خذ وخل: لا مهرب من الكمبيوتر إلا إليه!

نشر في 03-10-2007
آخر تحديث 03-10-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

صارت علاقتي بحضرة الكمبيوتر تتذبذب بين الخشية والرجاء، فأما الخشية فإنها تكمن في ظني عدم مقدرتي على تعلم ممارسة الكمبيوتر المعقدة، زد على ذلك خشيتي الشديدة من زعل وغضب وعتاب وفراق أصدقاء العمر الذين رافقوني طوال حياتي الصحفية!

أعترف -بادئ ذي بدء- أن علاقتي بالتكنولوجيا ملتبسة، وتنطوي على خشية قهرية مرضية تصل إلى حد «الفوبيا» من الكهرباء... والعياذ بالله! لذا فإن استخدامي للأجهزة التقنية الترويحية (الراديو والتلفزيون وجهاز تشغيل السي دي، والدي في دي) لا يتجاوز مهمة الضغط على جهاز... الريموت كنترول «بس لا غير»! ولو تعطل الجهاز لأي سبب كان، لهرعت إلى التقني بغية إصلاحه، رغم أنه غالباً لا يشكو من أي علة! لكن البلية في العبدالله نفسه!.

أما عن علاقتي بحضرة الكمبيوتر، وفضاء الشبكة العنقودية المدهش، فحدث ولا حرج! حسبي القول، في هذا السياق، إن العبدالله يعتبر نفسه الديناصور الأخير في شارع الصحافة .. ولا فخر!

فإلى حين قريب: كنت أظن إمكان ممارسة المهمة الصحفية بمنأى عن اللجوء إلى استخدام الكمبيوتر ووظائفه الاتصالية المتعددة، ولذا تشبثت باستخدام عدتي الديناصورية التقليدية المتبدية في الورق والمحبرة والقلم والممحاة ومن ثم أرسل ما سطرته إلى إدارة تحرير «الجريدة» بالفاكس، نائياً ومتناسياً ان هذا الأخير بات هو الآخر ينتمي الى عالم الديناصورات! فتجد إدارة التحرير تلاحقني، إثر إرسال مقالتي بالفاكس، بعلامات الاستفهام والتعجب، التي تتمحور جميعها حول سوء وسيلة الاتصال وعيوبها المتبدية في طمس الحروف، وبلع الجمل، وغيرهما من مثالب يخبرها أي ديناصور ما برح يستخدم الفاكس.

ومن هنا: صارت علاقتي بحضرة الكمبيوتر تتذبذب بين الخشية والرجاء، فأما الخشية، فإنها تكمن في ظني عدم مقدرتي على تعلم ممارسة الكمبيوتر المعقدة، زد على ذلك خشيتي الشديدة من زعل وغضب وعتاب وفراق أصدقاء العمر الذين رافقوني طوال حياتي الصحفية!

وأما الرجاء، فإنه يتجلي في استفادتي الاتصالية من إمكانات الكمبيوتر، وتخلصي من المعاناة الشديدة التي أكابدها كلما حاولت إرسال مقالتي بالوسيلة التقليدية. زد على ذلك طلاقي البائن من نعت الديناصور الذي يلاحقني كظلي حين أكون في حضرة الأولاد والأحفاد والأقارب والأصدقاء!.

واعترف صراحة بأن المهمة بالنسبة إلي، لم تكن سهلة ولا هينة! ذلك أني من الأشخاص الذين يرتبطون بعلاقة صداقة حميمة عضوية مع الأشياء والأدوات التي استخدمها في حياتي اليومية. فتراني كلما هممت بالاستجابة لنصائح الأصدقاء والمتطوعين لتعليمي تقنية استخدام الكمبيوتر أبحلق ملياً في عدة الكتابة التقليدية... فيخيل إليّ أن القلم ينزف دموع الأسي والحسرة وألم الفراق! ويبدو لي الورق الناصع البياض كحليب «خلفات» و«ثلج فاريا» أسود مكفهراً من جراء نية الفراق المرتقبة! وعلى ذلك قس مشاعر بقية العدة، الأمر الذي يفضي بي إلى الردة لعادتي التقليدية في الكتابة! من هنا كنت أفضل لقب ونعت الديناصور على هجرة أصدقاء العمر الحميمين.

