هل للقمع الجنسي علاقة بالإرهاب؟

نشر في 12-06-2007
آخر تحديث 12-06-2007 | 00:00
 د. شاكر النابلسي - 1 -

 

لم أقرأ منذ سنوات طويلة، ومنذ أن بدأت وتيرة الإرهاب في الشرق ترتفع على هذا النحو الذي نراه الآن، وندفع ثمنه غالياً، أي دراسة علمية جادة، تحاول أن تفسر ارتفاع وتيرة الإرهاب تفسيراً جنسياً، بعيداً عن كل التفسيرات السياسية والدينية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة والمتكررة.

فهل كان للقمع الجنسي الفظيع في هذا الشرق، ماضياً وحاضراً، علاقة مباشرة برفع وتيرة الإرهاب على هذا النحو الذي نراه الآن؟

وهل لو تم عرض مفجّري ومجرمي 11 سبتمبر 2001 على أطباء نفسانيين قبل أن يقوموا بارتكاب جريمتهم تلك، لوجدنا أن هؤلاء الشبان الغُر يعانون من حرمان جنسي وقمع جنسي فظيع، إلى درجة أن محمد عطا أحد هؤلاء الشبان كان قد كتب في وصيته بمنع اشتراك النساء في جنازته، أو البكاء عليه في العزاء؟

وهل لو كان لهؤلاء الشباب صبايا حبيبات جميلات يغرمون بهن ويغرمن بهم، لما ذهبوا إلى الموت المجاني هكذا وبكل سهولة، ولما كانت «القاعدة» هي المعبد، بدلاً من أن تكون فاطمة أو لولوة أو عفراء أو مها مثلاً؟

ألم يلفت نظرنا كون معظم هؤلاء الإرهابيين كانوا من منطقة الجنوب السعودية، التي تعتبر أكثر مناطق السعودية تشدداً وقمعاً للجنس وتحريماً اجتماعياً للعلاقات بين الذكور والإناث خارج المؤسسة الزوجية، على عكس بقية مناطق المملكة ومدنها الأخرى؟

 

- 2 -

 

ألا تستحق علاقة القمع الجنسي الشرقي بالإرهاب الشرقي دراسة علمية مستفيضة وعميقة، عندما نقرأ إن معظم قادة الإرهاب في هذا الشرق ومعظم عناصره البشرية الرئيسة، هي عناصر ليست ذات ارتباطات عاطفية، وأن هؤلاء جميعاً لا علاقة لهم بالمرأة، بل هم يكرهونها كرهاً شديداً في الأرض، ويبحثون عن المرأة الأسطورة الخالدة في العالم الآخر.

أليس من الممكن أن نكتشف في حفرياتنا العلمية أن هؤلاء الإرهابيين قد عجزوا بفضل «فوبيا النساء» التي تتحكم في هذا الشرق، وبفضل القمع الجنسي الذي يتحكّم بمعظم تصرفاتنا، تحقيق غاياتهم واحتياجاتهم الجسدية الجنسية، فراحوا – بفضل الهوس الجنسي – إلى البحث عنها بعد الانتحار حيث الفحولة الذكورية، بدون فياغرا، أو أكلة كوارع؟

هل لو كان هؤلاء الإرهابيون يعيشون في مجتمعات لا قمع جنسياً فيها، كما هي المجتمعات الغربية الآن، وكانوا مرتبطين بحبيبات وصديقات ينتظروهن في موعد على العشاء في ضوء القمر، هل كانوا سيتركون هذا الموعد ويفجرون أنفسهم بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، ليموتوا موتاً مسرحياً وأسطورياً مجانياً لا هدف منه غير الموت والفناء هروباً من جحيم القمع الجنسي الذي عاشوه في هذا الشرق؟

 

- 3 -

 

أليست ظاهرة الإرهاب في هذا الشرق، هي جزء من ظاهرة الانهماك المرضي في كينونة المرأة: توجد أو لا توجد، تتعلم أو لا تتعلم، تتحرر أم تظل مستعبدة، تتمتع بحق المواطنة كاملة أم لا تتمتع، تُعزل عن الرجال أم لا تُعزل، تعمل أو تظل سجينة في بيتها، تتحجب أو لا تتحجب، ما يليق بها من الوظائف وما لا يليق، تصلح للرئاسة والقضاء أم لا تصلح، إلى الحد الذي أصبحت فيه المرأة بوجودها، وملابسها، ومكياجها، وشعرها، وحيضها، وصومها، وصلاتها، وكعبها العالي، ومشيتها، والحديث معها، الشغل الشاغل للفقهاء والعلماء والخطباء المحرومين جنسياً، والمرضى بـ «فوبيا النساء»، والبدائيين المتوحشين الذين لا يتورعون عن الاعتداء الهمجي الجنسي إذا ما اختلوا بالمرأة، وكأنهم ما زالوا يعيشون في المجتمع البدائي؟

وهل تلاحظون معي أن الإرهابيين في هذا الشرق يكثرون ويتوالدون بكثرة كالأرانب في البلدان الأكثر قمعاً للجنس، والتي تعيش في بؤس وحرمان جنسي، ويتم الفصل فيها بين الذكور والإناث كفصل الأرض عن السماء؟

أليست كل هذه الأسئلة جديرة بأن نحاول الإجابة عنها مستقبلاً، علّنا نهتدي إلى إجابات لم يعثر عليها الآخرون في السابق؟

 

- 4 -

 

ميشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي المعاصر، يقول في مقابلة له مع برنارد هنري ليفي، إن المؤرخين كانوا في الماضي فخورين لاكتشافهم أن باستطاعتهم التأريخ لا للمعارك والسياسة والمؤسسات فقط، ولكن للاقتصاد كذلك. وها هم الآن مشدودون لتأريخ العواطف والسلوك الجنسي كذلك. والمثال البارز على ذلك السيرة التاريخية للورانس العرب الذي اغتصبه الجنود الأتراك في 1915 لشكّهم في تعاونه مع الحلفاء، فما كان منه إلا أن ذهب الى الحجاز، وانضم الى الشريف حسين نكاية بالأتراك، وكتب تقارير مطولة للمخابرات البريطانية ضدهم، ثأراً لاغتصابهم له. وبذا كان الجنس دافعاً للورانس لكي يكتب تاريخاً جديداً في المنطقة.

وبعيداً عن السياسة وهمومها، ألم يكن الجنس عاملاً مؤثراً وموجهاً ودافعاً لخلق شعراء عظام في تاريخ الأمم، وفي تاريخنا العربي على وجه الخصوص، فقدم لنا أبا نواس، وعمر بن أبي ربيعة، وبشار بن برد، وغيرهم؟

فمتى نبدأ نحن كباحثين في تفسير تاريخنا الحديث والماضي تفسيراً جنسياً علمياً، فيما لو علمنا أن التاريخ يُشكَّله عاملان: المال والجنس، وبعد أن بدأ كثير من الروائيين العرب في تحليل الواقع العربي تحليلاً جنسيا،ً كما نقرأ في روايات حنان الشيخ وياسين رفاعية وأحلام مستغماني وغيرهم؟

السلام عليكم

back to top