دراسة برلمانيّة حذّرت من تراجع مخيف في مستوى الخدمات الصحية (الجزء الثاني)

نشر في 01-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 01-07-2007 | 00:00
الصحة: تضخم إداري... هدر للكفاءات الوطنية... أخطاء طبية قاتلة

دراسة تحليلية حول تردي الخدمات الصحية أعدتها إدارة البحوث والدراسات في مجلس الامة، تحذر من تراجع الخدمات الصحية، مؤكدة أن ضعفاً في رقابة الوزارة على الهيئة الطبية جعل الاخطاء الطبية تشكل ظاهرة خلقت حالة من الخوف لدى متلقي الخدمة الصحية.

كشفت دراسة تحليلية اعدتها إدارة البحوث والدراسات في مجلس الامة حول تردي الخدمات الصحية في الكويت، ان الأخطاء الطبية باتت تشكل ظاهرة متكررة، مما أدى الى حالة من الخوف والهلع لمتلقي الخدمات الصحية بسبب تدني المستوى لبعض الأطباء وعدم حصولهم على الخبرة، ووقوع بعضهم تحت ضغط الازدحام، فضلا عن ضعف رقابة الوزارة على الهيئة الطبية، لافتة الى ان عدد قضايا الاخطاء الطبية التي رفعت على وزارة الصحة بلغ في عام 2005 أكثر من 250 قضية لمرضى تعرضوا لهذه الأخطاء أثناء تلقيهم العلاج في المستشفيات الحكومية.

وأكدت أن الهيئات التمريضية في القطاع الصحي تعاني من نقص كبير يصل إلى %26 بسبب تمديد ساعات العمل في المراكز الصحية، وسوء توزيع الممرضين بين المناطق الصحية، اضافة إلى الإحباط الوظيفي للهيئة التمريضية بسبب إحساسهم بالإجحاف في حقوقهم المالية والوظيفية، قائلة إن الكويت تعاني من هذا النقص بشكل كبير في الكوادر الوطنية حيث لا تتجاوز نسبتهم %6 من إجمالي الهيئة التمريضية في وزارة الصحة.

وقالت إن أغلب المشكلات التي تعاني منها الخدمات الصحية ناتجة عن سوء أو ضعف ادارة المرافق، وعدم السعي الى حل المشكلات، مما يؤدي الى حالة من الإحباط واللامبالاة في العمل وبالتالي ضعف الانتاجية.

وذكرت أن هجرة الأطباء الكويتيين الى الخارج تمثل هدراً صارخاً لسياسة الاستثمار البشري التي اتبعتها الدولة.

وألمحت الدراسة الى أن طبيعة وظروف وآلية العمل في المستشفيات والمراكز الصحية يمكن أن تكون سبباً لانتشار الأمراض المعدية، وان الوزارة لم تصل الى المستوى العالمي المطلوب في حالات التعقيم والسلامة المهنية، مشيرة إلى أن عمال النظافة معرضون لخطر العدوى ومن ثم نقلها الى أشخاص آخرين، وتكمن الخطورة القصوى عند نقلها إلى مريض يعالج في المستشفى.

وفيما يلي الدراسة بالتفصيل:

الأوضاع الحالية للخدمات الصحية (2000-2005):

ثانيا:

(1) تضخم الجهاز الاداري لوزارة الصحة:

تقدم وزارة الصحة خدمات طبية ذات طبيعة فنية، لذا فانها تجمع بين موظفيها، إضافة إلى الأطباء، ممرضين وممرضات وعددا من الإداريين وغيرهم اللازمين لإتمام تقديم الخدمات الطبية.

وخير دليل على وجود تضخم ملحوظ في الجهاز الإداري في وزارة الصحة ومستشفياتها ومراكزها الطبية، تلك المقارنة بينها وبين القطاع الأهلي (الذي تراعى فيه معايير الجدوى الاقتصادية للعمالة والتشغيل بحكم طبيعته).

(2) النقص في أعداد الهيئات التمريضية:

إن معدل الهيئات التمريضية في القطاع الصحي الأهلي لا يقل عن %65.4 من إجمالي العاملين في المستشفيات والمراكز الطبية مقابل ما لا يزيد على %31 في المستشفيات والمراكز الطبية لوزارة الصحة.

