أهم ورقة في التاريخ

نشر في 13-03-2008
آخر تحديث 13-03-2008 | 00:00
 حمد نايف العنزي

لا أدري لماذا يصدق كثير من الناس شيوخ الدين في كل ما يقولون ويدعون، هل يظنون أن وحياً يتنزل عليهم وأنهم لا ينطقون عن الهوى، أو أنهم معصومون كالأنبياء فهم يتحدثون عن علم إلهي في كل شيء؟! وكيف يتحول دارس العلوم الدينية إلى طبيب يعالج الناس، ومفسر للأحلام، واختصاصي للعلاقات الأسرية؟

عند باب سوق الجمعة، وقف آسيوي بدشداشة بيضاء قصيرة ولحية سوداء طويلة، على رأسه «قحفية» وابتسامة كبيرة تعلو محياه، يحمل بين يديه أوراقاً صفراء يوزعها على الداخل والخارج من السوق، حريصاً على أن ينال كل مرتاد للسوق ذكراً كان أم أنثى نسخته منها! ماذا كتب في هذه الورقة؟ وما سبب حرصه على أن يقتنيها الجميع؟ أهي منشورات سياسية يا ترى؟!

بالطبع لا، هي أهم وأخطر من ذلك بكثير، إنها أهم ورقة في التاريخ، وفيها أهم خبر طبي على الإطلاق، فمن اليوم وصاعداً لا آلام ولا أوجاع أبدا، ستنتهي حاجة الناس للأدوية وتغلق المستشفيات والصيدليات ومراكز الأبحاث الطبية وشركات الأدوية أبوابها، فلاحاجة لأحد بها بعد اليوم، ولن يبحث أحد عن واسطة تضع اسمه بين المبتعثين للعلاج في الخارج فقد وجد الشيخ الحل أخيراً! والحل طبعا موجود بهذه الورقة العجيبة فماذا تقول هذه الورقه؟!

تقول بداية «الحجامة خير من قنطار علاج» والمعروف أن «الوقاية» هي التي خير من قنطار علاج، ثم حديث منسوب للرسول لا أدري مدى صحته «إن أفضل ما تداويتم به الحجامة» و«لدينا قسم خاص للرجال والنساء»، بعد ذلك يعدد لنا استشاري الحجامة فوائدها التي لا تنتهي وهي كالآتي: تنشط الدورة الدموية، تعالج الضعف الجنسي، تهدئ الأعصاب، تعالج العقم، الأمراض الجلدية، الروماتيزم، الكسل وكثرة النوم، الجيوب الأنفية، آلام الكتف والرقبة، الصداع المزمن، آلام الظهر، آلام الركبتين، عرق النسا، الكوليسترول، وأمراض أخرى عديدة لم يتسع حجم الورقة لذكرها! وأخيراً «ليس من رأى كمن سمع» التوقيع الشيخ أبو فلان ورقم الهاتف.

استغلال آخر للدين ولجهل بعض الناس وسذاجتهم واستخدام للأحاديث النبوية من أجل حفنة من النقود، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يعيش كباقي الناس يأكل ما يأكلون، ويركب ما يركبون، ويقضي حاجته كما يقضون، ويتعالج كما يتعالجون، وحديثه هذا لأهل زمانه، بما توافر لديهم وقتها من وسائل علاج بدائية بسيطة، وزماننا هذا غير زمانهم فلا يجوز أن نجعل الحجامة أفضل من الأدوية الحديثة، فقط لأن الرسول تعالج بها فعلى هذا القياس ستكون الدواب أفضل من الطائرات والسيارات، لأن الرسول ركبها ولم يركب وسائل النقل الحديثة، وسيكون السواك أفضل من معجون الأسنان والخلاء أفضل من الحمام، والحصير أفضل من السجاد الإيراني وهلم جرا.

إنهم مجموعة من النصابين والدجالين يستغلون حب الناس للرسول ويأسهم من أمراضهم لجمع المال، قبل عام ارتفع السكر بشكل حاد عند قريبة لي في السبعين من عمرها، كادت تموت من كثرة ما تناولت من العسل والتمر، عندما استعادت عافيتها سألتها لماذا أكلت كمية كبيرة منهما وأنت مريضة بالسكر، فقالت إن المشايخ يوصون بالعسل والتمر فهما لا يضران وقد قالوا إن الرسول كان يتناولهما، وإنهما يشفيان من جميع الأمراض...إلخ.

لا أدري لماذا يصدق كثير من الناس شيوخ الدين في كل ما يقولون ويدعون، هل يظنون أن وحيا يتنزل عليهم وأنهم لا ينطقون عن الهوى، أو أنهم معصومون كالأنبياء فهم يتحدثون عن علم إلهي في كل شيء؟!

كيف يتحول دارس العلوم الدينية إلى طبيب يعالج الناس، ومفسر للأحلام، واختصاصي للعلاقات الأسرية، وسياسي عتيد، واقتصادي نابغة، أهو لعلم غزير لديه أم لجهل يتمرغ به المجتمع؟!

back to top