الأم وابنتها... علاقة صداقة أم عداوة؟
الأم مدرسة، مثال حنان وعطاء، حضن دافئ، حبها يشعر الأبناء بالطمأنينة والأمان.
غالباً ما تواجه العلاقة بين الأم وأبنائها، ولا سيما بناتها، عاصفة قوية محوّلة تلك العلاقة الى مسار جديد لا يصمد أمام أيّ مشكلة عابرة.تتأرجح علاقة الوالدة بابنتها بين حالتين، إمّا صداقة مثلى تجمع بينهما أو عداوة مطلقة تفرقهما يوماً فآخر. لا حل وسطاً بين الحالين، فإما التصاق تام أو ابتعاد كلّي، فمن المسؤول عن متانة تلك العلاقة أو هشاشتها؟ ومن هو صاحب القرار وحامل مفتاح الحل؟ أسئلة كثيرة شغلت الأهالي والأبناء وعلماء النفس في آن سعياً الى حل فاعل لتوطيد الصلة بين الأم وابنتها.صراحة مطلقةيرى اختصاصيو علم الاجتماع أن في إمكان الأم كسب ود ابنتها في حال أحسنت التعامل معها، لا سيما في فترة المراهقة التي تحمل تبدلات جسدية وفكرية لدى الأبنة فتحاول التأقلم معها بطرق مختلفة.على الأم في هذه الحالة أن تحسن التصرف فتتفهم التحول الطارئ لدى ابنتها. تتعامل معها بوعي تام وصراحة مطلقة وانفتاح متزن مع ما يواكب ذلك من مراقبة عن بعد من غير تدخل في خصوصياتها، بل تدع لها فسحة لتتصرّف بحرية من دون ان تلاحظ عينيّ أمها الثاقبتين اللتين تلاحقانها بحذر.ينبع حسن المعاملة من متابعة الأم لابنتها في فترة مراهقتها وبوعي تام فتكون رقيقة ومتفهمة أحياناً وصارمة أحياناً أخرى.مرّت سعاد (أم لفتاتين) بهذه الفترة العصيبة مع نور ورغد. كانت لكل منهما معاملة ذات طعم خاص. كان التعامل مع نور، الفتاة البكر، صعبا للغاية. لم تكن سعاد على علم بعد بكيفية استيعاب تصرفاتها لدى بلوغها سن المراهقة. كانت الأم تعارض نور حين تصر على الخروج برفقة أصدقائها وصديقاتها وغالباً ما تحرمها من الخروج معهم. أسفر ذلك عن شجارات مستمرة بينها وبين نور طوال سنوات عديدة الى أن أدركت سعاد أن عنادها وإصرارها على معارضة ابنتها أبعد نور تدريجياً عنها. فضلت الإبنة الأنزواء في غرفتها مستعمة إلى الموسيقى الصاخبة على مجالسة أمها والسعي الى كسر الجليد القائم بينهما. لعل تصرفها العشوائي أفقدها صداقة نور. مكنتها التجربة الفاشلة من التسلح بخبرة ذات فائدة ومدروسة ساهمت في احتضان ابنتها الصغيرة رغد وكسب صداقتها. تعترف سعاد بأن قسوتها على نور نابعة من خوفها من انخراطها في مجموعة من الشبان المتهورين الذين قد يبعدونها عن واجباتها المدرسية وأخلاقها. مع مرور الوقت رأت ان الحل ليس حرمان الفتاة من الخروج مع أصدقائها بل التعرف إلى هؤلاء الأصدقاء قبل إطلاق الأحكام المسبقة والتأكد من حسن أخلاقهم ثم العمل على التقرب أكثر من الإبنة لكسب ثقتها ثم توجيه النصائح اليها بطريقة غير مباشرة وسلسة حتى لا تشعر في أوج مراهقتها بالضغط. عندئذ تتقبل الإبنة الارشادات بسعة صدر وتعمل لا شعورياً على تطبيقها لإرضاء صديقتها الجديدة.