وفي بيان الحكومة أمام لجنة الشؤون الصحية والاجتماعية والعمل المقدم في نوفمبر 1998، أقرت وزارة الصحة بوجود نقص كبير في أعداد الهيئة الطبية يصل إلى حوالي %26 وأرجعت وزارة الصحة في هذا البيان أسباب النقص إلى عدة أسباب بينها:

-1 زيادة عدد المراكز التي تعمل يومي الخميس والجمعة.

-2 تمديد ساعات العمل في المراكز الصحية.

-3 لسد النقص في المستشفيات والمراكز الصحية الناتجة من الزيادة المطردة في أعداد الاستقالات بين أفراد الهيئة التمريضية غير الكويتية.

-4 افتتاح غرف العمليات في الأجنحة المغلقة في بعض المستشفيات.

-5 افتتاح مراكز صحية جديدة.

-6 توفير ممرضات للعمل في المدارس بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.

(3) سوء الإدارة وعدم توافر موظفي استقبال مدربين على خدمة المراجعين:

تعتبر الإدارة السليمة هي الطريق الأمثل لنجاح العمل، ولعل أغلب المشكلات تنتج عن ضعف في مستوى الادارة أو سوء القيام بالواجبات الموكلة، واذا كان هذا ينطبق بشكل عام على الادارة العامة، فانه في المجال الطبي تزداد الحاجة الى التخصص في علوم الادارة الصحية، لادارة المرافق الصحية بشكل ناجح يساهم في حل المشكلات في المرفق الصحي، ويحقق المتطلبات المتزايدة للرعاية الصحية، ويمكن القول إن أغلب المشكلات التي تعاني منها الخدمات الصحية ناتجة عن سوء أو ضعف ادارة هذه المرافق، ففي بعض المستشفيات والمراكز الصحية لا نجد أي دور للإدارة الصحية في حل المشكلات التي يعاني منها المستفيدون من الرعاية الصحية كظاهرة الازدحام لدى العيادات الصحية أو مشكلة تأخير العمليات الجراحية أو عدم وجود سرير طبي للمريض، وكذلك الحال فإن لدى العاملين في هذه المرافق الصحية مشكلات أخرى لا تسعى الادارة الطبية الى حلها مما يؤدي الى حالة من الإحباط وبالتالي الوصول الى حالة اللامبالاة في العمل مما يؤدي الى ضعف الانتاجية.

وهنا تجب الاشارة الى ضعف تركيز وزارة الصحة على تخصص الادارة الطبية لدى أغلب المسؤولين في المراكز الطبية والمستشفيات، واسناد ادارة هذه المرافق الى أطباء بشريين أو تخصصات عامة، اضافة الى عدم أو ضعف تأهيل هذه الفئات من خلال برامج تدريبية متخصصة في مجال الادارة الطبية.

(4) هجرة الأطباء الكويتيين الى الخارج:

بدأت ظاهرة هجرة الأطباء الكويتيين الى الخارج منذ ثلاث سنوات، حيث استقال خلال هذه الفترة ما يزيد على خمسين طبيباً وجميعهم من حملة شهادات التعليم العالي (مثل الزمالة) وذوي التخصصات النادرة للعمل في الخارج، وهو ما اصطلح على تسميته هجرة الأطباء الكويتيين الى الخارج، حيث اتجهوا للعمل في المستشفيات الخليجية والأميركية والكندية.

(5) ضعف مستوى النظافة في بعض المراكز الصحية والمستشفيات مما لا يتناسب مع سمعة الكويت دولياً:

تعتبر النظافة العامة في المرافق الصحية من أهم عوامل نجاح العملية الصحية، وذلك لما لها من دور مهم في سلامة المرضى والمراجعين والعاملين في هذا المرافق.

إن طبيعة وظروف وآلية العمل في المستشفيات والمراكز الصحية يمكن أن تكون سبباً لانتشار الأمراض، خاصة الأمراض المعدية، مما يؤدي الى أن تكون هذه المرافق مصدراً للأمراض بدلاً من معالجتها في حال انخفاض معدل النظافة، فتؤثر على خدمات ومصالح المجتمع والدولة.

وتعد (عدوى المستشفيات) مشكلة عالمية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وعليه فقد ركزت معظم الأبحاث العلمية في مجال السلامة الصحية على نظافة اليدين للعاملين في المستشفيات والمرضى وجميع أفراد المجتمع وهو مبدأ الصحة العالمية للسلامة الصحية الذي أطلق عليه «الرعاية الصحية أكثر أماناً».