* ويبدو أنه آن الاوان للتأسي بالزملاء الصحفيين من «بني كمبيوتر» المبحرين في فضاء الكمبيوتر و«النت» الثري المدهش، اللذين لا أجادل في فوائدهما وضرورتيهما للكاتب والإنسان العادي. كنت أتمني لو أن اليابانيين اخترعوا «كمبيوتر» ديناصوري يعتمد على الورق والقلم «كرمالي ولأمثالي» من الديناصورات البشرية!.

لكني مع ذلك كله متوجس من سطوة الكمبيوتر، وغواية «الإنترنت» خشية إدمانهما كما يحدث للكثيرين الممارسين الغواة! ولم أذهب بعيداً... فأحد أولادي كادت حياته الزوجية الطازجة تتقوض من جراء «الضرة» التي فوجئت بها «بعلته» الصابرة تستأثر بأغلب أوقات فراغه ليلاً ونهاراً، ولم يكن ثمة حل لهذه المعضلة العويصة سوى بالعدل بين الزوجة والضرة، بحيث تكون لها ليلة، والأخرى لحضرة الكمبيوتر! وهي، كما ترى قسمة ضيزي! لكنها كانت الحل التوفيقي المتاح!

الشاهد: أني بعد كل هذه الهذرة: آمنت، بعد لأي، بأنه لا مهرب من الكمبيوتر إلا باللجوء إليه! من هنا أهتبل هذه المناسبة لأزجي الشكر الجزيل إلى كل الذين عايروني بالديناصور وحثوني على اقتحام عالم الكمبيوتر بالسرعة الممكنة أولهم وآخرهم «بوراشد» الصديق سعود العنزي ما غيره.

وقد صدق من قال: إن الإنسان عدو ما يجهل، على الرغم من أن الإنسان المعاصر يستفيد جداً من معطيات التكنولوجيا الحديثة والثورة المعلوماتية التي عمت العالم كله، بما فيه العالم الثالث... عشر!

وخيل إليّ وأنا أهُم بالقيام بالمحاولة الأولى لتعلم استخدام الكمبيوتر بأن قلمي المتربع في جيبي يهمس في أذني ساخراً: أنت قط «عتوي» أم إنسان؟! قلت له: لمَ هذا السؤال المستفز الغريب يا أخا المداد؟!

قال - لا فُضَّ بوزه وسنه - لأنك استبدلت القلم بالفأرة!

ما علينا ... يهمني التنويه، في هذا السياق، بأن الذي حسم خياري، ووأد ترددي وطرد خشيتي هم القراء الشباب. فكلما سألت أحدهم عما إذا كان طالع مقالتي بـ«الجريدة»؟ تكون إجابتهم دوما قرأتها أو سأقرؤها على «النت»... وربما نعقِّب عليها سلباً أو إيجاباً! ... فأبلغ ريقي حسرة وقهراً، والحق أن خسارة القراء الشباب ليست هينة ولا يمكن الاستهانة بها البتة! ولو لم يكن الأمر كذلك لما حرصت الصحف جلها على أن تكون حاضرة دوماً في فضاء «النت» العابر للحدود والقارات، ولما ذيل أغلب الكتاب مقالاتهم بـ«البراق» الاسم الحركي لـلـ «E.mail». والبراق اسم نحته شيخ «درعمي» أزهري في مصر المحروسة! لذا لزم التنويه.

وهكذا، في رمشة عين، ابتلعت فأرة الكمبيوتر عدتي الكتابية القديمة وازدرتها «زراطي» من دون أن يرف لها جفن!

وتراءي لي عمنا «أبو الطيب المتنبي» مكفهراً غاضباً وهو يعاين: خير جليس في الزمان «كمبيوتر» بعدما كان كتاب. وقلت له ومعه:

هذا حال دنيا الألفية الثالثة

فلا حول ولا قوة إلا بالله

والعبدلله يهذر بهذه التفاصيل المملة للدلالة على حاله النفسية والعاطفية اللتين اكتنفتاه وهو يقدم على هذه «الفعلة»! فالكمبيوتر بالنسبة إليّ هو الصديق الذي ما من صداقته بد! فكنت ألهج بقولة «أبي الطيب الشهيرة»:

ومن نكد الدنيا على الحُر أن يرى

عدواً له ما من صداقته بُد

ولذا سأضطر إلى صداقته «عنوة وقسراً» بعد العيد!.

back to top