الكويتيون يتحلطمون وشعار المسؤولين عمك أصمخ
لو وُجدت في أي تجمع يضم كويتيين، لشعرت بالملل سريعا، وربما بالذعر، لأن معظم الموجودين لا ينفكّون «يتحلطمون» (مفردة تعني التذمر لغير الناطقين باللهجة الكويتية). في الدواوين والمنتديات، الجميع يشتكون، لا يعجبهم أي شيء، والانتقادات تذهب في كل الاتجاهات، من الواقع الاجتماعي الى الاقتصادي والسياسي والفني والرياضي، وحتى الأسري، وفي مجلس الأمة الصورة ذاتها، فالنواب يتذمرون دائما، وينتقدون ويهددون، و«يتحلطمون» من الوزراء، وربما هذا ما يؤدي الى ما تسميه الحكومة «التأزيم». وفي أوساط الحكومة، الوزراء «يتحلطمون» بشدة من الهجمات المتواصلة ضدهم، لا سيما من أعضاء مجلس الأمة، ويشتكون من «التحلطم» الدائم الذي يقابلهم به النواب، ولهذا لم نعد نسمع عن مبدأ «التعاون بين السلطتين» المأسوف عليه، كما يشتكي الوزراء من «نهَم» كثير من المواطنين، ومطالبتهم بإسقاط القروض، بعد إلغاء فواتير الكهرباء، وتوزيع المنح والتبرعات والمكرمات! وقد وصل «التحلطم» أيضا الى الشيوخ من أفراد الأسرة الحاكمة، سواء بين الشيوخ وبعض كتاب الصحف والوجوه أو القوى السياسية، على خلفية قضايا مختلفة، وأحيانا بين الشيوخ أنفسهم، ويمكن ملاحظة أن «التحلطم» في معظم قطاعات الدولة، يعبر عنه بالتظاهرات والاعتصامات التي تظهر بين الحين والآخر. ووصلت موجة «التحلطم» الى أوساط المقيمين، الذين يشتكون من التمييز، وصعوبة أوضاعهم المعيشية، وفرض الضرائب العالية عليهم، من الإقامة الى المدارس والتأمين الصحي وسواها. لعل المثير في الموضوع، أن موجة السخط على الوضع العام، كانت مقصودة في بعض المراحل، لإظهار البلد في حالة مشلولة، كمقدمة لاتخاذ قرارات جريئة، كحل مجلس الأمة مثلا، أو تعطيل العمل بالدستور، رغم أن المجلس لم يمنع الحكومة من الإنجاز، ولا يمكن بأي حال أن يجرؤ نائب على استجواب وزير، لأنه شيد مستشفى جديدا، أو تمكن من حل مشكلة المرور، أو تجديد الأجهزة التي تؤدي الى أزمات موسمية في الكهرباء! ولئن كانت صورة الأوضاع في البلد تبدو قاتمة عند معظم الكويتيين، الذين يدعون إلى التغيير، فهنالك مجموعة قليلة من دعاة «الله لا يغير علينا»... ومعظم هؤلاء من كبار السن المدفوعين بحسن النية، ويدعون الى التفاؤل بحال الكويت مقارنة بالأوضاع العربية بصورة عامة، والقسم الثاني هو المنتفعون من الوضع السائد، كسراق المال العام، غير أن «التحلطم» عند الكويتيين له أسباب، كثير منها موضوعي، بسبب تفشي الفساد بصورة كبيرة، وتراجع التنمية وغياب الإنجازات، وتخلف البلاد على جميع المستويات، ويبدو أن السلطة لا تهتم كثيرا، وتطبق سياسة «عمك أصمخ»! جزء آخر لا يمكن إغفاله، ويتمثل في الحيز الكبير من الفراغ عند الكويتيين، ولهذا تفتح كل القضايا في الدواوين، وبما أن كثيرين «ما عندهم شغل» فإنهم يتفرغون الى «الحش» والقيل والقال، يتحدثون ويفتون في قضايا لا يفهمون فيها، و«يتحلطمون» من كل شيء، وبالطبع يساعد الوضع الإقليمي في المنطقة، المجبول على الحروب والسياسة والدين، على إذكاء نزعة الحوار، رغم أن الجميع يعلمون أن حواراتهم وتحلطمهم لا يغيران شيئا ... لأن التغيير يأتي غالبا من الخارج!