ويقع العبء الأكبر في نظافة المرافق الصحية على عمال النظافة من خلال جمع النفايات الطبية في أكياس خاصة ونقلها إلى حاويات مخصصة لذلك، عدا مسؤوليتهم عن أعمال النظافة اليومية للمباني الصحية، ومن المعروف أن جميع عمال النظافة هم من الفئات الضعيفة أو معدومة التعليم وبالتالي فهم لا يدركون مدى خطورة التعامل مع النفايات الطبية وأهمية السلامة الطبية وأصول النظافة خاصة في المستشفيات، ولذلك فهم معرضون لخطر العدوى ومن ثم نقلها الى أشخاص آخرين، وتكمن الخطورة القصوى عند نقلها إلى مريض يعالج في المستشفى.

وفي هذا المجال فإن وزارة الصحة تقوم بمراقبة سلامة المرضى والمراجعين والعاملين في المرافق الصحية عبر ادارة منع العدوى، إلا أنها لم تصل الى المستوى العالمي المطلوب في حالات التعقيم والسلامة المهنية، ولذلك فان ادارة منع العدوة في الوزارة بصدد مراجعة نظم التعقيم الحالية في جميع مستشفيات وزارة الصحة لتطوير خدمات التعقيم وفقاً لاحدث التقنيات العالمية في مجال التعقيم وهي تقنية (البلازما) من أجل حماية وسلامة وأمان المرضى.

أهم الحلول المقترحة لعلاج مشكلات الخدمات الصحية في دولة الكويت

توصلت الدراسة إلى عدة حلول لعلاج المشكلات الصحية في وزارة الصحة وتغطي عناصر المشكلات الصحية التي طرحناها في هذا الفصل أهمها:

-1 متابعة بناء مستشفيات عامة وتخصصية جديدة في محافظات الكويت لمواجهة التطور السكاني والعمراني وزيادة أعداد المراجعين.

-2 تطوير العمل وآلية مراجعة المرضى والمراجعين للمراكز والمستشفيات في وزارة الصحة وإيجاد الحلول المناسبة لمواجهة زيادة أعداد المراجعين.

-3 زيادة اعداد الأطباء في المراكز الطبية والمستشفيات وتحسين اداء العمل في المرافق الصحية للقضاء على ظاهرة طول فترة المواعيد والانتظار أمام عيادات المراكز الطبية والمستشفيات.

-4 اعادة هيكلة عمل الأطباء في وزارة الصحة وتحسين آلية العمل.

-5 القضاء على ظاهرة نقص الأدوية في بعض المراكز الطبية والمستشفيات ووضع ضوابط أكثر فاعلية في عملية صرف الأدوية، والقيام بحملات ترشيدية للاستهلاك للمراجعين في وسائل الاعلام المختلفة.

-6 القضاء على الواسطة في المراكز الطبية والمستشفيات عبر القيام بحملات توعية للعاملين في هذه المرافق، وايجاد نظام أكثر رقابة لضمان عدالة استخدام الخدمات الصحية.

-7 القيام ببرامج تأهيل مستمرة للأطباء من خلال انشاء معاهد متخصصة طبياً وادارياً تقدم للكوادر الصحية الوطنية دورات تدريبية لزيادة التحصيل العملي، والاطلاع على آخر المستجدات الطبية العالمية، للتقليل من ظاهرة الاخطاء الطبية، واجراء تقييم دوري لمستوى اداء الهيئة الطبية عبر لجان طبية متخصصة.

-8 الاسراع في انجاز نظام خاص للعلاج في الخارج ووضع الضوابط والمعايير له، مع التأكيد على مبدأ العدالة والمساواة لابتعاث الحالات المرضية للخارج.

-9 حل مشكلات الهيئة التمريضية ووضع حوافز مالية ووظيفية للحد من ظاهرة استقالة الممرضين والممرضات، وحث الشباب الكويتي على الانخراط في مهنة التمريض كمهنة انسانية ومهمة وطنية.

-10 تحسين مستوى الادارة في المراكز الطبية والمستشفيات في وزارة الصحة مع التركيز على تنمية وتطوير امكانات المسؤولين فيها عبر الدورات الحديثة لعلوم الادارة الصحية.

