سياسة قطاع الطرق

نشر في 30-01-2008
آخر تحديث 30-01-2008 | 00:00
 بلال خبيز

يبدو أن التسوية التي يرجوها الرئيس نبيه بري بين السعودية وسورية غير ممكنة في ظل هذه الأوضاع، ذلك أن الدور السوري في لبنان فقد مبرراته الفعلية، ولم يعد ثمة من طريق أنسب للنظام السوري غير سياسة قطاع الطرق، التي من خلالها يستطيع المشاغبة على دور أكبر يتجاوز لبنان.

من نافل القول إن سورية تملك نفوذاً في لبنان، إنما يجب القول أيضاً إن دولاً عربية أخرى تملك في هذا البلد نفوذاً غير خاف على أحد، بل إن اتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية في العام 1989، حسم في ثقل النفوذ السعودي في لبنان الذي مثله الرئيس الراحل رفيق الحريري حتى اغتياله. وبهذا المعنى فإن عملية الاغتيال أتت في وجه من وجوهها في سياق محاولة ضرب النفوذ السعودي في لبنان، بعدما بدا للنظام السوري أن مراكز القوة تجمعت في يديه، وأنه بات في إمكانه الانفراد الكامل في حكم لبنان من دون شريك عربي أو دولي.

في السنوات التي أعقبت اتفاق الطائف تعايش المشروعان العربيان في لبنان تعايشاً كان مرضياً للطرفين، فكان البلد يخوض حرباً لا يهدأ لها أوار على حدوده الجنوبية، بينما تشهد عاصمته وبعض مناطق الجبل اللبناني ورشة إعمارية لا مثيل لها في المنطقة. ولم يكن ممكناً جمع النقيضين تحت سقف بلد صغير كلبنان، من دون توافق دولي وعربي على التعايش بين مشاريع متعارضة من حيث طبيعتها.

لم تلبث التطورات الأمنية والسياسية في لبنان أن تبدلت، فأدى الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، إلى شل الذراع السورية المحاربة، وتالياً، جعل النظام السوري يشعر بأن مصلحته الفعلية باتت تقتضي الانفراد التام بحكم لبنان من دون منازع أو شريك. وحيث إن مسمار مزارع شبعا الذي أبقته الإدارة السورية معلقاً في جسم السيادة اللبنانية على هذه المزارع لم يشكل حجة كافية لاستئناف الحرب بالواسطة ضد إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان، بات ملف الوجود السوري في لبنان مفتوحاً على مصراعيه. ووجد النظام السوري نفسه في موقع من يفضل المغامرة بالإنجاز والنفوذ على الخسارة التامة والكاملة، والتي كانت تعني حكماً، بالنسبة لسدنة النظام السوري، تراجعاً أولياً يليه تراجعات كثيرة لابد أن تطاول بنية النظام ودوره ومناطق نفوذه.

على هذه الأسس يمكن فهم الترابط المصيري بين إيران وسورية الذي تشعر دمشق أنه بات شريانها الوحيد، وعلى هذا الأساس أيضاً يمكن فهم التعارض السعودي-السوري حيال لبنان. بوصف المشروع السوري الذي شاغب على إسرائيل طويلاً من لبنان، بات بعد العام 2000 مقلم الأظافر في وقت بدا أن نجاحات المشروع السعودي بدأت تؤتي أُكُلها منذ ذلك التاريخ. ولهذه الأسباب المجتمعة لا يبدو أن التسوية التي يرجوها الرئيس نبيه بري بين السعودية وسورية ممكنة في ظل هذه الأوضاع. ذلك أن الدور السوري في لبنان فقد مبرراته الفعلية، ولم يعد ثمة من طريق أنسب للنظام السوري غير سياسة قطاع الطرق، التي من خلالها يستطيع المشاغبة على دور أكبر يتجاوز لبنان بطبيعة الحال، ويتناول دوره في المنطقة واحتمالات بقائه دوراً مؤثراً ويحسب حسابه.

والحال لن تكف الإدارة السورية عن إثبات أن أذرعها الطويلة في لبنان وفلسطين والعراق قادرة على التخريب وقطع الطرق، لأنها أصبحت الورقة شبه الوحيدة التي تملكها، بعدما بات ريع الموقع الجغرافي أضعف من أن يدر عليها دوراً مطلوباً. لكن هذا الإصرار السوري على قطع الطريق ومحاولات الابتزاز لا يعني حكماً أنه بات يملك اليد الطولى في ما يخص هذه الملفات الشائكة. وفي ما يخص الوضع اللبناني، يدرك القادة السوريون أن النفوذ السعودي ليس قادراً وحسب على المشاغبة على سورية من لبنان، إذا أراد، بل أيضاً يمكنه أن يحملها نفقات باهظة لا تقوى سورية على حملها. وفي انتظار نفاد الصبر السعودي، لا تملك الجامعة العربية التي انعقدت من أجل لبنان وفلسطين، إلا إعادة إحياء دور مصري يقع في موقع فاصل بين الطرفين، لكنه مؤهل لأن يحكم ويقرر على نحو لن يعجب السوريين حكماً.

على هذا يمكن فهم ما جرى في لبنان يوم انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب، الأحد الفائت، في وصفه دعوة سورية واضحة إلى مواجهة مكشوفة في لبنان. وإذ يعرف اللبنانيون والعرب أن صبر المملكة العربية السعودية عميق ووافر، وأن انجرارها إلى مواجهة مكشوفة لا تبقي من لبنان ما يمكن الاعتداد به بعد انتهائها مستصعب ومستبعد، فإن ذلك لا يمنع اللبنانيين من الشعور بأن صبر الموالاة قد بدأ ينفد، وأن قطع الطرق يمكن أن يصبح مهنة يتقنها الفريقان المتخاصمان في لبنان.

* كاتب لبناني

back to top