البوشيدو: روح اليابان

نشر في 07-02-2008
آخر تحديث 07-02-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

الصورة المشرقة التي يرسمها كتاب «البوشيدو: روح اليابان» عن أخلاق فرسان اليابان منذ القدم حتى بداية العصر الحديث هي عمل لابد من مطالعته لكل الراغبين في فهم المجتمع الياباني، فالكتاب بمنزلة القانون الأخلاقي غير المكتوب الذي يحكم حياة الفرسان اليابانيين الساموراي وسلوكهم.

احتفل المعرض الدولي للكتاب في القاهرة بميلاده الأربعين متوجاً مسيرة طويلة حافلة بالتاريخ والتنوير في منطقتنا، على الرغم من تنامي ظاهرة المعرفة السمعية على الكتب الورقية في أجنحة المعرض. وبالرغم من ذلك لم يفقد الكتاب الورقي رونقه وروعته عبر الأزمان، فهو بالنسبة لكثيرين مثلي ومازال منذ الصغر: خير صديق في قطارات وطائرات السفر الطويل، وأفضل جليس في أمسيات الشتاء الباردة وليالي الصيف الحارة.

اعتدت على زيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ كنت طفلاً في المدرسة الابتدائية، ومازلت أحتفظ في ذاكرتي بأسماء الكتب التي اعتبرتها أنا «أفضل كتاب» في المعرض، وهي مسابقة أقيمها بيني وبين نفسي كل عام. هذا العام أفضل أن أطلعكم على نتيجة المسابقة التي دارت هذا العام في رأسي بين الكتب المعروضة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، والفائز هو كتاب «البوشيدو: روح اليابان».

مؤلف الكتاب هو الأستاذ الجامعي والدبلوماسي الياباني إينازو نيتوبي، الذي يعتبر المؤسس التاريخي للتواصل الحضاري بين حضارة اليابان والغرب قبل الحرب العالمية الثانية، طاف نيتوبي «1862 حتى 1933» على عواصم الغرب بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية مروراً بألمانيا وصولاً إلى غيرها من العواصم الأوروبية حاصلاً على أعلى الدرجات العلمية من جامعاتها، وبالمناسبة فقد قام نيتوبي بتأليف كتاب البوشيدو في أثناء إقامته في الولايات المتحدة عام 1899.

تولى ترجمة الكتاب الأستاذ كامل يوسف حسين، الذي قام بعمله على أحسن وجه، منتقياً الكلمات المعبرة والدقيقة وناقلاً «روح البوشيدو»، حتى كأنك تحس بأن الكتاب كتب بالعربية. أما الناشر فهو هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث التي أضافت الكثير من العناوين القيمة إلى المكتبة العربية، ويأتي نشر كتاب البوشيدو كإضافة متميزة للمعارف العربية عن اليابان وحضارتها.

يعد البوشيدو، وهو القانون الأخلاقي غير المكتوب الذي يحكم حياة الفرسان اليابانيين الساموراي وسلوكهم، أحد الأركان الأساسية للثقافة اليابانية، ويواصل الكتاب التأثير في المجتمع الياباني على اختلاف مستوياته، عبر هذه الجذور الضاربة في البوذية والشنتو والكونفوشية التي ينهل الكتاب منها، فضلاً عن شموله مُثُل الفروسية العليا القائمة على صدق الساموراي وشجاعتهم وشرفهم.

تنساب كلمات إينازو نيتوبي المكتوبة بسلاسة وشاعرية ولكن في إيجاز تعكس التناغم بين حضارة اليابان المغرقة في خصوصيتها الثقافية من ناحية، وتأثر المؤلف بفلسفة الكويكرز الغربية التي تبناها في حياته. ويقول نيتوبي في مقدمة الكتاب «الفروسية زهرة لا تقل عن شعارها، وهو زهرة الكرز، أصالة وتجذراً في تربة اليابان، كما أنها ليست عينة مجففة من فضيلة قديمة تحفظ في سجل تاريخنا. إنما هي لاتزال كياناً حياً نابضاً بالقوة والجمال يعيش بين ظهرانينا».

تعني كلمة «بو-شي- دو» بصورة حرفية «طرائق الفارس المحارب»، ولذلك فهي تعني «الالتزام الأخلاقي» لطبقة المحاربين. ويعود المؤلف ليعرف البوشيدو في موضع آخر من الكتاب كالتالي: «إنه قانون غير ملفوظ ولا مكتوب يحظى بكل الحجية القوية التي يتمتع بها نص فعلي مكتوب وقانون مدون على شغاف القلب. وهو لم يؤسس على إبداع ذهن واحد، مهما كان هذا الذهن قديراً، أو على حياة شخصية واحدة أياً كانت شهرتها، إنما كان نمواً عضوياً لعقود وقرون من العمل الحربي».

يتكون الكتاب من سبعة عشر فصلاً موزعة على 240 صفحة تطويها باستمتاع وسلاسة، بفضل روعة الكتاب ومهارة وسلاسة الصياغة ودقة الترجمة، وأيضاً بسبب القطع المتوسط للكتاب الذي يشدد على لذة لمس الورق وإمساك الكتاب بيد واحدة إن تطلب الأمر.

يختتم نيتوبي كتابه بالتأكيد على أن «مملكة الله كما يدركها العقل الياباني تنمو في تربة البوشيدو. ونتلفت في كل اتجاه باحثين عن مصادر أخرى للعذوبة والنور والقوة والعزاء، ولكننا لا نجد حولنا ما يمكن أن يحل محل البوشيدو. إن فلسفة الربح والخسارة التي يقول بها النفعيون والماديون تجد من يتحمس لها في صفوف العاكفين على المنطق، الذين فقدوا أنصاف أرواحهم». ويستطرد نيتوبي مودعاً القارئ المأخوذ بروعة النص: «ربما يتبدد البوشيدو بحسبانه قانوناً مستقلاً للأخلاق ويختفي، ولكن قوته لن تفنى على الأرض. قد تهدم مدارسه التي تعلم البسالة الحربية ومعايير الشرف في الحياة المدنية، ولكن سناه ومجده سيعيشان طويلاً بعد انهيار أطلال تلك المدارس. وشأن الزهرة التي ترمز له، فإنه بعد أن يتناثر في الرياح التي تحمله إلى أركان الأرض الأربعة، سيظل يهب البشرية العبير الذي يثري الحياة».

الصورة المشرقة التي يرسمها البوشيدو عن اليابان وأخلاق فرسانها منذ القدم وحتى بداية العصر الحديث هي عمل لابد من مطالعته لكل الراغبين في فهم المجتمع الياباني. تبهر اليابان العالم بقيامتها من ركام الحرب العالمية الثانية وأشلاء ضحايا القنابل الذرية التي ألقيت عليها، لتدور بسرعة مذهلة في معارج التقدم الاقتصادي والتكنولوجي في عالمنا الراهن، ولكنك ستنبهر أيضاً بعد قراءة الكتاب بأصالة وعراقة التراث الياباني الضارب في أعماق الأخلاق والتاريخ.

* كاتب مصري

back to top