-11 حل مشكلات الأطباء ومشكلة هجرة الأطباء بشكل فوري لما يسببه ذلك من هدر للكفاءات الوطنية وخسارة للدولة ونقص في اعداد الاطباء، عبر وضع كادر خاص بالاطباء يليق بمكانتهم العلمية ومهمتهم الانسانية.

-12 تحسين مستوى النظافة في المراكز الطبية والمستشفيات، بما يتناسب مع سمعة الكويت وأهمية نظافة المرافق الصحية فيها.

الحلول المقترحة لمشكلات الرعاية الصحية في دولة الكويت

يعتبر التخطيط السليم المبني على أسس علمية لأي قضية هو الأسلوب الأمثل للتعامل معها، فعن طريقه يمكن وضع أهداف لبلوغها عبر عدة أعمال يجب القيام بها للوصول الى الهدف المنشود، آخذاً في سبيل تحقيق ذلك المتغيرات المتحركة والمؤثرات الطارئة وكيفية التعامل مع العوائق ووضع الحلول لها.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة الصحة في سبيل توفير الرعاية الصحية في البلاد، إلا أنه كان الأولى بالقائمين على الخدمات الصحية في الكويت وضع خطة صحية لتطوير الخدمات الصحية في البلاد تشمل أهدافا قصيرة وبعيدة المدى، وتستند على أسس علمية لحل المشاكل الصحية العالقة وتطوير الخدمات الصحية وصولاً الى مستوى أفضل لتقديم الخدمة الصحية وتحقيق الآمال والتطلعات، ورفع نسبة الأداء خاصة في ظل تحسن الأوضاع الاقتصادية للدولة. ولعل هذا ما دفع وزارة الصحة العامة مؤخراً (مجلس وكلاء الوزارة) الى وضع برنامج عمل الصحة للفترة (2006-2010) والمتضمن وضع حلول جذرية من أجل رفع العبء عن كاهل الخدمات الصحية القائمة والحاجة الى مواكبة معدلات الخدمة العالمية والتوسع العمراني الحالي والحاجة الى توفير خدمات صحية للمناطق السكنية.

وطبقاً للبرنامج المقترح فان الرؤية المستقبلية تقضي بزيادة 5930 سريراً الى الطاقة السريرية في البلاد التي تبلغ حالياً 4 آلاف سرير، أي ما يمثل نسبة زيادة %121.3 من الأسرة الحالية وكذلك تشييد 27 مركزاً صحياً جديداً تمثل %34.2 من عدد المراكز الصحية الحالية والتي تزيد على 75 مركزاً صحياً لمختلف المناطق الصحية، اضافة الى بناء وتشييد أكثر من 9 مستشفيات جديدة في مختلف أنحاء البلاد.

ولعل أبرز ملامح برنامج عمل وزارة الصحة المذكور (الخطة الصحية) هو ما ورد في البرامج التنفيذية للمشاريع الإنشائية الحكومية للمباني الصحية عبر إنشاء ثلاثة مستشفيات عامة في جنوب السرة بسعة 1100 سرير، وإنشاء مستشفيين تخصصيين بسعة 500 سرير، إضافة الى انشاء مبان جديدة في المستشفيات القائمة حالياً لزيادة سعتها السريرية، اضافة إلى إنشاء 27 مركزاً صحياً جديداً في مراحل مختلفة. ويمكن القول من خلال ما هو متوافر من معلومات أن هذه أول خطة صحية تتضمن إنشاء مبان صحية ومستشفيات عامة جديدة، حيث إن عدد المستشفيات العامة في البلاد خمسة مستشفيات فقط منذ 1981، ولم يتم بعد هذا التاريخ بناء أي مستشفى عام جديد، مما يدل على أنه لم يكن يوجد في السابق أي مشاريع لزيادة الخدمات الصحية لتواكب التطور العمراني والسكاني في البلاد، ما أدى الى زيادة الضغط على الخدمات الصحية القائمة وعدم كفايتها وهذا يعتبر سببا رئيسيا كما ذكرنا لظهور المشاكل الصحية وتطورها مع مرور الوقت.

دراسة برلمانية حذّرت من تراجع مخيف في مستوى الخدمات الصحية: مستشفيات قديمة... واسطة ومحسوبية... نقص أدوية... تشخيص خاطئ (الجزء الأول)

back to top