دعوا أطفالكم يتمرّغون في الوحل

نشر في 30-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 30-08-2007 | 00:00
No Image Caption

ما زالت العلاقة بين الأطفال والوحل لغزاً كبيراً. لكن لا تمنعي طفلك من اللعب بالوحل فهو مفيد لصحته ويرفّه عنه.

ما سرّ انجذاب الأطفال إلى برك الوحل؟ إبني البكر لويس عمره أربع سنوات ونصف سنة ولا يستطيع تجاوز بركة وحل من دون أن يستجمع ما أوتي من طاقة وقوة للقفز فيها، حتى لو كان ينتعل حذاءه المفضل. أسأله «لمَ تفعل ذلك؟» فيجيبني: «أحب ذلك فحسب». الأمر غير مهم أحياناً ففي النهاية هذا ما ينبغي فعله. لكن في أوقات أخرى، يصعب احتمال رؤية الطفل مهملاً، فضلاً عن تراكم المزيد من الثياب المتسخة. سألت صديقاتي: «هل أنا أم موسوسة؟» فقلن: «كلا بالطبع، تودّين رؤية طفلك نظيفاً ويصعب تقبّل فكرة غسل الكثير من الملابس المتسخة».

متعة

وفقاً لتقرير مسحوق «برسيل» الأخير، يعترف 62 % من الأهل بشعورهم بالقلق بسبب تصنيفهم أنهم غير صالحين لو شوهد أطفالهم بملابس متسخة. لكن ماذا عن الطريقة القديمة المتمثلة في اللعب بالوحل؟ بالنسبة إلى الأطفال، لا شيء أكثر متعةً من اللعب في الهواء الطلق. بحسب دراسة أجريت عام 2006 فإن 80 % من الأطفال في المملكة المتحدة يفضلون اللعب في الهواء الطلق بدلاً من اللعب في الأماكن المغلقة. ويفضل 86 % من الأطفال اللعب في أماكن طبيعية كالحدائق والحقول حيث يستطيعون التمرّغ في الوحول. لا يحظى كثر منهم، ويا للأسف، بفرصة فعل ذلك.

يقول الدكتور دايفد إلكيند، الأستاذ في نمو الطفل في جامعة تافتس في الولايات المتحدة: «إننا نميل في هذا الزمن إلى دفع أطفالنا إلى اختبار العالم الواقعي فنجعلهم يهتمون بالكمبيوتر ومشاهدة التلفزيون، لكن غالباً ما نهمل أهمية العالم الطبيعي. لا يعرف الأطفال أهمية الطبيعة وماهيتها إلا إذا قاموا بأفعال مثل اللعب بالوحل». هذا الأمر يعلمهم احترام دورة الحياة ويساعد على توسيع مخيلتهم وفهم مجريات الأمور.

إذاً، هل هم الأهل أم الأطفال الذين يخشون الاتساخ أو التقاط الجراثيم؟ يقول الدكتور إلكيند: «بالنسبة إلى أطفال عديدين، فإنهم لا يخشون الإتساخ عندما يُسمح لهم بالاستكشاف كما يشاؤون. أحياناً ينشأ الخوف من الوالدين لا من الطفل. عندما يُسمح للطفل باللعب بالوحل يستطيع اكتشاف ما يحبه وما لا يحبه».

مفيدة للصحّة

لطمأنة الأهل الذين يكرهون فكرة لعب أطفالهم بالوحل، تبين أن الوحول مفيدة لصحتهم. إنْ لعب الطفل بالوحل والتراب في أعوامه الأولى يُبعد إصابته لاحقاً بالربو والحساسية ويضاعف حبه للاستكشاف واللعب في الهواء الطلق. يُعتقد أن السبب في ارتفاع نسبة الإصابة بالحساسية هو التقيّد بالنظافة، ما يعني أن الأطفال لا يتعرضون للجراثيم. أظهرت دراسة أجريت في جامعة بريستول أن البكتيريا في التراب تساعد على تنشيط المواد الكيميائية في الدماغ. يقول الدكتور كريس لوري: «تساعدنا هذه الدراسات على فهم كيفية تواصل الجسم مع الدماغ وأهمية جهاز المناعة في الحفاظ على السلامة العقلية». الوحل أحد أهم العناصر الترابية وعلى الأرجح أحد الأسباب التي تساعد في توسيع مخيلة الطفل. هذا ما كان يفعله الأطفال في الحضانة في سائر أنحاء اليابان. إنّ صنع كرات وحلية وقولبتها باليد ثم تجفيفها متعة قديمة اختفت مع الأيام حتى أعاد الأستاذ فوميو كايو، أستاذ علم النفس في جامعة كيوتو إحياءها.

التقنية بسيطة جداً يقول الأستاذ كايو: «يولد الإنسان عارياً، لذا عليه التكيف مع محيطه الخارجي. يجب أن يعتاد الأطفال على الأمور التي تعترضهم يومياً ومنها المواد الطبيعية كالتراب والمياه والأعشاب».

بعد أن لعب الأطفال بكرات الوحل، لاحظ الأستاذ كايو انهم بدأوا يشعرون بأن الكرة أصبحت جزءاً منهم: «يبدو أنهم متمسكون بالكرة وهذا التعلق ينبثق من إحساسهم بالاتحاد معها. بعد فترة يتعلمون النظر إليها بموضوعية».

لا يتعلق الأمر بالاتساخ فحسب. أحياناً، يحب الأولاد العبث بفرشاة الرسم وأحياناً أخرى يفضل الوالدان ضبط طريقة لعب طفلهما. إلا أن ذلك قد يحول دون استكشاف قدراته الإبداعية وتعزيز ثقته بنفسه في مواجهة المجهول. لذا، في المرة القادمة، عندما يأتي ابني متسخاً بالوحل أو بالعشب أو أرى الألوان على وجه ابنتي أكثر مما أراها على الورق، سأنظر إليهما بسعادة عارمة وأفكر في كل ما تعلماه خلال اللعب.

back to top