على التطوير سلما أفضل بكثير من الرضوخ لمستلزماته بعد الاقتتال.

فليجلس اللبنانيون معا الآن لتحقيق صيغة تضمن بقاء دولتهم وتطورها وسلمهم الأهلي بدلاً من أن يجتمعوا لاحقا مرغمين بعد خراب البصرة ودفع الاثمان دماء ودموعاً وخرابا من كل الأنواع.

يمكننا أن نكون مثاليين فندعو اللبنانيين الى العودة الى دستورهم وحرفيته اليوم والانتظام تحت سقف القانون، حبذا يحصل ذلك. لكن تعقيدات الازمة وتشابكاتها وتغير الظروف السياسية ونظرة القوى السياسية الى قوتها تجعل محبي لبنان يناشدون القوى السياسية الالتقاء اليوم قبل الغد لتطوير صيغة العيش المشترك سواء سمي هذا التطوير مؤتمر حوار أو تفسيراً للطائف أو ملحقاً بالدستور أو طائفاً ثانياً.

إن لبنان مسؤولية عربية، وصيغة لبنان التعددية حاجة اسلامية مسيحية عامة، والجامعة تستطيع المساعدة، لكن الشجاعة مطلوبة من القوى السياسية اللبنانية لتقر بالواقع وتفكر بالمستقبل وتمنح اللبنانيين فرصة الحياة المستقرة.

back to top