وجهة نظر : العالم في ظل تداعيات قرار الفيدرالي الأميركي

نشر في 25-01-2008
آخر تحديث 25-01-2008 | 00:00
 د. عباس المجرن تخفيض البنك المركزي لسعر الفائدة الاساسي يوم الاربعاء بعد قرار مجلس الاحتياطي الفدرالي الاميركي خفض الفائدة ثلاثة ارباع النقطة يوم الثلاثاء، وكذلك القرارات المماثلة للسلطات النقدية في كل من الرياض والمنامة وأبوظبي والدوحة، اضافة الى تداعيات القرار الاميركي على كل اقتصاديات العالم بدءا بأميركا الجنوبية ووصولا الى اوروبا وانتهاء بآسيا، كل ذلك يحمل دلالات عميقة وينذر بمخاطر واسعة.

إحدى هذه الدلالات هي ان تقسيم دول العالم من الناحية النقدية الى دول تتبع منطقة الدولار الاميركي، واخرى تتبع منطقة الجنيه الاسترليني، وثالثة تتبع منطقة الين الياباني، كما كان دارجا، لم يعد له اساس واقعي، فكل دول العالم، شاءت أم لم تشأ، تتبع منطقة الدولار الاميركي، الذي مكنه اتفاق «بريتون وودز» من ان يحتل تدريجيا موقع عملة الاحتياطي الدولي من دون منازع.

وبموجب ذلك الاتفاق الذي يعود الى سنة 1944، حظيت الولايات المتحدة، دون غيرها من الدول، بحق اصدار عملتها الوطنية من دون غطاء نقدي او ذهبي، كما هو حال العملات الاخرى، وذلك مقابل تعهدها آنذاك باستبدال الدولار بالذهب، وفي عام 1971 اضطرت واشنطن الى فك ارتباط الدولار بالذهب، فلم يعد الدولار قابلاً للتحويل الى ذهب، وبذلك باتت قوة الدولار مرتبطة بقوة الاقتصاد الاميركي، وبقدرته على استبدال الدولار بسلع وخدمات.

وساد انطباع عام في عقد السبعينيات، بأن سعر صرف الدولار مستقر الى حد كبير مقارنة بعملات الدول الاخرى، وهو بالتالي احتياطي نقدي جيد يمكن الاعتماد عليه، إذ انه يقوم بوظائف النقود الاساسية اي انه وسيط في تبادل السلع والخدمات ووحدة حساب (دولية)، ومخزن للقيمة، اي انه يحتفظ بقيمته على المدى الطويل.

وقد قبِل العالم على مضض في ذلك الوقت خفض سعر صرف العملة الاميركية باعتباره اجراء علاجيا كان لابد منه نتيجة للخسائر القياسية التي تعرض لها اقتصاد الولايات المتحدة من جراء حرب فيتنام التي امتدت عقدا كاملا من الزمن، وباعتباره إجراء استثنائيا لن يتكرر.

غير ان العالم أفاق على أن تلك الضمانات لم تعد موجودة على ارض الواقع في ظل سياسة تعويم العملات، وفي ظل تنامي كمية الدولارات المصدرة، وخروجها عن نطاق سيطرة السلطات النقدية العالمية.

ويؤكد على ذلك التدهور المتواصل في سعر صرف الدولار الاميركي في السنوات الاخيرة، وهو تدهور يصب في مصلحة اقتصاد الولايات المتحدة الذي يصبح اكثر تنافسية وأكثر قدرة على معالجة العجز في ميزانه التجاري كلما أنخفض سعر صرف الدولار مقابل العملات الاخرى.

اما بالنسبة لبقية دول العالم، فانها فضلا عن الخسارة التي تلحق بها نتيجة لتحول الميزان التجاري العالمي لمصلحة الاقتصاد الاميركي، فانها تدفع فاتورة انخفاض قيمة الغطاء النقدي لعملاتها الوطنية، اذا ما ارادت ان تحافظ على استقرار هذه العملات، وهذا هو احد اهم اهداف السياسات النقدية في الأجل الطويل.

ولا تتوقف المشكلة عند هذا الحد، ذلك ان انخفاض سعر صرف الدولار سيضطر الولايات المتحدة ذاتها إلى أن تدفع كمية أكبر من الدولارات مقابل وارداتها من العالم الخارجي، وهذا يعني أنها تستورد التضخم من الخارج مع كل انخفاض في سعر الصرف.

صحيح أن التضخم الخارجي مفيد للسلع المنتجة محليا ولكن هذه الاستفادة ستكون مؤقتة إلى حد كبير، ذلك أن منتجي السلع الاميركية سيجدون من المناسب لهم تعظيم ارباحهم من خلال زيادة اسعار هذه السلع التي أصبحت أكثر تنافسية مما يزيد من حدة التضخم.

ولأن الاقتصاد الأميركي اقتصاد عملاق وذو روابط تجارية دولية كبيرة، فإن هذا التضخم سيتحول إلى تضخم عالمي وتضطر معه اقتصادات العالم إلى دفع فاتورة واردات أعلى إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول.

وبذلك يكون الاثر السلبي لانخفاض سعر صرف الدولار أثرا مضاعفا على الدول النامية بل على الدول الصناعية الاخرى كذلك.

المشكلة الحقيقية اذن تكمن في ان الولايات المتحدة، قائدة الاقتصاد العالمي، تستخدم ادواتها المالية والنقدية بهدف توفير الحماية لاقتصادها الوطني، بينما يؤثر استخدام هذه الادوات بشكل هائل وخطير في اقتصادات دول العالم الاخرى.

ولا تملك الدول التي تعمل منفردة القدرة على مواجهة مثل هذا التأثير، ولعل دول اوروبا كانت مدركة لذلك عندما تحولت الى كتلة نقدية عملاقة لتدرأ عنها مخاطر الارتباط بالدولار. فهل بإمكان الدول النامية ان تفعل شيئا وهي لا تتصرف تصرف الكتلة الواحدة في مواجهة ما تتعرض له من آثار تفرضها عليها تداعيات قرارات المجلس الاحتياطي الفدرالي الاميركي.

back to top