تندم سعاد على فترة المراهقة التي مرت بها نور لما في الندم من تباعد الطرفين رغم أنهما عادتا مقربتين الى حدّ معين إثر مرور هذه المرحلة. إلا ان سعاد تتحسّر قائلة: «ليت في استطاعتي استرجاع هذه الفترة تحديداً لكنت تصرفت أكثر انفتاحاً ولاستمتعت بمتابعة التحوّل الذي طرأ عليها وبالتالي مشاركة أسرار ابنتي التي ما زلت أجهلها حتى اليوم».المراهقة مرحلة فاصلةمرحلة المراهقة حكم يقرر سير العلاقة بين الأم وابنتها. في حال مرّت هذه الفترة بسلام تنشأ صداقة حميمة بينهما. أمّا لو تخللتها عواقب سيئة وعجزت الأم عن استدراكها وحلها قبل تفاقمها لأصبحت الصلة بينهما مجرد «رابط بالدم» أو عداوة مريرة تُدخل العائلة بأسرها في دوامة من الشجارات.مرحلة صعبة على الفتاة محاولة التأقلم بهدوء مع أي تغيير جسدي أو نفسي غالباً ما تفشل في ضبط أعصابها فتثور غضباً ولا سيّما على والدتها، وفي حال تمالكت الأم نفسها ساعية الى تفهم الوضع الحرج فقد تنجح في كسب مودة ابنتها، وتقوم بينهما أحياناً صداقة حميمة من خلال التجربة الخاصة التي عرفتها الأم في المرحلة نفسها من المراهقة، فتجنب ابنتها الأخطاء التي ارتكبتها هي وتزودها الحلول المناسبة لتتخطى الصعوبات.لعل المشكلة الأبرز التي غالباً ما تخلق الخلاف بين الطرفين هي رغبة الفتاة، في هذه الفترة تحديداً، بالاختلاط بالجنس الآخر. عليها اللجوء انذاك الى والدتها طالبة النصح والإرشاد لاكتمان مشاعرها الغرامية التي تربطها بالشاب. إثر تراكم الأسرار والأكاذيب تتعرض الفتاة لمشاكل كثيرة وتقع ضحية سهلة المنال لشبان متهورين قد يوهمونها بالحب عبر الكلام المعسول. لو تسلحت بتوجيهات أمها لتمكنت من التمييز بين الشبان الصالحين وأولئك الفاسدين مبعدة نفسها عن الخيبة والحسرة، وفي حال تجاهلت إرشادات أمها سالكة طريقاً خاصاً بها، في حين لم تنضج بما فيه الكفاية لاتخاذ القرارات الصائبة، فستصاب بالخوف والندم وتؤثر العزلة على كشف أسرارها الدفينة لأمها خوفاً من الشجار والعقاب.ديما شابة في العشرين كانت مقربة من أمها قبل تعرفها الى شاب خلق جواً من التشنج بين الأم وابنتها. اعترضت الأم على أن تواعد ابنتها هذا الشاب الذي وصفته بالمتهور ولا سيما انه يكبر ديما سنا التي لم تتجاوز السادسة عشرة. تجاهلت الإبنة نصيحة أمها وخرجت مع الشاب سراً مختلقة الأكاذيب مراراً. تجنّبت التحدث الى أمها خوفاً من زلة لسان قد تفضح علاقتها السرية. فشلت الأم في التقرب من ابنتها رغم محاولاتها المتكررة. ابتعدت ديما عن أمها لتتقرب من حبيبها وصديقاتها حتى تبين لها بعد حين أن أمها كانت محقة. فضلت علاقتها بالشاب وعادت لتكسب ودّ الأم غير أنها احتفظت بأسرارها ليس تخوفاً من رد فعل نادين فحسب بل تفادياً للشعور بالذنب.للابتعاد عن الأم أيضاً أسباب كثيرة منها الغيرة، تفضيل الأبناء على البنات، انشغال الأم بوظيفتها، تعلق الفتاة بأصدقاء يعوّضون عليها صداقة أمها وسوى ذلك من الأسباب من شأنها بناء جدار بين الأم والإبنة. قد تنجح المحاولات أحياناً في تحطيم هذا الجدار لكن غالباً ما تخفف المساعي فيتحول الجدار الى سور محصّن لا يمكن أيّاً من الطرفين تجاوزه.