ما قلّ ودل:سياسة التكويت وخطاب غائب 1

نشر في 06-08-2007
آخر تحديث 06-08-2007 | 00:00
 المستشار شفيق إمام تصدرت سياسة التكويت كلمات معظم المتحدثين من النواب، في مناقشة الميزانية العامة للدولة وسائر الميزانيات العامة.

ولا غرابة في ذلك، فهي سياسة ينادي بها النواب ويطالبون بها الحكومة منذ سنوات عديدة، وقد أنشئ بسببها الاعتماد التكميلي الذي يتكرر في الميزانية كل عام، والذي تحول بعد ذلك إلى أن أصبح أداة للنقل بين أبواب وبنود الميزانية، للإفلات من نصوص الدستور التي تحظر النقل من باب إلى آخر من أبوابها إلا بقانون.

كما كانت سياسة التكويت أحد المحاور الرئيسية في مناقشة مراسيم بقوانين الميزانيات العامة للسنة المالية 99/2000 الصادرة أثناء حل مجلس الأمة في صيف عام 1999، والتي علّق مجلس الأمة موافقته عليها، على إقرار اقتراح بقانون بفتح اعتماد إضافي بمبلغ 50 مليون دينار لتكويت الوظائف في ميزانية لم يكن قد جفّ مدادها، أو تمت الموافقة عليها أصلاً، وأن تكون السابقة الأولى في إقرار اعتماد إضافي، بناءً على اقتراح بقانون قدمه أحد الأعضاء، ولم تتقدم به الحكومة وفقا لأحكام الدستور.

وكانت سياسة التكويت قاسماً مشتركاً في كثير من التشريعات التي أقرها مجلس الأمة في فصول تشريعية متعاقبة وعلى رأسها القانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية للعمل في الجهات غير الحكومية، والذي ألزم الحكومة بأن تؤدي للمواطنين أصحاب المهن والحرف ومن يعملون في جميع الجهات علاوة اجتماعية وعلاوة أولاد.

كما ألزم القانون المذكور أصحاب الأعمال باستخدام نسبة من العمالة الوطنية. كما فرض رسوماً إضافية على تصاريح العمل وأذونات العمل للعمالة الوافدة بالقدر الذي يحول دون منافستها للعمالة الوطنية.

وجعل القانون من بين معايير الاستعانة بالدعم الحكومي العيني أو المالي للجهات غير الحكومية، أو التي يقررها قانون أملاك الدولة الالتزام بالنسبة التي يقررها مجلس الوزراء للعمالة الوطنية.

وحظر القانون التعاقد المباشر وإرساء الممارسات والمناقصات، إلا على من يكون قد التزم باستخدام النسبة التي يحددها مجلس الوزراء للعمالة الوطنية.

ولا غرو في ذلك والعمل هو أحد حقوق المواطنين التي ينص عليها الدستور في ما تقضي به المادة (41) من أن لكل كويتي الحق فى العمل وفي اختيار نوعه وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه.

كما جسدت سياسة تكويت الوظائف من ناحية أخرى، ما تنص عليه المادة (26) من الدستور من أنه «لا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون»، والتي تجعل إسناد الوظائف العامة إلى الأجانب، استثناء وليس أصلا.

إلا أن هذه السياسة قد قصرت اهتمامها بالعمل باعتباره حقا دون أن تولي اهتماما للعمل باعتباره واجباً، يندرج في الواجبات التي خاطب بها الدستور المواطنين فيما نصت عليه المادة 41 من أن العمل واجب على كل مواطن.

ومن هنا، فإنه لا يجوز النظر إلى العمل، باعتباره حقاً للمواطن، دون النظرة الشاملة إليه باعتباره كذلك واجباً عليه، ذلك لأن هذه النظرة القاصرة للعمل كمن يقرأ الآية الكريمة «ولا تقربوا الصلاة» من دون أن يقرؤها إلى نهايتها، ولأن سياسة التكويت لن تؤتي ثمارها ولن يجني المجتمع الكويتي حصادها ما لم يتم غرس قيم وثقافة العمل في المجتمع.

ولعل هذه النظرة الشاملة للعمل باعتباره حقاً للمواطن وواجباً عليه هي التي ترسم ثقافة العمل في مجتمع بعينه، بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى.

إن ثقافة العمل هي التي جعلت من اليابان صرحاً صناعياً شامخا في المجتمع الدولي، وأحد النمور الصناعية السبعة فيه.

ويجسد دستور الكويت، ذلك النهر العظيم الذي تروي منه الكويت ظمأها يوماً بعد يوم، روافد هذه الثقافة، فيما نص عليه من وظيفة اجتماعية للعمل، ومن أن العمل هو أحد المقومات الأساسية لكيان الدولة الاجتماعي (مادة 16)، وأن هدفه الخير العام (مادة41)، هذه الوظيفة الاجتماعية للعمل هي التي ترسم القيمة الاجتماعية للعمل.

وفي ما نص عليه الدستور من أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها (مادة 26)، وأن التعاون بين القطاعين العام والخاص هدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين (مادة 20)، ليحدد الدستور بذلك القيمتين الوطنية والاقتصادية للعمل.

ومن روافد هذه الثقافة ما نص عليه الدستور من قيمة إنسانية للعمل في قوله إن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة (مادة 42)، وأنه لا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال التي يعينها القانون (مادة 42)، وهي القيمة الإنسانية للعمل التي تجلّت في ما نص عليه من إسهام الكويت في ركب الحضارة الإنسانية (مادة 12)، وهو ما لا يتحقق إلا بالعلم والعمل الجاد المبدع، فالثقافة في مفهومها العام هي مجموع نتاج العمل الإنساني وإبداعاته من فكر وعلم وأدب وفن وتنمية.

ونعود مرة أخرى إلى سياسة التكويت، لنطرح سؤالاً يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة وبلا حساسية وهو: هل صاحب سياسة التكويت خطاب ديني وسياسي وإداري وثقافي وإعلامي يبث ثقافة العمل ويغرس قيمة في نفوس الشباب، خطاب يشارك فيه المجتمع كله؟

وفي رأيي، أن هذا الخطاب غائب، وهو ما سندلل عليه في المقال الأسبوع المقبل بإذن الله.

back to top