رجل من زمن الرجالات...

نشر في 04-07-2007
آخر تحديث 04-07-2007 | 00:00
 حسين العتيبي اكثر ما يستوقف في مذكرات الدكتور احمد الخطيب هو حديثه عن المغفور له الشيخ عبدالله السالم، فقد تضمنت سرداً لحوادث ووقائع مشهود على أغلبها بشهادات معاصرين لها أو بقصص تناقلها الناس جيلاً بعد جيل...

وعبدالله السالم ليس مجرد شخص في تاريخ الحكم، لكونه الحاكم الحادي عشر في تسلسل حكام الكويت، وهو ليس سيرة يتناقلها كتّاب التاريخ بالبسملة، ثم القول إنه ولد عام كذا، وحكم بتاريخ كذا، وتوفي في اليوم الفلاني... إنه تاريخ وطن أكثر منه تاريخ شخص، وهو برأينا المتواضع المحطة الثالثة في تاريخ حكم أسرة الصباح، حيث كانت أولى المحطات حكم الشيخ صباح الأول، وثانيها حكم الشيخ مبارك الصباح، وثالثها حكم الشيخ عبدالله السالم... تلك محطات مفصلية في مسيرة الكويت السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولعل أهم ما أورده الدكتور الخطيب في مذكراته هو طبيعة الشيخ عبدالله السالم الذي يحسن الاستماع وأخذ الرأي الآخر مأخذ الجد، والرجوع الى مشورة أهل البلاد ورجالاتها من دون إغفال أو تجاهل لدور أبناء الأسرة، وتحمله تبعات أدائهم... كذلك حكمته وبُعد نظره في كيفية رسم العلاقة السياسية مع العراق جار الشمال، وإدراكه مخاطر العلاقة ومخاطر التفريط في ضمانات الدفاع عن البلاد.

تلك كما يقول الدكتور الخطيب كانت من نقاط اللا اتفاق واللا توافق مع التيار القومي الذي كان سائداً في البلاد، ويمثله رجالات الكويت القريبين منه والذين تعود الوثوق برجاحة رأيهم وصدق نواياهم، ولم يتردد دائماً في استشارتهم...

غني عن القول إن بُعد نظره، رحمه الله، وتبنيه للمشروع الديموقراطي وصياغة الدستور من سماته كحاكم نظر إلى المستقبل بخبرات الماضي وتجاربه، وقرأ القادم من السنين بحكمة من تمرس بها، فاتخذ قراراً شجاعاً بكل ما تحمله كلمة الشجاعة من معان في تلك الظروف، سواء كانت محلية أو أقليمية، وبما لهذه الحالة من خصوصية وحساسيات... لقد دافع عن الفكرة أمام أهله والمعارضين له وأمام جيرانه، وكان حاسماً حتى مع إخوانه وأبنائه ممن احتجوا عليها وعارضوها، ولولا ذلك الحسم وتلك الإرادة لما كنا -وما زلنا- ننعم بما ننعم به من حرية وديموقراطية...

كانت ممارسة التجربة الديموقراطية والمشاركة السياسية تجربة وليدة، وكان رحمه الله يردد للمعارضة - كل من يختلف في الرأي آنذاك كان يصنف معارضاً- أنا لست معكم ضد الحكومة ولست مع الحكومة، ضدكم أنا حكم بينكم... لذا عبرت البلاد في عهده من أزماتها الدستورية والسياسية دون قرارات انفعالية، بل تميز بحكمته وبعد نظره فصان التجربة، وهي في مهدها لم تَحبُ بعد...

عبدالله السالم ترجم معنى من معاني ذلك الزمن الصادق، الزمن الذي لا زيف فيه ولا تأسلم على حساب الإسلام أو قومية على حساب الوطن حين عارض المعارضة في اندفاعها للعلاقة مع العراق، وحين عاب عليها موقفها من عدم احترام حقوق الاقليات الدينية وحقها في ممارسة حريتها ومنع الخمر عنها -كمثال- لكنه جسد معنى من المعاني السامية للديموقراطية، وهو أنها -أي الديموقراطية- حماية لحق الأقليات وليس ديكتاتورية للأكثرية... عبدالله السالم رجل من زمن الرجالات الذين أعطوا أكثر مما أخذوا... رجل يكتفي فينا من يكتفي بتزيين منزله أو مكتبه بصورته دون التبصر في مسيرته... وهي مسيرة الكويت الحقيقية...

لقد أخطأت «المعارضة» -آنذاك- وأصابت، لكن عبدالله السالم كان مصيباً دائماً بحكمته وسعة صدره، فانتصرت الكويت لأنها قامت على مبدأ الرأيين لا الرأي الواحد...

back to top